مصريون ضحايا سياسة خارجية فاشلة

9
مصريون ضحايا سياسة خارجية فاشلة
مصريون ضحايا سياسة خارجية فاشلة


عمر سمير

أفريقيا برس – مصر. جرى، في الأيام القليلة الماضية، تداول فيديو شديد الخزي للمصريين، يساق مواطنون مصريون كما لو كانوا أسرى حربٍ لدى الأعداء، وليسوا مهاجرين في دولة جوار لدى من يفترض أنه حليفٌ استراتيجي لنظام عبد الفتاح السيسي، فهو الذي قدّم الدعم السياسي والعسكري الكامل لخليفة حفتر، وعوّمه مع بعض حلفائه الإقليميين طول العقد الماضي، ليخرّبوا الثورة الليبية، ويبقون على حالة اللادولة واللاحكم هناك، ويضيع على ليبيا ومصر فرصا كبيرة في الاستقرار والازدهار معا، ولطالما حذّر خبراء السياسة من كارثية هذه السياسات المصرية في ليبيا التي كان مقدّرا لها أن تستوعب ملايين المصريين حال استقرارها، لكن سياسات مصر السيسي لا تؤدّي إلى استقرار ليبيا ولا حتى مصر.

لم يتساءل أحدٌ من المقرّبين للنظام المصري: لماذا يقوم حفتر بهذه الخطوة المشينة والمهينة للمصريين بعد كل هذه السنوات من الدعم؟ ولماذا ينقلب على حليفه الاستراتيجي، سواء بدعم قوات الدعم السريع في السودان، أو بتلك المشاهد المهينة؟ لكن المصريين والشعوب غير ذات أهمية لدى الجنرالات ولدى محلليها الذين لا يهمّهم سوى البقاء بقرب الديكتاتورية والاستفادة من فُتات ما تلقيه إليهم.

يعرف هؤلاء الإجابة جيدا أن مجمل السياسة الخارجية المصرية في ليبيا كانت خاطئة وفاشلة، لكن لا أحد يجرؤ أن يقول هذا للجنرال أو حتى يلمّح له، فهو انطلق بالأساس من رؤيةٍ خاطئةٍ للحكم في ليبيا باعتباره حكما للإخوان المسلمين، بينما لم يكن هؤلاء أغلبية حتى في أية مؤسّسة ليبية منتخبة بعد الثورة، وكان يريد تصنيفهم جماعة إرهابية، ليتوافق مع حفتر الذي أغرقت سيطرته على المنطقة الشرقية مصر بحوادث إرهابيةٍ كارثية، ثم هو يعترف على استحياء باتفاق الصخيرات (2015)، ويحاول عبثا طرح مبادراتٍ فاشلة في إطار دول الجوار، ثم يعترف بعبد الحميد الدبيبة ويرحّب به في القاهرة، فلا يلبث أن يكون أول من يصفه بغير الشرعي والمنتهية ولايته خروجا على الإجماع الدولي.

وطوال العامين الأخيرين، وبرغم زعم نظام السيسي وترويجه نفسه حاميا للحدود الأوروبية من الهجرة غير الشرعية، خرجت تقارير الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل فرونتكس، لتقول إن آلاف المصريين وصلوا إلى الشواطئ الأوروبية عبر مراكب الهجرة غير الشرعية التي يفترض أن النظام في مصر يستجدي بها الأوروبيين، ويحصل على تغاضٍ أوروبي واسع عن انتهاكاته حقوق الإنسان ودعم بالمليارات وصفقات سلاح غير معلوم جدواها لتبقيه في السلطة مقابل هذه المهمة.

ولكن، إذا كانت هذه هي الأهداف المعلنة، يبدو واضحا أن الرجل يفشل في أبسط مهماته تلك، فهو يحصل على دعم أوروبي قويّ بالصمت عن جرائم نظامه وانتهاكاته الجسيمة أبسط حقوق الإنسان وإفقاره المصريين، ودفعهم دفعا إلى الهجرة غير الشرعية، نتيجة تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية واختناق المجال السياسي. ولكن يبدو أن السيسي يريد أن يذكّر الأوروبيين بأهميته من حين إلى آخر، كلما اشتدت عليه الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وضاقت عليه مصادر التمويل الدولي، والمتتبع أخبار الهجرة غير الشرعية وتقاريرها يستطيع أن يجد خيطا مباشرا وربطا ناظما للعلاقة بين تلك الأزمات والارتفاع الكبير في أعداد المهاجرين غير الشرعيين الواردين إلى الاتحاد الأوروبي من مصر، أو أولئك الغرقى نتيجة ممارسات مافيات التهريب أو تخاذل السلطات الأوروبية

لا نكاد ننتهي من مشهد مخز في السودان لجنود مصريين أسرى لدى مليشيا قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حتى نشاهد فيديوهات العمالة العائدة قسرا من ليبيا، لنقع في فيديو انتشر في 17 يونيو/ حزيران الجاري على مواقع التواصل الاجتماعي. يطالب مصري من المقيمين باليونان السلطات المصرية أن تتحرّك للبحث عن أخيه وعشرات المصريين الذين لقوا حتفهم في مركب واحد للهجرة غير الشرعية كانت تضمّ سوريين ومصريين بالأساس، وتتهم السلطات اليونانية بإغراقه عمدا أو تقصيرا، يستجدي الشاب المصري المكلوم المسؤولين في الرئاسة والخارجية المصرية فقط من أجل الحصول على جثة أخيه رحمه الله، ولا رحم من دفعوه والآلاف من المصريين إلى هذا الهلاك.

العجيب والمثير للضيق والإحساس بالقهر والخذلان أنه بينما يخرج اليونانيون إلى الشوارع احتجاجا على إغراق مركب هجرة غير شرعية، مطالبين بمحاسبة حكومتهم على هذا السلوك الإجرامي، لا تستطيع شعوب الضحايا أن تحتجّ بأكثر من الكلام على استحياء على مواقع التواصل الاجتماعي.

لطالما وقع المصريون ضحايا سياسات داخلية وخارجية فاشلة، لم يشاركوا يوما في صناعتها من قريب أو بعيد، سوى بالصمت أو الرحيل، لأنه الخيار المبقي للحياة في ظل الديكتاتورية العسكرية، ولكن حتى الصمت أو الهرب أصبحا خيارا انتحاريا، وإن فضّله بعضهم على البقاء في المحروسة التي يراها عبد الفتاح السيسي والواحد في المئة من المنتفعين من نظامه أصبحت جنة الله في الأرض، ويريدون أن يقنعوا بقية المصريين قسرا بهذه الرؤية، وإلا فإنهم خونة وأعداء للوطن.

وبرغم استجداء النظام المصريين في الخارج بوصفهم مصدرا مهما للتمويل الدولي للاقتصاد المصري عبر التحويلات، إلا أن سياسته التي قادت إلى تدهور قيمة العملة والفروق الكبيرة بين سعر الصرف الرسمي وغير الرسمي وارتفاع معدلات التضخّم والسياسات الإقليمية الخاطئة قد أضرّت بهؤلاء كثيرا، فعندما قطعت العلاقات مع قطر لم يتضرّر سوى المصريين، وعندما انحاز لحفتر أضير كل المصريين في ليبيا وضاعت فرص مضاعفة أعداد العمالة فيهما ومضاعفة تحويلاتها كذلك، وعندما يتعامل مع الأوروبيين بالابتزاز السياسي بملف الهجرة غير الشرعية، فالضحية الأولى لهذه السياسة هم المصريون من ملح الأرض وقلب ريفها المفقر عمدا سواء في الدلتا أو الصعيد.

على المصريين في الداخل والخارج أن يدركوا أنه لا بديل لهم عن السياسة والإصلاح، لأن نتائج تركهما كارثية على مصر الدولة والمجتمع، وأنه مهما حاولت الصمتَ أو النجاة الفردية، تجد نفسك يوما في صراع ذاتي داخلي أنه لماذا لا نتقدم ببلداننا ولماذا نظل نغرق في البحار ولماذا تظل هذه الأنظمة جاثمة على صدورنا وسارقة لثروات البلاد؟

على الأوروبيين أن يستفيقوا، فالديكتاتوريات في مصر وتونس ودول جنوب المتوسط لم ولن تحميهم من موجات الهجرة غير الشرعية، فمن يصلون إلى السواحل الأوروبية هم قادمون من دول خرّبت ثوراتها السياسات الأوروبية الداعمة لنظم منقلبة على الديمقراطية التي دفعت الشعوب العربية في جنوب المتوسط أثمانا باهظة للحصول عليها، فلم تفلح، لأن الخارج الأوروبي والإقليمي وقف بكل قوة أمام موجة تغيير كان مقدّرا لها أن تنتج ظروفا اقتصادية واجتماعية وسياسية أفضل، لو تركت لتطورها الذاتي الطبيعي، لولا تدخّل جراحي الاستبداد لتضميد جراحه وإعادته إلى الحياة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here