سحر جمال
أفريقيا برس – مصر. قال الباحث السياسي الدكتور محمد قابيل في حوار مع “أفريقيا بريس” إن مناورات “جسر الصداقة – 2025” بين مصر وروسيا لا تعبّر عن تحوّل استراتيجي حقيقي، مؤكدًا أنها تندرج ضمن إطار رمزي وشكلي يعكس رغبة في تنويع العلاقات دون المساس بالتحالفات التقليدية، لا سيما مع الولايات المتحدة. وأضاف أن التنسيق الميداني في هذه المناورات محدود، مشددًا على أن تأثيرها على الأمن البحري في شرق المتوسط يكاد يكون معدومًا.
كما أشار إلى أن تحولها لمناورة سنوية لن يُغيّر من المعادلات الاستراتيجية القائمة، معتبرًا أن التعاون العسكري المصري–الروسي سيظل مقيدًا بالسقف السياسي والعسكري الراهن.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية اختتام مناورات عسكرية بحرية مشتركة مع الأسطول المصري في مياه البحر المتوسط. وذكرت أن مناورات “جسر الصداقة – 2025′′، شهدت سيناريوهات الدفاع عن السفن ضد هجمات الزوارق السريعة والدفاع الجوي، حيث قامت طائرات “F-16” مصرية بمحاكاة هجمات جوية لاختبار أنظمة الدفاع الروسية.
ما الأهداف الاستراتيجية التي سعت مصر وروسيا لتحقيقها من خلال مناورات “جسر الصداقة – 2025″؟
تبدو الأهداف الاستراتيجية لمناورات “جسر الصداقة – 2025” بين مصر وروسيا محدودة نسبيًا، بالنظر إلى طبيعة العلاقات العسكرية الراسخة التي تربط مصر بالولايات المتحدة. فالقوات المسلحة المصرية لا تزال تعتمد بشكل أساسي على التسليح والتدريب الأمريكيين، كما أن عقيدتها العسكرية ظلت لفترة طويلة مرتبطة بالإطار الأميركي. إلى جانب ذلك، يُقيَّد الهامش الاستراتيجي المصري بمعاهدة السلام المنفصلة مع إسرائيل، ما يضع حدودًا لأي انفتاح عسكري شامل مع أطراف دولية كروسيا. ومع ذلك، يمكن فهم هذه المناورات في سياق السعي إلى تنويع الشراكات العسكرية وتوسيع الهوامش الدبلوماسية دون المساس بالتحالفات التقليدية.
كيف تعكس هذه المناورات مستوى التعاون العسكري بين القاهرة وموسكو في ظل التوازنات الإقليمية والدولية؟
يعكس مستوى التعاون العسكري الحالي بين القاهرة وموسكو واقعًا مختلفًا تمامًا عن مرحلة التحالف الوثيق الذي ساد خلال حقبة الاتحاد السوفيتي. فاليوم، وفي ظل التوازنات الإقليمية والدولية الراهنة، يبدو هذا التعاون محدودًا نسبيًا ولا يرقى إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الحقيقية. فالمناورات، مثل “جسر الصداقة – 2025″، تحمل طابعًا رمزيًا أكثر من كونها مؤشرًا على تحالف عسكري فعّال، إذ تُعدّ أقرب إلى تحركات شكلية تعكس رغبة في تنويع العلاقات دون أن تؤثر فعليًا في المعادلات الإقليمية. ويرتبط هذا الواقع بتغيّر الظرف التاريخي وتحوّل أولويات مصر الاستراتيجية وتحالفاتها العسكرية التقليدية.
ما دلالة مشاركة القوات الجوية المصرية بمقاتلات F-16 إلى جانب وحدات روسية مزوّدة بطائرات “كا-27” في سيناريوهات القتال؟
تحمل مشاركة القوات الجوية المصرية بمقاتلات F-16 إلى جانب وحدات روسية مزودة بطائرات “كا-27” دلالة رمزية تعكس حدود الحركة الاستراتيجية للقوات المسلحة المصرية في ظل ارتباطها الوثيق بالولايات المتحدة. إذ تُعدّ الطائرات من طراز F-16 رمزًا للهيمنة الأمريكية على تسليح الجيش المصري، وتكشف هذه المشاركة عن واقع التبعية العسكرية المفروضة منذ ما بعد حرب العاشر من رمضان. كما تشير إلى أن العقيدة العسكرية المصرية لا تزال إلى حد كبير خاضعة لإملاءات الحليف الأمريكي، وهو ما يقيّد هامش التنسيق العملياتي الحقيقي مع قوى مثل روسيا، ويجعل هذه المناورات محكومة بسقف سياسي وعسكري محدد.
هل تشمل هذه المناورات تدريبات على مواجهة تهديدات إرهابية بحرية أو قرصنة في المتوسط؟
في الواقع، لا تعكس المناورات الجارية أي سياق فعلي لمواجهة تهديدات إرهابية بحرية أو عمليات قرصنة في البحر الأبيض المتوسط، إذ إن الوضع الاستراتيجي في هذا الإقليم يختلف جذريًا عن البحر الأحمر. فبينما يشهد البحر الأحمر مواجهات تتسم بطابع المقاومة المشروعة ضد العدوان، كما هو الحال في الموقف اليمني، فإن البحر المتوسط لا يشهد تهديدات مماثلة تُبرر إدراج هذا النوع من التدريبات ضمن المناورات. وبالتالي، فإن استخدام مفاهيم مثل “الإرهاب البحري” أو “القرصنة” في سياق البحر المتوسط يبدو بعيدًا عن الواقعية ولا يعكس حقيقة التوازنات القائمة في هذه المنطقة.
ما الرسائل السياسية التي قد تحملها هذه المناورات لدول حلف الناتو أو الولايات المتحدة؟
لا تحمل مناورات “جسر الصداقة – 2025” رسائل سياسية مباشرة أو مؤثرة تجاه دول حلف الناتو أو الولايات المتحدة، إذ إن العلاقة الاستراتيجية التي تربط مصر بالولايات المتحدة تُعدّ أعمق وأوثق من أن تتأثر بمثل هذه المناورات أو تُفهم كمؤشر على تحوّل جوهري في التوجهات المصرية. فالتعاون العسكري المصري مع روسيا لا يُعبّر عن توجه نحو الشرق بقدر ما يعكس رغبة محدودة في تنويع العلاقات، ضمن هامش لا يمسّ بالتحالفات الأساسية. وبناءً عليه، تظل هذه المناورات أقرب إلى رسائل رمزية شكلية لا تُغيّر من طبيعة الارتباط الاستراتيجي القائم بين مصر والغرب.
إلى أي مدى تساهم هذه التدريبات في رفع جاهزية القوات البحرية المصرية لمهام التأمين البحري ومكافحة التهديدات غير التقليدية؟
تُسهم هذه التدريبات، بلا شك، في رفع جاهزية القوات البحرية المصرية وتعزيز قدراتها على مستوى التنظيم والتكتيك والتأقلم مع سيناريوهات متعددة، حتى وإن لم تكن هناك تهديدات بحرية فعلية راهنة. فمصر، بحكم موقعها الجيوسياسي، تحرص على الحفاظ على أعلى مستويات الاستعداد دون الانخراط في مواجهات مباشرة، سواء في البحر الأبيض المتوسط أو البحر الأحمر. ويُلاحظ أن الاستراتيجية المصرية تميل إلى تعزيز الحضور الدفاعي والاحتياطي، من دون التورط في صدامات إقليمية أو دولية، وهو ما يعكس حرصًا على الاستقرار وتوازن المصالح في البيئتين البحرية الإقليمية والدولية.
هل من المتوقع توسيع نطاق التعاون العسكري الروسي–المصري ليشمل مجالات أخرى كالذكاء الاصطناعي العسكري أو أنظمة الدفاع الصاروخي؟
من غير المستبعد توسيع نطاق التعاون العسكري بين روسيا ومصر ليشمل مجالات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي العسكري أو أنظمة الدفاع الصاروخي، خصوصًا في ظل سعي مصر لتنويع مصادر تسليحها وتعزيز قدراتها التكنولوجية. ومع ذلك، يبقى هذا التعاون محكومًا بسقف العلاقة الاستراتيجية العميقة التي تربط الجيش المصري بالولايات المتحدة، سواء على مستوى التسليح أو التدريب أو حتى العقيدة العسكرية. وبالتالي، من غير المتوقع أن يتحول التعاون الروسي–المصري إلى شراكة شاملة تطغى على النفوذ الأميركي، بل سيظل في إطار تنويع محدود ومُدار بعناية، دون الإخلال بالتوازنات القائمة.
كيف تقيّمون أداء القوات المصرية والروسية خلال المناورات من حيث التنسيق والتكامل الميداني؟
يبدو أداء القوات المصرية والروسية خلال هذه المناورات من حيث التنسيق والتكامل الميداني اعتياديًا وشكليًا إلى حد كبير، أكثر منه فاعلًا ومؤثرًا على المستوى العملياتي. فالمناورات لا تعكس استعدادًا مشتركًا لعمليات عسكرية حقيقية، ولا تشير إلى تحوّل نوعي في العقيدة العسكرية المصرية، التي ما تزال مرتبطة بتحالفات استراتيجية ثابتة، لا سيما مع الولايات المتحدة. كما أن غياب أهداف تكتيكية أو استراتيجية مشتركة يجعل من هذه المناورات أقرب إلى رسائل دبلوماسية محدودة، تُنفذ في إطار استعراضي أكثر منه في إطار إعداد ميداني فعلي.
ما مدى تأثير هذه المناورات على الأمن البحري في منطقة شرق المتوسط في ظل التوترات الإقليمية؟
لا يُتوقع أن يكون لمناورات “جسر الصداقة – 2025” بين مصر وروسيا تأثير مباشر أو فعّال على الأمن البحري في منطقة شرق المتوسط، خاصة في ظل التوترات الإقليمية القائمة. فالعوامل الحاسمة في تحديد المشهد الأمني في هذه المنطقة ترتبط أساسًا بالمواجهة المتصاعدة بين معسكر المقاومة من جهة، والدولة العبرية وحلفائها من جهة أخرى. وفي هذا السياق، حافظت مصر على موقف حذر، لم يصل حدّ الانخراط الفعلي في تلك المواجهة، بل اتسمت سياستها بالمساندة الضمنية للطرف الإسرائيلي، سواء ميدانيًا أو لوجستيًا. أما روسيا، فرغم علاقتها التاريخية ببعض الأطراف الإقليمية، فقد اختارت بدورها عدم التورط في هذه المواجهات بشكل مباشر، حتى حين باتت حليفتها سوريا واقعة تحت نفوذ قوى موالية للدولة العبرية. لذلك، تبقى هذه المناورات محدودة الأثر على الأمن البحري في شرق المتوسط، دون أن تُحدث تحولًا حقيقيًا في معادلات القوة القائمة.
هل ستتحول “جسر الصداقة” إلى مناورة سنوية ثابتة ضمن برنامج التدريب القتالي المشترك بين البلدين؟
لا يبدو أن مناورات “جسر الصداقة” تمتلك من الأهمية الاستراتيجية ما يؤهلها لتكون عنصرًا فاعلًا في التأثير على التوازنات الإقليمية أو الدولية. فسواء تحولت إلى مناورة سنوية ثابتة ضمن برنامج التدريب القتالي المشترك بين مصر وروسيا، أو اقتصرت على مناسبات ظرفية، فإن تأثيرها سيبقى محدودًا. ويرتبط ذلك بثبات الموقف المصري منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، وبالقيود التي تحكم علاقات مصر العسكرية الاستراتيجية، لا سيما مع الولايات المتحدة. في المقابل، تبدو روسيا حذرة من التورط في ميادين مواجهة جديدة، خاصة بعد تداعيات حربها مع أوكرانيا، مما يجعل مناورات كهذه رمزية أكثر منها فعلية على مستوى التحولات الجيوسياسية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس