ما قصة اللقاحات… كيف عرفها العالم وما هي طريقة عملها وهل يجب أن نقلق منها

8
ما قصة اللقاحات... كيف عرفها العالم وما هي طريقة عملها وهل يجب أن نقلق منها
ما قصة اللقاحات... كيف عرفها العالم وما هي طريقة عملها وهل يجب أن نقلق منها

أفريقيا برسمصر. في أزمنة الأوبئة، كعصر كورونا، لا ينتشر الوباء فقط، ولكن تنتشر معه آفات وأوبئة تعادل خطورتها الوباء الأصلي، ومنها وباء الشائعات، التي تنتشر فتزيد الخوف والهلع من المرض، وتتكاثر فتحاول قتل كل فرصة للسيطرة على الوباء.

مع جائحة كورونا انتشرت الكثير من الشائعات، وزادت وتفاقمت ورددها ملايين البشر حول العالم، مرة عن الوباء نفسه ومرات عن اللقاحات التي أعدت لمواجهة، فبات الأمر وكأن اللقاح أخطر من الوباء نفسه.

لمواجهة هذه الشائعات تحدث الكثير من العلماء، والأطباء عن أهمية اللقاحات في مواجهة كورونا، كما هو حال هذه اللقاحات في مواجهة أمراض أخرى، كانت تمثلا خطرا حقيقيا على البشرية، ومستقبل البشر على الأرض.

لهذا في هذا التقرير نحاول الإجابة عن الأسئلة المهمة المتعلقة بصناعة اللقاحات، كيف تصنع وكيف تعمل في جسم الإنسان، وهل يجب أن نقلق منها أم نسعى إلى الحصول عليها حماية لنا وللمجتمع.

متى ظهرت اللقاحات في التاريخ؟

ارتبط ظهور اللقاح، في محاولات العالم مواجهة وباء الجدري، وهو أحد أقدم الأمراض التي أصابت البشر، وجدت آثاره فى بعض المُومياءات من عهد قدماء المصريين، وحصد أرواح الملايين من البشر.

بالتأكيد كانت هناك محاولات كثيرة لمواجهة هذا المرض، وينقل موقع “history of vaccines” (مورد ومرجع تعليمي لجمعية الأطباء في فيلادلفيا)، أن البداية كانت في بدايات في حوالي عام 1921، عندما عادت سيدة إنجيليزية تدعي لورد ماري مونتيجو من تركيا، حيث كانت تدرس هناك، فطلبت من طبيبها تطعيم طفلتها ذات العامين بسائل مأخوذ من بثرة جدري في شخص مصاب بالجدري إصابة خفيفة، وتعرضت لانتقادات كبيرة لدفاعها عن التطعيم، الذي انتشر تدريجيا، واكتشف قدرته على الحماية من الجدري.

وكان التطعيم يتم بخدش جلد شخص سليم ووضع السائل من المصاب به، ثم متابعة حالته، وكانت النتيجة أحيانا مميتة 3%-2% من الملقحين ماتوا بسبب الجدري (مقارنةً بـ 20%-30% بعد الاصابة بالجدري).

استمر الوباء، واستمرت محاولات السيطر عليه، حتى جاء عام 1770، والذي يعتبره الكثير من متابعي تاريخ اللقاحات هو العام الذي تم فيه بالفعل اكتشاف اللقاحات بشكل يشبه شكلها الحالي، فبينما كان الطبيب الإنجليزي إدوارد جانر (1749ــ1823) يمارس عمله الطبيعي في عيادته، دخلت عليه فتاة تعمل “حلابة بقر” تطلب منه استشارة طبية، وعندما سألها عن إصابتها من قبل بالجدري قالت له إنها محمية من الجدري لأنها تلقت الجدري البقري من البقر، وعندما سألها عن مصدر هذه المعلومة قالت إنها قصة شائعة في الريف بأن عمال الألبان لا يصابون بمرض الجدرى لأنهم يصابون بجدرى البقر الذي له تأثير بسيط على الإنسان.

والجدري البقري مرض غير شائع في البقر، وهو خفيف عمومأ، ويمكن أن ينتقل إلى الإنسان عبر ثبور في البقر. خلال الاصابة، قد تظهر بثور على الشخص المصاب.

وهنا انتبه الإنجليزي لهذه الفرضية، وبدأ يبحث عن الأمر بشكل علمي، فاكتشف أن “جدري البقر” نوعان، يشبه أحدهما الجدري الذي يصيب الإنسان، والذي يمكن تلقيح البشر به فيحميه من الإصابة بالجدري، وفي 14 مايو/أيار 1796، وقع اختيار حانر على طفل يدعى جيمس فيبس، (8 سنوات) لتلقيحه بفيروس “جدري البقر”، كان قد استخلصه من إحدى الفتيات العاملات في حلابة البقر، ثم عرض الطفل للجدري فلم يصب به.

هكذا نجا الطفل ولم تظهر عليه أي أعراض مرضية، فوسع جينر دراساته، وبعد ستة أسابيع من العام ذاته (1796)، لقح الطفل نفسه بفيروس الجدري المميت، وتركه يُخالط المصابين بالمرض، فكانت المفاجأة أن الطفل لم يُصب بأى أعراض، وفى 1798 أعلن أن لقاحه آمن للأطفال والبالغين، وفى 1801 تم تطعيم أكثر من مائة ألف شخص ضد المرض، وفي عام 1950 دشنت منظمة الصحة العالمية، حملة واسعة للتطعيم بالجدري إلى أن جاء عام 1980 لتعلن المنظمة للعالم استئصال الجدرى.

ربما هذا ما يفسر أن كلمة لقاح أو “vaccine”، تعود إلى المصطلح الإنجليزي “Variolae vaccinae”، وترجمتها بالعربية “جدري البقر”، وأطلق هذا الاسم إدوارد جانر، ولقب بـ”أبو علم المناعة”.

ورغم الفضل الكبير لجانر إلا أنه في الطريق منه إلى اليوم هناك مئات الآلاف من الدراسات والتجارب والصدف التي أدت إلى ما وصل إليه العالم اليوم في علم اللقاحات.

فمنذ أواخر القرن التاسع عشر، باتت اللقاحات تحظى على احترام وأهمية عالمية، وبدأت الدول في وضع قوانين لها، ومع التطور العلمي الذي بدأ في القرن العشرين تم اكتشاف لقاحات عديدة ناجحة، استطاعت أن تواجه الكثير من الأمراض التي كان يعاني منها البشر والتي من بينها “الدفتيريا”، و”الحصبة”، و”الحصبة الألمانية”، وكذلك لقاح شلل الأطفال في الخمسينيات الذي يحد واحد من أهم أنجازات علم المناعة، وانتاج اللقاحات.

كيف تعمل اللقاحات؟

تحتوي اللقاحات على أجزاء ضعيفة أو معطلة من كائن حي معين، أو ما يسمى “مستضد”، تؤدي إلى تنشيط الجهاز المناعي داخل الجسم، فتدفعه إلى الاستجابة المناعية، فيما تحتوي اللقاحات الحديثة على “المخطط الأولي لإنتاج المستضدات” بدلاً من المستضد نفسه.

وتقول منظمة الصحة العالمية على موقعها الرسمي إن اللقاحات بشكل عام تعمل عبر محاكاة عاملٍ معدٍ (فيروسات، أو بكتيريا، أو كائنات دقيقة أخرى) يمكنها التسبب بالأمراض. وتؤدي هذه المحاكاة إلى تنشيط نظام المناعة في الجسم فيستجيب بسرعة وفاعلية ضد العامل المُعدي.

وهذه هي الطريقة التقليدية لعمل اللقاحات، وبها تم العمل على لقاح كوفيد-19، غير أن هناك لقاحات ضد كوفيد-19 طوِّرت باستخدام طرق مختلفة، وهي الطريقة التي تدعى لقاحات “الرنا المرسال”، وبها يتم بدلاً من تقديم عامل معدٍ ضعيف (أي مادة تدفع نظام المناعة لديك إلى إنتاج أجسام مضادة)، يمنح لقاح الرنا المرسال جسد المرء رموزاً جينية يحتاجها لتمكين نظام المناعة من إنتاج الأجسام المضادة اللازمة.

وهذه الطريقة خضعت لدراسات كثيرة على امتداد عقود من الزمن، فلا تحتوي هذه اللقاحات على فيروس حي ولا تتدخل بالحمض الخلوي الصبغي البشري (DNA)، وهو ما يرد على شائعات كثيرة تتعلق بخطورة لقاح كورونا على الإنجاب، كونه يؤدي إلى “العقم”، وفي إجابتها على هذه الشائعة قالت مديرة التحصين، واللقاحات، والأحياء البيولوجية بمنظمة الصحة العالمية، الدكتورة كاثرين أوبراين، إن “هذه إشاعة ارتبطت بالعديد من اللقاحات المختلفة، ولا صحة لهذه الشائعة، ولا يوجد لقاح يسبب العقم”.

Dr @Kate_L_OBrien busts some #COVID19 vaccine myths related to infertility, DNA and composition of vaccines ⬇️#ScienceIn5 pic.twitter.com/0Kudbr2ZmK — World Health Organization (WHO) (@WHO) February 7, 2021

وأشارت إلى وجود لقاحين حالياً يشار إليهما بلقاحات “mRNA”، وأوضحت: “ليست هناك طريقة يمكن أن يتحول فيها mRNA إلى حمض نووي، ولا يستطيع تغيير الحمض النووي للخلايا البشرية”.

كيف تعمم اللقاحات على البشر؟

يجب أن يخضع كل لقاح يتم انتاجه إلى اختبارات كثيرة وصارمة لضمان أنه آمن على البشر قبل بدء استخدامه، وقبل أن يختبر اللقاء على البشر يمر اللقاح بمرحلة التجريب على الحيوانات، فإذا ثبتت مأمونيته على هذه الحيوانات تبدأ خطوات تجريبه على البشر أو ما يسمى المرحلة السريرية. وتشير منظمة الصحة إلى أن هناك ثلاث خطوات يتم من خلالها اختبار اللقاح على البشر أو ما يسمى التجارب السريرية.

المرحلة الأولى:

وفي هذه المرحلة يتم اختيار مجموعة صغيرة من المتطوعين، ويتم حقنهم باللقاح ومتابعة مأمونيته وتأكيد توليده للاستجابة المناعية وتحديد الجرعة المناسبة. ويحرص أن يكون هؤلاء المتطوعين من الشباب البالغين والأصحاء.

المرحلة الثانية:

يتم في هذه المرحلة زيادة عدد الأشخاص الذين يتم اختبار اللقاح عليهم، يصل العدد إلى مئات ويكونوا من المتطوعين أيضا، وكذلك يتم مراقبة مأمونية اللقاح وقدرته على توليد الاستجابة المناعية.

في هذه المرحلة يتم اختيار المشاركين الذي يكون لهم خصائص مماثلة (مثل السن والجنس) لخصائص الأشخاص الذين يستهدفهم اللقاح. وتُجرى عادة تجارب متعددة في هذه المرحلة لتقييم مختلف الفئات العمرية ومختلف تركيبات اللقاح.

وفي هذه المرحلة يتم اختيار مجموعة من الأشخاص لا يتم تطعيمهم باللقاح ليكونوا مجموعة للمقارنة من أجل تحديد ما إذا كانت التغييرات الطارئة في مجموعة الأشخاص المطعمين تعود إلى اللقاح أو ما إذا حدثت بالصدفة.

المرحلة الثالثة:

يصل عدد المتطوعين في هذه المرحلة إلى آلاف الأشخاص، تحقن باللقاح، ويتم متابعة مأمونية اللقاح وقدرته على توليد الاستجابة المناعية، ويُقارن بمجموعة مماثلة من الأشخاص الذين لم يطعَّموا باللقاح لكنهم تلقوا منتجاً مستخدماً كأساس للمقارنة، لتحديد مدى نجاعة اللقاح ضد المرض الذي يستهدف الوقاية منه ولدراسة مأمونيته لدى مجموعة أكبر بكثير من الأشخاص. وفي هذه المرحلة عادة ما تُجرى التجارب على نطاق عدة بلدان وعدة مواقع داخل بلد معين لضمان انطباق نتائج أداء اللقاح على عدة فئات سكانية مختلفة.

لماذا يجب الحصول على اللقاحات؟

بشكل واضح وصريح وحاسم تقول منظمة الصحة العالمية في أكثر من منشور إن “اللقاح لا تسبب المرض للشخص الذي يتلقى اللقاح”، وتأتي هذه الجملة ردا على واحدة من أكثر الشائعات انتشارا في مواجهة اللقاحات المضادة لكورونا.

تشير منظمة الصحة العالمية إلى أنه إذا كان اللقاح يتكون من المستضد نفسه أو من المخطط الأولي الذي يتيح للجسم إنتاج المستضد، فإن هذه النسخة الموهّنة لن تسبّب المرض للشخص الذي يتلقى اللقاح، ولكنها ستدفع جهاز المناعة إلى الاستجابة قدر الإمكان كما لو كانت استجابته الأولى للعامل الممرض الفعلي.

وتؤكد المنظمة أن تلقيح الأفراد لا يحميهم فقط وإنما يؤدي إلى ما يمكن تسميته بـ”الحماية المجتمعية”، فالأشخاص الذين يمكنهم التلقيح يحمون بذلك الكثير من الفئات التي يستحيل تلقيحها لأسباب صحية.

ويتعذر تلقيح الأشخاص المصابين بمشاكل صحية كامنة أدت إلى إضعاف جهازهم المناعي (مثل مرضى السرطان أو فيروس نقص المناعة “الإيدز”) أو هؤلاء الأشخاص الذين يعانون من حساسية شديدة لبعض مكونات اللقاحات.

وتقول منظمة الصحة العالمية إنه بذلك عندما يتم تلقيح عدد كبير من أفراد المجتمع المحلي، فإنه سيصعب على العامل الممرض الانتشار لأن معظم الأفراد الذين يتعرضّون له يتمتعون بالمناعة. وبالتالي “كلما زاد عدد الأشخاص الذين يتلقّون التطعيم، قلّ احتمال تعرّض الأشخاص الذين تتعذّر حمايتهم باللقاحات لخطر العوامل الممرضة الضارة”، وهو ما يطلق عليه “المناعة المجتمعية”.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here