أفريقيا برس – مصر. يبدأ العام الدراسي الجديد في مصر غداً الأحد، وسط أزمات سنوية متفاقمة تشمل عدم استعداد المدارس لاستقبال الأعداد الكبيرة من التلاميذ الجدد، خصوصاً المدارس الحكومية التي تعاني من ضعف البنية التحتية، ونقص التمويل اللازم لأعمال الصيانة والتطوير. وتظهر علامات الأزمة بوضوح في تضرر المباني، وتدهور حالة الصفوف الدراسية، وعدم توافر المرافق الأساسية، مثل المعامل والمكتبات والساحات الرياضية.
وتُعتبر كثافة الفصول من أبرز تحديات قطاع التعليم العام في مصر، إذ يصل عدد التلاميذ في الصف الواحد إلى 70 تلميذاً، وتعمل مدارس عدّة في المناطق المكتظة بنظام الفترتين، ما يؤثر بجودة التعليم، في ظل الزيادة السنوية الكبيرة في أعداد التلاميذ مقارنة بأعداد الصفوف الجديدة التي تتراوح بين 10 إلى 15 ألف صف سنوياً، وفقاً لبيانات كتاب الإحصاء السنوي لوزارة التربية والتعليم المصرية.
وبعد إجازة صيفية طويلة استمرّت لأكثر من أربعة أشهر، يعود التلاميذ إلى المدارس، بينما تراجعت نسبة الإنفاق على التعليم من 3.59% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الدراسي 2015-2016، إلى 1.54% في عام 2025-2026، بالمخالفة للدستور الذي يُلزم الدولة بـ”تخصيص نسبة لا تقلّ عن 4% من الناتج الإجمالي للإنفاق الحكومي على التعليم، وأن تتصاعد النسبة تدريجيّاً حتى تتفق مع المعدلات العالمية”.
وسجّلت مخصّصات قطاع التعليم نحو 315.1 مليار جنيه (6.47 مليارات دولار أميركي) في الموازنة الجديدة، من بينها 214.7 ملياراً للأجور، و29.7 ملياراً لشراء السلع، و60.5 ملياراً للاستثمارات، مقارنة مع 294.6 مليار جنيه في موازنة 2024-2025، بزيادة طفيفة بلغت 6.9%، علماً بأن سعر صرف الجنيه تراجع مقابل الدولار من نحو 31 جنيهاً إلى 48.65 جنيهاً.
وتُوجّه نسبة كبيرة من هذه الأموال لدفع رواتب نحو مليون و200 ألف معلم وإداري وعامل بقطاع التعليم، ويبقى جزء ضئيل منها للصرف على العملية التعليمية التي ينخرط فيها نحو 25 مليون تلميذ في المراحل الأولية، الروضة والابتدائية والإعدادية والثانوية.
ويُقدّر خبراء أن مخصّصات كل طالب في الميزانية العامة تبلغ نحو 50 جنيهاً في العام، وهي لا تكفي لشراء مستلزمات التشغيل اليومي داخل الفصول، ما يحرم الطالب من الحصول على خدمة تعليمية جيدة، ويدفع الأهالي إلى البحث عن دعم تعليمي عبر الدروس الخصوصية التي تهيمن على النظام التعليمي غير الرسمي في أنحاء البلاد.
اضطر الموظف في وزارة الصحة والسكان المصرية، ماجد عليوة، للاقتراض من بعض أقربائه لإتمام إجراءات نقل طفلَيه إلى إحدى المدارس الخاصة بمحافظة القليوبية (شمال القاهرة)، بسبب تردّي الأوضاع في المدارس الحكومية، وسوء حالة المباني، فضلاً عن اكتظاظ صفوف المرحلة الابتدائية بصورة تهدد الصحة العامة لطفلَيه، وتؤثر سلباً بتحصيلهما الدراسي. ويقول عليوة، إن الأموال التي اقترضها لنقل طفلَيه إلى مدرسة خاصة كان سيدفعها نظير الدروس الخاصة في حال استمرارهما في المدرسة الحكومية، مستطرداً أن “التعليم في مصر تحوّل من خدمة تقدمها الدولة بالمجان لمواطنيها إلى سلعة لمن يدفع أكثر، ما يفاقم الأعباء على كاهل رب الأسرة، ويدفعه للعمل في وظيفتَين من أجل تأمين المستلزمات المعيشية”.
واستفحلت ظاهرة نقص عدد المعلمين، خصوصاً في المواد الأساسية مثل الرياضيات والعلوم واللغات، نتيجة تراجع الرواتب في المدارس الحكومية، وتقاعد أعداد كبيرة من المعلمين من دون تعيين بدائل لهم، وبحث كثير منهم عن فرص عمل أفضل خارج البلاد.
ومنذ أن وجّه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الحكومة بتعيين 30 ألف معلم سنوياً لمدة 5 سنوات في يناير/ كانون الثاني 2022، لم تعيّن وزارة التربية والتعليم سوى 16 ألف معلم خلال تلك الفترة، والتي شهدت زيادة في أعداد المتقدمين للمراحل التعليمية المختلفة، وسط الحاجة إلى تعيين نحو 200 ألف معلم على الأقل لخدمة العملية التعليمية، وفقاً لتصريحات سابقة لوزير التربية والتعليم، محمد عبد اللطيف.
وفي الدفعة الأولى للتعيين اجتاز 28 ألف معلم اختبارات الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، المكلّف بإعداد صيغة مسابقة التعيين، غير أن وزارة التعليم أسندت عملية “كشف الهيئة” للمعلمين إلى الأكاديمية العسكرية بالكلية الحربية، والتي استبعدت أغلبهم تحت ذريعة زيادة الوزن أو حمل السيدات، وهي أسباب ثانوية يُرجعها خبراء إلى استبعاد أمني يجري تخفيفه لأسباب صحية.
وصار الجيش المصري مسؤولاً عن تدريب واختبار كل المتقدمين للوظائف العامة في الجهاز الإداري للدولة، وإخضاعهم لدورات حول “مقتضيات الأمن القومي” لضمان ولائهم للنظام الحاكم، وذلك بتعليمات رئاسية.
وبحسب المُتاح من البيانات الرسمية لوزارة التربية والتعليم، يصل عجز (نقص) المعلمين إلى نحو نصف مليون، أغلبهم في المرحلة الدراسية بين رياض الأطفال والصف الثالث الابتدائي، وهو ما دفع الوزارة إلى التعاقد مع 50 ألف معلم بنظام الحصة مقابل 20 جنيهاً (أقل من نصف دولار)، بدلاً من إقرار تعيينهم.
ويقول عضو لجنة التعليم بمجلس النواب المصري، النائب زكريا حسان، إن “الأزمة الحقيقية التي تواجه قطاع التعليم هي نقص المعلمين، وبالتالي أي خطط إصلاحية تتبناها الوزارة لن تنجح ما دام هذا الأمر قائماً”، مستشهداً بإنشاء هيئة الأبنية التعليمية مدارس جديدة في محافظات الصعيد، مثل سوهاج، من دون توفير المعلمين المؤهلين للتدريس بها.
ويوضح حسان أن “تغيير المناهج ونظم الامتحانات بصورة مستمرة يستلزم تعيين المزيد من المعلمين، وتأهيلهم لاستخدام أساليب التدريس الحديثة من خلال متخصصين. جودة التعليم الحكومي ترتبط بزيادة رواتب المعلمين، وضمان استقرارهم الوظيفي، وتشجيعهم على الإبداع، وتنمية مهاراتهم بشكل دوري، ومن تداعيات أزمة نقص المعلمين أنها تمثل سبباً أساسياً لانتشار الدروس الخاصة، وما تشكله من عبء كبير على الأهالي”.
وانخفض عدد المعلمين في المدارس الحكومية من نحو 874 ألف معلم في عام 2014، إلى 809 آلاف في عام 2024، بتراجع نسبته 7.4%. وفي المقابل ارتفع عدد التلاميذ في مراحل التعليم الأساسية خلال الفترة نفسها من 16.8 مليون تلميذ إلى 22.6 مليوناً، بزيادة 34.5%.
ورواتب المعلمين في المدارس الحكومية المصرية تتراوح بين 4 إلى 8 آلاف جنيه شهرياً، أي بمتوسط 123 دولاراً فقط، مقارنة بنحو 500 دولار في المغرب، و680 دولاراً في الأردن، و2,400 دولار في الكويت.
ويقول وكيل لجنة التعليم في مجلس الشيوخ، النائب أحمد البدري، إنّ “تراجع رواتب المعلمين يدفعهم إلى إعطاء الدروس الخصوصية لزيادة دخلهم، ما يؤثر بأدائهم في المدارس الحكومية، وعلى الحكومة زيادة المخصصات المالية للوزارة لتحسين الرواتب، وتطوير البنى التحتية للمدارس، وزيادة أعداد الفصول الدراسية”.
ويحذّر البدري من خطورة ظاهرة التسرّب المدرسي بسبب العوامل الاجتماعية والاقتصادية، ومن بينها عدم تحمل الأسر الفقيرة نفقات التعليم المتزايدة، مشيراً إلى أهمية التوسع في برامج التوعية المجتمعية، وتوفير فرص بديلة للأطفال المتسرّبين من التعليم خلال السنوات الأخيرة، ومساعدتهم للعودة إلى المسار التعليمي.
وفي مارس/ آذار الماضي، أصدر رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قراراً بشأن قواعد وإجراءات مد خدمة شاغلي وظائف هيئة التعليم لمدة ثلاث سنوات بعد التقاعد، في محاولة لمواجهة أزمة ارتفاع نقص المعلمين في المدارس الحكومية، وأجاز القرار مد الخدمة لمدة عام، وإمكانية التجديد سنوياً بحد أقصى ثلاث سنوات، وذلك لأي من أعضاء هيئة التعليم العاملين بالتدريس في التخصّصات التي تستدعيها الحاجة الفعلية داخل كل إدارة تعليمية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس