أفريقيا برس – مصر. تلجأ نساء في مصر إلى التحايل على منظومة التأمينات الاجتماعية وإلغاء الزواج القانوني لضمان الحصول على راتب الزوج السابق أو الأب المتوفى، في حين يحذر قانونيون من انتشار هذه الظاهرة
وسط أزمات اقتصادية متلاحقة وارتفاع تكاليف المعيشة، تلجأ بعض النساء في مصر إلى استغلال ثغرات قانونية في منظومة التأمينات الاجتماعية، بهدف الاستمرار في تلقي المساعدات الحكومية والحصول على راتب الأب أو الزوج المتوفى، حتى لو كان ذلك يعني التحايل على الشرع والقوانين من خلال الطلاق أو الزواج العرفي.
وتلجأ بعض النساء إلى إخفاء زواجهن عن الجهات الرسمية، أو كتابة عقد زواج عرفي بدلاً من الرسمي، أو ادعاء الطلاق مدعوماً بالمستندات، للالتفاف على قانون التأمينات الاجتماعية الذي ينصّ على حرمان الابنة من راتب الوالد أو الزوج بمجرد زواجها رسمياً وتوثيقه، وذلك بهدف منع استحقاقاتهن وضمان مصدر دخل ثابت شهرياً.
“لم يكن أمامي من خيار آخر”، تقول أرملة خمسينية من الإسكندرية. وتروي قصتها مع الزواج العرفي للحفاظ على راتب زوجها المتوفى، قائلة إنه “بعد وفاته، أصبح الراتب مصدر الدخل الوحيد لي. بعد فترة، تعرّفت على رجل أراد الزواج مني. ولو تزوجت رسمياً، كنت سأفقد الراتب تماماً، وهذا غير ممكن في ظل ارتفاع الأسعار وعدم وجود مصدر آخر للرزق”. لذلك، اختارت الزواج العرفي حلّاً وسطاً، موضحة: “بهذه الطريقة، أستطيع الحفاظ على الراتب وتأمين مصاريفي اليومية”.
ولا يقتصر الأمر على الأرامل، بل يشمل أيضاً المطلقات اللواتي يسعين للاستفادة من رواتب آبائهن المتوفين. في هذا السياق، توضح سيدة أربعينية، أنها لجأت إلى الطلاق الرسمي من زوجها ثم تزوجته عرفياً بمعرفة الأهل والجيران، حتى تتمكن من الاستفادة من راتب والدها المتوفى. تقول: “القانون يسمح للمرأة غير المتزوجة بالحصول على راتب والدها. فلماذا أُحرم منه فقط لأنني متزوجة رسمياً؟ كان الحل الانفصال على الورق فقط”.
ويقول المحامي المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية، أحمد عبد الرحمن، إن “هذه الحالات أصبحت أكثر انتشاراً خلال السنوات الأخيرة، نتيجة الضغوط الاقتصادية التي تدفع النساء إلى البحث عن أي مصدر دخل إضافي. وتعتبر الكثير من النساء أن ذلك حقهن، بعد كل ما دفعه الوالد أو الزوج للحكومة على مدار سنوات عمله. لذلك، يلجأن إلى التحايل على القانون من خلال الزواج العرفي كونه لا يُوثّق في الجهات الرسمية. وهذا يتيح للمرأة الاستمرار في الحصول على راتب الزوج السابق أو الأب. وفي أحيان أخرى، الحفاظ على حضانة الأطفال”.
ويوضح أن “القانون لا يمنع الزواج العرفي، لكنه لا يضمن حقوق المرأة، خصوصاً في حالات الطلاق أو الميراث. بالتالي، فإن النساء اللواتي يتزوجن بهذه الطريقة قد يواجهن مشاكل قانونية مستقبلاً”. ويشدد على ضرورة وضع آليات جديدة في نظام التأمينات الاجتماعية تضمن استمرار الدعم للفئات الأكثر حاجة، من دون أن يكون ذلك على حساب العدالة في توزيع الموارد. يضيف: “يمكن التفكير في وضع استثناءات معينة لحالات محددة بدلاً من ترك الأمور مفتوحة أمام التحايل، أو تشجيع النساء على الانخراط في برامج دعم أخرى توفر لهن مصدر دخل مستدام”.
من جهته، يؤكد محمد فتحي، وهو مسؤول سابق في الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، بأن النظام الحالي يتضمن ثغرات تسمح بهذه الممارسات، لكنه يؤكد أن “التلاعب في البيانات يُعد مخالفة قانونية يمكن أن تعرّض من يقوم بها لإجراءات قانونية صارمة، خصوصاً إذا تم اكتشاف الزواج العرفي من خلال شكاوى أو تحريات رسمية”. ويوضح أنه وفقاً للقانون وبحسب المادة رقم 166 من قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات، “يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه (الدولار يساوي حوالي 50 جنيهاً) ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه، كل من حصل على أموال الهيئة بغير حقّ، أو قام بإعطاء بيانات غير صحيحة، أو امتنع عن إعطاء بيانات مما يجب الإفصاح عنها وفقاً لأحكام هذا القانون أو القرارات أو اللوائح المنفذة له مع عِلمه بذلك، ويُعاقب بذات العقوبة كلّ من تعمد عدم الوفاء بالمبالغ المستحقة للهيئة، وفقاً لأحكام هذا القانون عن طريق إعطاء بيانات خاطئة أو إخفاء بيانات”.
ويحذر فتحي، من أن استمرار هذه الظاهرة قد ينعكس سلباً على منظومة التأمينات الاجتماعية، ويؤدي إلى تحميلها أعباء إضافية على حساب الفئات الأكثر احتياجاً. ويقول: “هذه الرواتب مخصصة لمن ليس لديهن دخل آخر. لكن عندما تتحايل بعض النساء للاستفادة رغم وجود أزواج يعيلونهن، فهذا يستنزف موارد التأمينات ويؤثر على قدرتها على دعم المستحقين الحقيقيين”.
إلى ذلك، تفيد دار الإفتاء المصرية بأنه لا يجوز شرعاً الاتفاق بين الزوج وزوجته على الطلاق الرسمي، ثم المراجعة الشفوية أو الزواج بصورة غير رسمية للاستفادة من راتب والد الزوجة المتوفى، لأن ذلك يشمل في الحقيقة جملة من المنهيات الشرعية والمحظورات القانونية.
وتضيف دار الإفتاء إنه إذا اتفقت بنت المتوفّى مع زوجها على إيقاع الطلاق بينهما بصورة رسمية من أجل تقديم ما يفيد كونها غير متزوجة للجهة المختصة بصرف الراتب الخاص بوالدها، على أن يتم الزواج مرة أخرى بصورة غير رسمية، فإن ذلك يشتمل في الحقيقة على جُملة من المنهيات الشرعية والمحظورات القانونية؛ بالإضافة إلى أن الحصول على هذا الراتب من دون وجه حق سيُعرِّض فاعل ذلك إلى المساءلة القانونية، والتي تجبره على دفع غرامة مالية نظير ما صرفه من مال لم يكن مستحقاً له، وفي ذلك من الضرر ما لا يخفى.
أما على المستوى الاجتماعي، فتؤكد الباحثة في علم الاجتماع، نجلاء عبد المنعم، أن التحايل بالزواج العرفي وغيره من أساليب التحايل على القانون من أجل الحصول على الراتب، منتشر بين كثير من المواطنين في القرى والمحافظات. وترى أنه “على الرغم من أن هذه الحالات تعتبر تحايلاً، لكنها تعكس مشكلة أعمق تتعلق بعدم كفاية شبكات الضمان الاجتماعي لدعم النساء بعد فقدان أزواجهن أو آبائهن”.
وتشير إلى أن الزواج العرفي، وإن كان يوفر مخرجاً اقتصادياً لبعض النساء، فإنه قد يسبّب مشكلات كبيرة، خصوصاً في حال إنجاب الأطفال. ويوضح: “عدم توثيق الزواج يحرم المرأة وأطفالها من حقوق قانونية مثل الميراث والتأمين الصحي، كما أنه قد يعرضها للاستغلال من قبل الزوج الذي يمكنه التنصل من مسؤولياته بسهولة”.
وتوضح أنه “رغم أن العديد من النساء يلجأن إلى هذا النوع من الزواج بهدف الحفاظ على الراتب، فإنهن غالباً ما يجدن أنفسهن في مواجهة مشاكل أكبر مما كن يتوقعن. ففي وقت يوفر لهن الزواج العرفي مصدر دخل ثابت، فإنه يتركهن في وضع قانوني واجتماعي هش، لا سيما في حال حدوث خلافات أو وفاة الزوج العرفي من دون إثبات الزواج”. وتؤكد أن “الحل الأساسي يكمن في تعديل القوانين لسد هذه الثغرات، حتى لا يصبح الزواج العرفي وسيلة للتحايل، بل يتم التعامل مع حالات الأرامل والمطلقات بمرونة أكبر لضمان حصولهن على دعم اجتماعي من دون الحاجة إلى اللجوء لهذه الأساليب”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس