أفريقيا برس – مصر. واصل مجلس أمناء «الحوار الوطني» اجتماعاته في مصر، في ظل جدل عن جدوى الحوار، وما يمكن أن يسفر عنه، خاصة في ظل مطالبات المعارضة بالإسراع في وتيرة الإفراج عن كل سجناء الرأي.
وتمثلت أبرز مخرجات الاجتماع الثاني، الذي عقد أمس الأول الثلاثاء، في الإعلان عن تشكيل ثلاث لجان رئيسية، تتعلق بالشق السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وحسب المنسق العام للحوار، نقيب الصحافيين، ضياء رشوان «تم الاستقرار على أن ينبثق عن المحور السياسي الذي تركز النقاش حوله فقط في ثاني الاجتماعات، عن لجان فرعية هي: لجنة مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابي والأحزاب السياسية، ولجنة للمحليات، ولجنة لحقوق الإنسان والحريات العامة».
سجناء الرأي
وأوصى مجلس الأمناء الرئيس عبد الفتاح السيسي، بمزيد من قرارات العفو عن السجناء شريطة أن يكونوا ممن «لا يقترف دما ولم يحرض (على العنف) ولم يخرب» وفق رشوان، الذي أوضح، خلال مؤتمر صحافي في مقر أكاديمية التدريب التابعة للرئاسة أن «مجلس الأمناء استعرض القرارات الرئاسية بالعفو عن بعض المحكوم عنهم في قضايا بعينها بعد دعوة الرئيس السيسي للحوار في 24 أبريل/ نيسان الماضي، أو قبلها، دون تحديد أعدادهم».
المواقع المحجوبة
ردا على سؤال حول استمرارية حجب المواقع في مصر فيما يدعو الحوار الوطني إلى إطلاق الحريات الإعلامية، أوضح رشوان أنه «يجري التقصي عن الوضع القانوني للمواقع المحجوبة أولاً، ويتم التواصل مع القائمين عليها» مشددا على أنه «حين ينتهي الحوار الوطني من تشريعات وإجراءات لمنع حجب المواقع، وتتم مخالفة ذلك، فحينها يكون الحساب».
وعندما قال أحد محرري المواقع المحجوبة: «وهل سنظل محجوبين لحين انتهاء الحوار الوطني وصدور التشريعات عنه لمنع الحجب؟» رد رشوان: «تنظرون لما يخصكم فقط ولا تنظرون لمصر».
كما أكد في إجابته على سؤال حول وضع قضية سد النهضة، أولوية من عدمها، أن «تلك القضية في يد الجهات المعنية التي تملك المعلومات والقدرة على التحرك» موضحاً أنه «ليست لديه ملاحظات كثيرة في هذا الشأن، فيما أكد أيضاً «عدم تناول الحوار الوطني لمسألة حل مجلس النواب».
وكانت «الحركة المدنية الديمقراطية» التي تضم عددا من أحزاب المعارضة المصرية، طالبت في بيان، السلطات المصرية بالإسراع في وتيرة الإفراج عن سجناء الرأي.
وجاءت مطالب الحركة عقب الاجتماع الذي عقدته قبل أيام لبحث الاستمرار في الحوار من عدمه، بعد استقالة النائب السابق أحمد الطنطاوي من منصبه كرئيس لحزب «الكرامة» اعتراضا على استمرار الحزب في «الحوار الوطني» حسب مصادر في الحزب، إضافة إلى تصريح رئيس حزب «التحالف الشعبي» مدحت الزاهد برغبة حزبه في الانسحاب من الحوار، بسبب ما وصفه بـ«النكوص عن عهود الإفراج عن سجناء الرأي».
ضمانات تمثيل المعارضة
إلى ذلك، أصدر مركز «القاهرة لدراسات حقوق الإنسان» ورقة موقف حول الحوار الوطني، اعتبر فيها أن «هذا الحوار لا يستهدف الشروع في عملية إصلاح، أو الالتفات لأزمة حقوق الإنسان، نظراً لغياب ضمانات التمثيل العادل للمعارضة في الحوار، وتجاهل السلطات لمطالبها، إلى جانب عدم جدية المبادرات المشابهة التي أعلنت عنها الحكومة سابقا».
ورغم ترحيب المركز بقرارات العفو الرئاسي عن بعض السجناء السياسيين، إلا أنه أكد أنها «لا ترقى لتكون علامة على البدء في عملية إصلاح حقيقي، في ظل استمرار احتجاز عشرات الآلاف وتواصل عمليات القبض على العديد منهم».
مع ذلك فقد شدد على أنه «نظراً للسياقات العالمية والمحلية الحالية، خاصة الوضع الاقتصادي في مصر، فإن المسؤولية السياسية للمعارضة تحتم عليها استثمار تلك المبادرة، وتحويلها لحوار وطني حقيقي يشمل كافة فئات المجتمع، وصياغة استراتيجيات واقعية وسياسات ملموسة قابلة للتنفيذ، الأمر الذي من شأنه معالجة الأزمات العديدة التي تجابهها مصر، وتمهيد الطريق للإصلاح».
وزاد: «الحوار الوطني ربما لا يهدف لإفساح المجال لانفتاح سياسي حقيقي، ولا للتخفيف من أزمة حقوق الإنسان الحالية في مصر، قدر ما يسعى لحفظ ماء وجه السلطة، لكن السياق الدولي الحالي، والأزمة الاقتصادية في مصر، يمنحان المعارضة السياسية المصرية فرصة للتأثير على مسار هذا الحوار، وتوجيهه لتحقيق إصلاح ذي تأثير» الأمر الذي يستلزم من المعارضة المصرية، وفق المركز «تركيز اهتمامها الرئيسي على تطوير خريطة طريق لإصلاحات اقتصادية وسياسية حقيقية ملموسة بصرف النظر عما تحظى به من تمثيل غير متكافئ في الحوار».
مناورات مماثلة
واعتبر أن دعوة السيسي للحوار الوطني «تعد المبادرة الأحدث في سلسلة من المناورات المماثلة التي نفذتها السلطات المصرية في السنوات الأخيرة، والتي تهدف، ظاهرياً، لمعالجة الأزمة السياسية وأزمة حقوق الإنسان في مصر».
وذكّر بأنه «في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، شكّل مجلس الوزراء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، والتي أشاد مسؤولون مصريون بتشكيلها، معتبرين أنها بمثابة مؤشر على التزام الحكومة المصرية بتحسين أوضاع حقوق الإنسان، إلا أن تبعية اللجنة لوزارة الخارجية، كانت إحدى العلامات العديدة، التي تعكس انحسار دور هذه اللجنة في مخاطبة المجتمع الدولي بالأساس».
وزاد: «في سبتمبر/ أيلول 2021، أصدرت هذه اللجنة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي قُدمت للمجتمع الدولي، باعتبارها مؤشراً آخر على تغيير نهج السلطات المصرية إزاء حقوق الإنسان. ورغم الأدلة الواضحة على غياب الإرادة السياسية لمعالجة وضع حقوق الإنسان، إلى جانب المقاربة الإشكالية التي تبنتها الاستراتيجية في توصيف أزمة حقوق الإنسان في مصر، احتفت بالاستراتيجية بعض الشخصيات العامة، والعديد من المسؤولين الغربيين (وحتى بعض هيئات الأمم المتحدة) باعتبارها مؤشراً على تغير حقيقي في سياسة الحكومة المصرية. وفي الوقت نفسه، روجت مبادرات أخرى، مثل تشكيل مجموعة الحوار الدولي، وإعادة تشكيل المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان لتغير محتمل في المسار».
وتابع: «في نهاية المطاف، لم تؤد هذه المبادرات والمجموعات واللجان على مدى السنوات الماضية لتخفيف حدة أزمة حقوق الإنسان المتدهورة في مصر، إذ لا يزال عشرات الآلاف من السجناء السياسيين يقبعون في السجون (سواء تنفيذاً لأحكام قضائية جائرة، أو دون محاكمة أو تحقيق) وتستمر وقائع الإخفاء القسري، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القانون في ظل تفشي الإفلات من العقاب».
كما يتواصل وفق المركز «استهداف المعارضة السلمية والمجتمع المدني المستقل والإعلام الحر».
ورغم إطلاق سراح عدد محدود من السجناء السياسيين تزامنًا مع الإعلان عن كل مبادرة «يتواصل اعتقال معارضين وصحافيين وحقوقيين جدد بشكل منتظم، ليحلوا محل المفرج عنهم» تبعاً للمركز الذي أكد أنه «بشكل عام، تتشابه الدعوة للحوار الوطني مع غيرها من المبادرات السابقة، إلا أن السياق الدولي والمحلي المتزامن مع هذا الحوار، ربما يوفر له فرصًا مختلفة نوعًا ما».
وزاد: «على غرار اللجنة الدائمة في 2018، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في 2021، لم تعكس الدعوة للحوار الوطني تغيراً حقيقياً في نهج السلطات إزاء أزمة حقوق الإنسان الحالية».
تجديد حبس 4432 سجينا
وحسب المركز: «شهدت الأسابيع التالية، العفو عن 6 سجناء سياسيين، كما أمرت محاكم الإرهاب منذ شهر أبريل/ نيسان الماضي بإخلاء سبيل 417 آخرين (لم يتم إسقاط القضايا المرفوعة ضدهم) لكن في المقابل، وفي الفترة نفسها، جددت المحاكم حبس ما لا يقل عن 4432 سجيناً سياسياً، فضلاً عن الاعتقالات الجديدة، بمن في ذلك صحافيون على الأقل، كما صرح عضو في لجنة العفو الرئاسي، أن بعض الأشخاص في الأجهزة الأمنية يحاولون إفشال مساعي العفو عن السجناء، مضيفاً أنهم في الواقع يفضلون أن يحبسونا كلنا».
في السياق نفسه، بعد أسابيع قليلة من الإعلان عن الدعوة للحوار الوطني «صدر الحكم على السياسيين عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد القصاص، القياديين في حزب سياسي مسجل، بالسجن لمدة 15 و 10 سنوات على التوالي، والحكم على الباحث أحمد سمير سنطاوي بالسجن لمدة 3 سنوات. كما أغلقت السلطات على عجل التحقيق في واقعة تعرض الباحث الاقتصادي أيمن هدهود، للتعذيب حتى الموت أثناء احتجازه لدى الشرطة، على نحو يضمن إفلات قاتليه من العقاب».
وأيضا «يستمر الناشط الديمقراطي البارز علاء عبد الفتاح، والذي قضى معظم السنوات العشر الماضية خلف القضبان، في إضرابه عن الطعام (لما يتجاوز 100 يوم) للمطالبة بحقوقه الأساسية المكفولة بموجب لائحة السجون المصرية، بينما ترفض السلطات والمجلس القومي لحقوق الإنسان الاعتراف بمطالبه، أو حتى مجرد الاعتراف بإضرابه أو زيارته».
هذا القمع الذي لم يهدأ، وفق المركز هو «مؤشر أكثر من كافٍ على أن الحوار الوطني لا يُقصد به معالجة أزمة حقوق الإنسان، والأكثر دلالة، أن طريقة الاستعداد للحوار تؤكد بشكل قاطع أن السلطات المصرية تفتقر للإرادة السياسية للشروع في انفتاح سياسي ذي مغزى».
وواصل: «بينما انضم بالتوقيع أكثر من 700 فردًا، بينهم عشرات المدافعين عن حقوق الإنسان والشخصيات العامة، إلى عريضة تضم مجموعة من المطالب ذات الصلة بحقوق الإنسان بالتزامن مع الدعوة للحوار الوطني، تجاهلت السلطات المصرية الرد على هذه المطالب، ولم تعترف بها ولا بغيرها، بما في ذلك المطالب، بالإفراج عن سجناء الرأي، ووقف عقوبة الإعدام، وإنهاء الاعتقال التعسفي وإساءة استخدام الحبس الاحتياطي».
«مبادرة دعائية»
وتابع: «كانت المبادرات السابقة تهدف لاحتواء وتخفيف الضغط المحلي والدولي، فيما يتعلق بسجل حقوق الإنسان في مصر، إلا أن العامل الدولي كان دائماً الأكثر أهمية، ولكن على عكس المرات السابقة، يبدو أن تخفيف الضغوط الداخلية، هو السبب الرئيسي وراء الدعوة إلى الحوار الوطني هذه المرة».
من المرجح أن «يؤدي القبول بتمثيل شكلي في هذا الحوار، في ظل عدم وجود ضمانات بالمشاركة الجادة أو الاشتراك في عمليات صنع القرار، إلى تحول الحوار الوطني إلى مبادرة دعائية أخرى، الأمر الذي لن يتسبب فقط في إضاعة الفرصة؛ بل ربما يؤدي لتفاقم التقلبات السياسية الحالية وتداعياتها على أرض الواقع، ويقوض من مصداقية المعارضة».
ووفق المركز «تُملي المسؤولية السياسية على المعارضة، إدراك أهمية اللحظة الحالية، واغتنام الفرصة، فلا يمكن اختزال الحوار الوطني في مجرد الإفراج، المُرحب به، عن عدد محدود من السجناء السياسيين، أو في الحديث بشكل عام عن إصلاح اقتصادي وسياسي، والشعارات الكبرى المثالية لمعالجة حالة حقوق الإنسان، إذ يتطلب الأمر صياغة استراتيجيات واقعية وسياسات ملموسة قابلة للتنفيذ من شأنها معالجة الأزمات العديدة التي تواجهها مصر، على نحو يمهد الطريق للإصلاح».
واختتم المركز ورقته بالتأكيد على أن «ضمانات التمثيل المتكافئ للمعارضة والشفافية في هذا الحوار، خطوة أولى لمعالجة العوامل التي أدت إلى الأزمة الحالية وتجنبها في نهاية المطاف، ولكن إذا لم يُتح للمعارضة ذلك، فمسؤولياتها التاريخية تستوجب منها في كل الأحوال تحويل الحوار الحالي إلى منصة لحوار وطني حقيقي مع المجتمع ككل حول سبل النجاة من الكارثة الوشيكة».
كان السيسي قد دعا خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في نيسان/أبريل الماضي إلى عقد «حوار وطني» كما أعاد تشكيل لجنة العفو الرئاسي المنوط بها بحث ملفات السجناء السياسيين تمهيدا للإفراج عن من لم يتورط في قضايا عنف، ليضم التشكيل الجديد رموزا من المعارضة بينهم وزير القوى العاملة الأسبق والقيادي في حزب «الكرامة» كمال أبو عيطة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس