محمد ماهر قابيل: موقف مصر من غزة يُعبّر عن تخاذل حقيقي

1
محمد ماهر قابيل: موقف مصر من غزة يُعبّر عن تخاذل حقيقي
محمد ماهر قابيل: موقف مصر من غزة يُعبّر عن تخاذل حقيقي

سحر جمال

أفريقيا برس – مصر. أكد المحلل السياسي الدكتور محمد ماهر قابيل، في حواره مع “أفريقيا برس” أن الضغوط الاقتصادية الأمريكية على مصر بشأن غزة ما تزال في حدود “إشعارات خافتة”.

وقال إن المساعدات الأمريكية لا تمثل وزنًا مؤثرًا في الاقتصاد المصري، مستبعدًا استخدامها كورقة ضغط أو من خلال المؤسسات الدولية.

وأضاف أن القاهرة مطالبة بتنويع تحالفاتها مع الصين وروسيا، مشددًا على أن موقف مصر من غزة لا يُعبّر عن خيار استراتيجي بل عن “تخاذل حقيقي”.

كما أشار إلى أن أي محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى مصر تمثل “خطًا أحمر” لا يمكن تجاوزه، رغم كل الضغوط الأمريكية أو الإسرائيلية المحتملة.

هل هناك مؤشرات واضحة على بدء واشنطن فعلاً في ممارسة ضغوط اقتصادية على مصر بسبب موقفها من غزة؟

ربما توجد إشعارات، وليست مؤشرات، على وجود أصوات ترتفع من حين إلى آخر في الولايات المتحدة تدعو إلى ممارسة ضغوط اقتصادية على مصر، لكن تلك الأصوات تبدو خافتة ومتهافتة، بالنظر إلى الموقف المصري الذي يعكس علاقة وطيدة مع الولايات المتحدة على مستوى الإدارة، وبالتالي لا يوجد تنافر حقيقي بين الموقفين.

ما مدى خطورة اعتماد الاقتصاد المصري على المساعدات الأمريكية السنوية، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية؟

المساعدات الأمريكية السنوية لا تمثل خطرًا بأي حال من الأحوال على اقتصاد مصر، لأنها تبدو ضئيلة مقارنة بالحجم الكلي لهذا الاقتصاد. كانت الولايات المتحدة، مع نهاية الحرب العالمية الثانية، تطلب المعونة من مصر، وربما تغير الحال لاحقًا وتعرضت مصر لأزمات اقتصادية واضطرت إلى الاستدانة والاعتماد على بعض المعونات. لكن المساعدات الأمريكية، بصفة خاصة، تبدو محدودة، وحتى لو توقفت فإنها لا تؤثر على الاقتصاد المصري بأي شكل من الأشكال.

هل يمكن أن تستخدم الولايات المتحدة نفوذها داخل المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد للضغط على مصر؟ وكيف؟

أستبعد أن تقوم الولايات المتحدة باستعمال نفوذها داخل مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد للضغط على مصر، لأن تلك المؤسسات تعمل بآليات تبدو أشد قسوة وضراوة على المتعاملين من أي ضغوط يمكن أن تضيفها الولايات المتحدة إلى تلك الآليات. وبالتالي، فإن إمكانية استخدام نفوذ الولايات المتحدة داخل مؤسسة مالية دولية مثل صندوق النقد للضغط على مصر تبدو بعيدة ومستبعدة إلى أقصى حد.

إلى أي مدى يمكن لمصر تنويع تحالفاتها مع قوى كبرى كالصين وروسيا لتعويض أي تراجع في الدعم الأمريكي؟

تنويع التحالفات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية مع أطراف دولية متعددة يبدو ضرورة حيوية لكل طرف دولي، لا سيما بالنسبة لمصر، بطبيعة تكوينها ودورها المركزي إقليميًا وعالميًا. وبالتالي، ينبغي على الحكومة المصرية أن تستفيد إلى أقصى حد من تعدد الأطراف الدولية ومن التوازنات الدولية العالمية والإقليمية لتنويع تحالفاتها مع الدول العظمى، لا سيما روسيا والصين، لتعويض أي محاولات للضغط عليها من الولايات المتحدة. ففكرة القطبية الأحادية لا تعدو أن تكون وهمًا في أذهان البعض، إذ إن الموقف الدولي يرتكز على توازنات عالمية وأطراف قوية ومتوازنة، ولا يملك أي طرف فرض إرادته المطلقة على الساحة الدولية.

ما السيناريوهات المحتملة لتصاعد التوتر بين القاهرة وواشنطن؟ وهل يمكن أن يصل الأمر إلى تقليص التعاون العسكري؟

التوتر بين مصر والولايات المتحدة يبدو محدود الأهمية، ومحدود التأثير، ومحدود الاحتمالات، ولا يمكن أن يصل تأثيره إلى حد إلحاق ضرر حقيقي بمصر. فالتعاون العسكري مع الولايات المتحدة لا يفرض أهمية كبرى على الجيش المصري، لأن مصر، في الحقيقة، لا تخوض حربًا إقليمية تستوجب الإلحاح على التعاون العسكري مع أي طرف. وبالتالي، فإن الجيش المصري في حالة هدوء نسبي، وفي حالة تربص واستعداد لمواجهة أي طارئ، لكنه لا يخوض حربًا حاليًا، ما يجعل التعاون العسكري مع الولايات المتحدة لا يمثل أهمية حاسمة بالنسبة لمصر.

هل ترى أن موقف مصر من ملف غزة يمثل “خيارًا سياديًا مكلفًا” أم استثمارًا استراتيجيًا طويل المدى في أمنها الإقليمي؟

موقف مصر من ملف غزة يبدو سلبيًا إلى حد بعيد؛ فلم تتمكن مصر أو لم ترد أن تكسر حصار غزة أو أن تتخذ موقفًا يليق بمكانتها الإقليمية كدولة محورية وقطب في المحيط الإقليمي. كان ينبغي أن يكون موقف مصر من ملف غزة مختلفًا تمامًا، وأن يكون المدد من مصر إلى غزة متصلًا ومُستمرًا. لكن مصر، في الحقيقة، وقفت موقفًا سلبيًا تمامًا من الملف، وبالتالي فإن موقفها لا يُعبّر عن خيار سيادي، ولا عن استثمار استراتيجي، وإنما يُعبّر عن تخاذل حقيقي.

كيف تفسر تصريحات الرئيس ترامب حول غزة؟ وهل تراها جزءًا من خطة أمريكية فعلية لإعادة هندسة المنطقة؟

تصريحات الرئيس ترامب حول غزة تبدو محاولات لجسّ النبض أو فرقعات دعائية أكثر منها تعبيرًا عن مواقف حقيقية. وبالتالي، لا أراها تعبّر عن جزء من خطة فعلية لإعادة هندسة المنطقة، لأن المواقف الصلبة للمقاومة الفلسطينية، والموقف اليمني الداعم، وموقف الجمهورية الإسلامية في إيران، وأصوات كثيرة حول العالم تطالب بحق الفلسطينيين في وطنهم، كل ذلك ينعكس على موقف الولايات المتحدة. وكل ذلك يُحيل تصريحات الرئيس ترامب إلى بند التوجه نحو آراء معينة، أي أنها تصريحات موجّهة لاستهلاك أطراف محددة، محليًا وإقليميًا، أكثر من كونها تعبيرًا عن موقف فعلي.

هل توجد مؤشرات على أن الإدارة الأمريكية الحالية تنسق اقتصاديًا مع إسرائيل للضغط غير المباشر على مصر؟

لا أرى مؤشرات حقيقية على أن الولايات المتحدة الأمريكية تنسق اقتصاديًا مع الدولة العبرية للضغط غير المباشر على مصر، لأن الموقف يبدو مختلفًا عن ذلك. فالدولة العبرية تتصرف كوحش جريح، وتُمعن في الغطرسة وتوجيه الضربات الوحشية للمدنيين، كما تنظر إلى مصر على أنها حليف أكثر منها عدو. وبالتالي، أستبعد أن تنسق الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديًا مع إسرائيل لممارسة ضغط غير مباشر على مصر.

ما مستقبل العلاقات التجارية بين مصر وأمريكا في ظل تصاعد العجز التجاري لصالح واشنطن؟ وهل يمكن أن يتحول إلى ورقة ضغط؟

العلاقات التجارية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية تبدو مرهونة بعوامل اقتصادية أكثر من ارتباطها بمتغيرات سياسية. وتصاعد العجز التجاري لصالح الولايات المتحدة لا يعني أن مستقبل العلاقات التجارية مرهون بموقف سياسي، وإنما يعبر فقط عن اختلال في التوازن بين طرفين غير متكافئين. وبالتالي، أستبعد أن تتحول تلك العلاقات إلى ورقة ضغط، لأنها لا تمثل حجمًا كبيرًا في اقتصاد مصر.

ما هي الخطوط الحمراء التي لا يمكن للقاهرة تجاوزها مهما كانت الضغوط الأمريكية؟ وهل القضية الفلسطينية من بينها؟

ربما كانت محاولات التطهير العرقي التي تقوم بها الدولة العبرية في فلسطين هي الخط الأحمر الذي لا يمكن للقاهرة تجاوزه مهما كانت الضغوط، لأن محاولات تهجير الفلسطينيين إلى مصر ليست محل إرادة أو موقف مصري منفرد، وإنما ترتبط بعوامل إقليمية وعالمية متعددة، إلى جانب العامل المحلي الفلسطيني الذي يرفض تلك المحاولات. وبالتالي، فإن الخط الأحمر هو محاولة دفع الفلسطينيين باتجاه الهجرة إلى مصر، ولا تستطيع القاهرة أن تقبل بذلك، حتى لو رغبت أو وافقت عليه، لأنه يمثل خطًا أحمر لأطراف محلية وإقليمية وعالمية متعددة لا يمكن تجاوزها. أما القضية الفلسطينية فما زالت تراوح في الموقف المصري بين حل الدولتين والهدنة، أو ما يمكن أن يعتبره المحلل السياسي “تسوية مؤقتة”، لكنها في الحقيقة مجرد مسكنات، لأن المواجهة مصيرية بين المخططات الصهيونية العنصرية وبين أصحاب الأرض في المنطقة بأسرها، وليس في فلسطين وحدها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here