محاولات لعقد قمة حول سد النهضة تصطدم بتلاعب إثيوبي

15

مصر – افريقيا برس. قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا يقود جولة من الاتصالات السياسية، بصفته رئيساً للاتحاد الأفريقي، بمشاركة مفوضية الاتحاد، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، لعقد قمة أفريقية مصغرة جديدة لمناقشة أسباب تعثر الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة حتى الآن. وأوضحت أن الاتصال، الذي جمعه أمس الأول بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كان يهدف لتأمين موافقة القاهرة على عقد جولة مفاوضات جديدة، ومدى قبولها تضمين مواضيع تتعلق بمحاصصة مياه النيل على جدول الأعمال.
وذكرت المصادر، لـ”العربي الجديد”، أن محاولات عقد القمة تأتي بعد شهر تقريباً من فشل جولة اتصالات مشابهة لإرجاء الجولة الجديدة للاجتماعات بين مصر وإثيوبيا والسودان إلى أجل غير مسمى. وتم تبرير ذلك في الأوساط الدبلوماسية، وخلال الاتصالات بين العواصم المعنية بأزمة فيضان النيل المدمر، الذي شرد وقتل آلاف السودانيين بمناطق عديدة، لكن الحقيقة كانت وجود مشاكل جذرية عطلت المفاوضات المباشرة من دون التوصل إلى مسودة موحدة للإشكاليات والمقترحات كما كان مقرراً.

مصر تُرحب بعقد القمة حالياً لتحريك المياه الراكدة لكنها تعترض على مناقشة مسألة محاصصة مياه النيل حالياً

وكشفت المصادر أن مصر تُرحب بعقد القمة حالياً لتحريك المياه الراكدة، لكنها تعترض على مناقشة مسألة محاصصة مياه النيل حالياً، باعتبار أن المفاوضات خاصة فقط بسد النهضة، مع استعدادها لفتح حوار لاحقاً حول محددات هذا الملف، الذي يبدو أنه سيستغرق وقتاً طويلاً للتوصل إلى مجرد قائمة بالدول والأطراف المشاركة فيه، بسبب إصرار أديس أبابا على إشراك باقي دول حوض النيل فيه، على عكس رغبة القاهرة والخرطوم.

وذكرت المصادر أن إثيوبيا مستمرة في المقابل في اتباع تكتيكاتها المعتادة، بالاستغلال الكبير لأي مكسب، حتى ولو محدود، تحصل عليه في وثائق المفاوضات والبيانات الرسمية. إذ تتمسك بأن مصر قبلت الحديث عن أسس المحاصصة الجديدة لمياه النيل، وأنها قد أبدت مرونة في بعض البنود الفنية، وتحاول الاعتماد على هذه المستجدات التي أسفرت عنها القمتان المصغرتان السابقتان، لرفض أي ضغوط يحاول الاتحاد الأفريقي ممارستها، لتنفيذ الاتفاقات الأساسية التي تم إعلانها خلال القمتين، وأبرزها أن يكون الاتفاق الذي تتوصل إليه المفاوضات مُلزماً لجميع الأطراف، إذ تطالب باقتران مناقشة جميع المسائل مرة واحدة، وهو ما ترفضه مصر والسودان شكلاً ومضموناً.

وسبق أن طالبت أديس أبابا علناً بإشراك دول حوض النيل. فوفقاً للمصادر، فإنها في نهاية فبراير/ شباط الماضي، أبلغت واشنطن بأنها باتت ترى أن أي اتفاق ثلاثي حول مياه النيل الأزرق، من دون العرض على باقي دول حوض النيل، بما في ذلك دول النيل الأبيض، أمر يفتقر للعدالة، ويسمح باحتكار دولتي المصب للمياه، وإهدار نتائج الاتفاق الإطاري في عنتيبي عام 2010. واعتبر هذا الأمر، في حينه، تمهيداً للانسحاب الرسمي من المفاوضات الثلاثية برعاية واشنطن والبنك الدولي، لا سيما أن اتفاق عنتيبي يقوم في الأساس على إعادة توزيع الحصص بصورة مجحفة لمصر والسودان، وتزيد عن إمكانيات دول المنبع في التخزين والاستفادة، الأمر الذي يفرغ جميع المفاوضات الثلاثية، بما فيها اتفاق المبادئ 2015، من قيمتها ومعناها. كما أنها في رسالتها الثانية لمجلس الأمن، اعتراضاً على الشكوى المصرية وكذلك في خطاب ممثلها خلال الجلسة التي عقدت لهذا الغرض، اتهمت مصر والسودان بمحاولة فرض الأمر الواقع الذي ترتب على اتفاق تقسيم مياه النيل عام 1959 على أثر إنشاء سد النهضة. بل ذهبت لأبعد من هذا، بالإشارة إلى ضرورة عدم استبعاد باقي دول حوض النيل من التفاهمات الجديدة.

تتمسك إثيوبيا بأن مصر قبلت الحديث عن أسس المحاصصة الجديدة لمياه النيل

وبالعودة للموقف الحالي للمفاوضات على المستوى الفني والقانوني، فإن الرئيس الجنوب أفريقي أبدى استعداده لتقديم مسودة جديدة لنقاط الاتفاق والاختلاف، والحلول المقترحة لضمان حل الأزمة خلال فترة رئاسته للاتحاد، الأمر الذي رحبت به مصر. لكن إثيوبيا، بحسب المصادر نفسها، تتحفظ على إضافة مقترحات سبق واعترضت عليها، على الرغم من أن هذا الوصف ينطبق على أكثر من 80 في المائة من إجمالي بنود أي مسودة يمكن النقاش حولها في الوقت الحالي. كما رفضت إثيوبيا مقترح الاتحاد الأفريقي بالبدء بالقضايا القانونية العالقة، على ضوء ما تم الاتفاق عليه في القمة الأفريقية المصغرة الأخيرة، بهدف الحسم السريع للخلافات الواسعة على المستوى القانوني، الذي تتطابق فيه الرؤى المصرية والسودانية، بحجة أن المشاكل الفنية – التي تختلف فيها أهداف مصر عن السودان – هي التي تتطلب الحسم أولاً، وذلك في خطوة تفسرها المصادر بمحاولة التلاعب بالطرفين واستمالة أحدهما إلى طاولة التفاوض.

وأشارت المصادر إلى أنه، وللمرة الأولى، بدأ المصريون يشعرون بحالة تململ في الأوساط الأفريقية، والاتصالات الصينية والروسية، إزاء التعنت الإثيوبي الذي أصبح واضحاً للجميع، في ظل محاولاتها للتهرب من إلزامية الاتفاق، ومطالبتها بأن يقتصر الإلزام فقط على اللجوء الإلزامي لفض المنازعات، من دون أن تترتب أي مسؤوليات عليها حال عدم الالتزام. وهو قصد يخالف تماماً النص الواضح لبيان القمة المصغرة والمسار الطبيعي للمفاوضات. لكن إثيوبيا تدعي أنه يتماشى مع اتفاق المبادئ الموقع عام 2015.

أبدى رئيس جنوب أفريقيا استعداده لتقديم مسودة جديدة لنقاط الاتفاق والاختلاف

وسبق أن كشفت “العربي الجديد” أن الاتحاد الأفريقي يقدم مقترحات للتوصل إلى آلية فض المنازعات التي ستنشأ مستقبلاً حول تشغيل السد والملء، إذ يعرض نفسه كوسيط يمكنه تقديم حلول ملزمة لجميع الأطراف، وهو ما تتحفظ عليه مصر، وترى أنه من الأفضل تشكيل لجنة لفض المنازعات بعضوية الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة وطرف ثالث، مثل الاتحاد الأوروبي أو دولة أخرى.
أما بالنسبة لرغبة إثيوبيا في تحويل الاتفاقية إلى اتفاق للمحاصصة في مياه النيل، وإلغاء اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، فيقترح الاتحاد الأفريقي تضمين هذه المسألة في بروتوكول ملحق بالاتفاق، على أن يتم التفاوض حولها في مرحلة لاحقة بوساطة الاتحاد أيضاً، وباعتباره شأناً داخلياً أفريقياً، مع انضمام الدول الأخرى بحوض النيل، وهو ما لا ترغب فيه مصر أو السودان بطبيعة الحال. لكن إقرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإمكانية فتح نقاش حول المحاصصة، خلال القمة المصغرة الأخيرة، يجعل الخيارات المصرية للتهرب من مقاربة هذه القضية محدودة، ويقصرها على المطالبة بالتأجيل، والتشبث بعدم خلط الأوراق والمزج بينها وبين اتفاقية السد. كما يقترح الاتحاد الأفريقي الاستجابة للمطالبة الإثيوبية بموافقة مصر والسودان على إقامتها مشاريع مائية أخرى على مجرى النيل الأزرق، وتطبيق القواعد الاسترشادية الخاصة بسد النهضة عليها، باعتبارها ستكون مادة ضامنة لاستمرار التفاوض بين الدول الثلاث، وعدم التصرف الأحادي أو العدائي من قبل أي طرف. لكن القاهرة ترفض الأمر بشكل حاسم – حتى الآن – إذ تتخوف من استغلال أديس أبابا للموقف، واعتباره موافقة مسبقة على بياض على إنشاء سدود أخرى، ربما تفيد الخرطوم، ولكنها ستزيد الأضرار الواقعة على مصر بالتأكيد، وبالتالي تطالب بالتعامل مع كل حالة على حدة.

وعلى المستوى الفني ما زالت هناك خمس قضايا أساسية عالقة تتعسف فيها إثيوبيا مع مصر والسودان، هي عدم وضوح برنامج الملء المستمر والدائم للسد، وحجم التدفق اليومي من السد والذي سيصل إلى سد الروصيرص بالسودان حتى لا تتأثر السلامة الإنشائية للأخير. كما لم يتم الاتفاق حتى الآن على حجم التدفق العام في فترات الجفاف والجفاف الممتد، والذي تقترح القاهرة أن يكون 37 مليار متر مكعب كرقم وسط بين ما تطالب به إثيوبيا وهو 32 ملياراً وما كانت تطالب به مصر وهو 40 مليار متر مكعب، على أن يُترك الرقم الخاص بأوقات عدم الملء والرخاء لآلية التنسيق بين الدول الثلاث، وعدم تقديم إثيوبيا خطتها للاستخدامات الخاصة بالمياه، سواء كانت مخصصة لإنتاج الطاقة أو الزراعة أو غيرها. وأخيراً ضرورة الاتفاق على معايير قياس امتلاء سد النهضة (وسد السرج الاحتياطي المجاور) مجتمعين، والربط بينه وبين سد الروصيرص والسد العالي، وهي مسألة تراها مصر ضرورية، في حين تراها إثيوبيا مدخلاً للربط بين السدود وهو ما ترفضه. وتسعى إثيوبيا إلى اقتران اتفاق الملء والتشغيل باتفاق جديد ينظم محاصصة جديدة لمياه النيل الأزرق، وبصورة “عادلة”، على حد زعمها، تتعامل واقعياً مع استفادة مصر من كميات أكبر بكثير من حصتها المنصوص عليها، واستفادة السودان المتوقعة من كميات إضافية أيضاً حال البدء في ملء سد النهضة وتفعيل مصفوفات التدفق في حالتي الفيضان والشح المائي.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here