هكذا تبرع المصريون للفقراء والدولة

21

أطلق لاعبون وفنانون وإعلاميون مصريون مبادرة تحت عنوان “تحدي الخير”، للتكفل بعائلات فقيرة وأخرى تضررت بسبب التبعات الاقتصادية السلبية لانتشار فيروس كورونا.

كما انتشرت مبادرات شبابية لتوعية المصريين في الشارع بخطورة انتشار الفيروس وطرق الحماية منه، فضلا عن مساعدة المحتاجين.

لم تكن تلك المبادرة غريبة على أسماع المصريين، فلطالما شهدت مصر في فترات كثيرة العديد من المبادرات لجمع تبرعات لمصلحة الفقراء في النوائب والكوارث التي مرت بها البلاد، أو لإطلاق مشروعات قومية وإعادة تسليح الجيش.

مشروع القرش
ترك ما عرف بالكساد العظيم عام 1929 آثارا اقتصادية سيئة على مناحي الاقتصاد والتجارة العالمية، ومن ضمنها أسعار القطن الذي كان يمثل عصب الاقتصاد المصري وقتها.
وفي عام 1931، اختمرت في عقل الزعيم السياسي أحمد حسين -الذي أسس فيما بعد حزب مصر الفتاة- فكرة أسماها “مشروع القرش”، وقادها مع الصحفي فتحي رضوان -وزير للثقافة بعد يوليو/تموز 1952- لحث المصريين على التبرع لانتشال مصر من الأزمة الاقتصادية الطاحنة.

ورأت حكومة إسماعيل صدقي باشا في المشروع فرصة سانحة للتقرب للشعب، وتحقيق شعبية في الشارع المصري الذي استقبل المشروع بترحاب وحماس كبيرين؛ ونكاية في حزب الوفد صاحب الأغلبية وقتها.

ودعمت الحكومة المشروع مما شجع آلاف المتطوعين على الانضمام إليه، وكذلك كبار رجال الدولة، وشاركت الفرق العسكرية في بعض حملاته، وفنانون وشعراء بقيمة أمير الشعراء أحمد شوقي.

ونجح المشروع في جمع أموال استطاعوا بموجبها إنشاء مصنع “للطرابيش” التي كانت جزءا من الزي الوطني وقتها، وإنشاء قناطر نجع حمادي بصعيد مصر، وتأسيس بنك التسليف الزراعي العقاري، كما أصلحت قناطر أسيوط.

ورغم ذلك لم ينجُ المشروع من هجوم شنه كبار المفكرين والمثقفين وقتها أمثال طه حسين، وطالت أحمد حسين اتهامات بالاختلاس، وخرج شباب حزب الوفد في تظاهرات هاتفين “يسقط حرامي القرش”.

محاربة الحفاء
بعد مشروع القرش بعشر سنوات، أصدر الملك فاروق منشورا طالب فيه ميسوري الحال والهيئات المساهمة في مشروع مكافحة الحفاء.
وكان الفلاحون والفقراء حفاة لا ينتعلون أحذية، وهو ما كان يعرضهم للأمراض المستوطنة، إذ بلغت نسبة المصابين بالبلهارسيا 45%، والبطالة 46%، والأمية 90%، حسبما نشر المؤرخ رؤوف عباس في دراسة بعنوان “الحركة الوطنية في مصر 1918-1952”.

ونشرت الصحف دعوة التبرع، واستجاب لها 22 مصريا من الميسورين جمعوا 38 ألف جنيه (وهو رقم ضخم وقتها)، و14 هيئة وشركة ومديرية، ووصلت مجمل تبرعاتهم 10 آلاف جنيه، أكثر من 60% منها من أسيوط بصعيد مصر.

ونشرت الصحف صورا لمصريين يقفون أمام قصر عابدين مرتدين أحذية لأول مرة في حياتهم، وهم يدعون للملك فاروق.

المجهود الحربي
لم تمرّ ثلاث سنوات على تولي ضباط يوليو/تموز 1952 السلطة، حتى ظهرت حملة “أسبوع التسليح”، بعد قرار جمال عبد الناصر الصادم للغرب بعقد صفقة شراء أسلحة من تشيكوسلوفاكيا، وأخذت الحملة شكل صندوق كبير يجوب مدن وقرى مصر لجمع التبرعات للجيش.
وكان يصطحب هذا الصندوق فنانون متطوعون لتشجيع المواطنين على التبرع، وكان أبرزهم الفنانة والراقصة تحية كاريوكا التي شكرها عبد الناصر بنفسه واصفا إياها بأنها “امرأة بألف رجل”.

حتى كانت هزيمة يونيو/حزيران 1976 التي كبّدت الجيش المصري خسائر فادحة خاصة في سلاح الطيران، حيث أطلقت حملة جديدة لإعادة تسليح الجيش، شارك فيها قطاع واسع من الفنانين والمثقفين.

ومن أبرز الفنانين كانت أم كلثوم التي نجحت في جمع ملايين الجنيهات من خلال حفلاتها بالعواصم العربية والعالمية واستمرت لأكثر من ثلاث سنوات، بل إنها تبرعت بمجوهراتها الشخصية.

وقدم عبد الحليم حافظ وشادية وتحية كاريوكا وغيرهم دعما بطرق مشابهة، وجاب فنانون آخرون محافظات الصعيد بجنوب مصر من خلال ما سمي بـ”قطار الخير”.

قرية الفيروز
لم يفت عصر أنور السادات (الذي حكم بين 1970 و1981) كذلك جمع التبرعات لإقامة مشروع “رمز سيناء” أو “قرية الفيروز”، على أنقاض مستعمرة ياميت الإسرائيلية التي تبعد 45 كيلومترا شمال شرق العريش.
ولبى المصريون دعوة جريدة الأهرام للتبرع للمشروع، ونشرت الجريدة ما يزيد على 164 قائمة بأسماء المتبرعين من الطبقات المتوسطة والفقيرة، ومنهم مواطن تبرع بجنيهين من معاشه شهريا مدى الحياة.

وصلت التبرعات ما يقارب تسعمئة ألف جنيه، وضعتها جريدة الأهرام وديعة في أحد البنوك، لكن لم ير أهالي سيناء من قرية الفيروز سوى اللافتة التي صدئت ثم سرقت وبيعت خردة، وتم تحويل المبلغ إلى هيئة الأبنية التعليمية لبناء أربع مدارس، اثنتان منها خارج سيناء، بحسب تقارير صحفية.

الديون الخارجية
أما عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، فقد شهد عام 1985 حملة تبرع تحت اسم “الصحوة الكبرى” لسداد ديون مصر الخارجية.
وفرضت الدولة على تذاكر القطارات ودور السينما والمسارح رسوما إضافية لصالح الحملة، بل فرضت المديريات التعليمية على طلاب المدارس قسائم (كوبونات) للتبرع الإجباري.

وتبرع فنانون بأجزاء من إيرادات حفلاتهم، ولُعبت مباراة كرة قدم بين أكبر فريقين (الأهلي والزمالك) خصصت كل إيراداتها للحملة، وانتهى الموضوع دون أن يعرف المصريون أين ذهبت تلك الأموال أو قيمة التبرعات.

غير أن التحقيقات التي أجرتها نيابة الأموال العامة بعد الإطاحة بمبارك عام 2011، كشفت أن حساب الحملة وصلت إليه أموال أخرى من تبرعات محلية ودولية لدعم مصر عقب زلزال عام 1992، ووصلت جملة المبالغ الموجودة في الحساب إلى 9.5 مليارات دولار، تعامل معها مبارك بالسحب والإيداع.


ثورة وانقلاب
بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، أطلقت عدة حملات ساهم فيها المصريون، منها مبادرة رئيس الوزراء عصام شرف دعما للاقتصاد، وحملة أخرى أطلقها الداعية السلفي محمد حسان بعنوان “صندوق العزة والكرامة” رفضا للمعونة الأميركية، ولم يعلن عن مصير هذه الأموال أيضا.
وبعد الانقلاب العسكري في صيف 2013، أطلق رئيس الوزراء إبراهيم محلب حملة صندوق دعم مصر التي جمعت 827 مليون جنيه، وبعدها بعام آلت جميع أموال هذا الصندوق لصندوق “تحيا مصر” الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وبات صندوق “تحيا مصر” هو الجهة التي تستقبل تبرعات المصريين، في ظل دعوات السيسي المتعددة مثل “صبّح على مصر بجنيه” و”فكة البنوك”، ويحوطه الكثير من الغموض حول قيمة ما جمع فيه من أموال وأين تنفق.


التبرعات لا تبني دولة
في هذا السياق، يؤكد أستاذ علم الاجتماع مهدي حسين أن الاستجابة الكبيرة التي يبديها المصريون لدعوات التبرع هو تصرف فطري يتميزون به، وأن مصر بلد يصدق عليها قول إن “أبناءها فيهم خير”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف حسين “كون الدعوات والحملات تأتي في معظمها من الحكومة أو الحكام، لا يعني أن المصريين مجبرون على التبرع”.

واعتبر أن التبرعات لبناء الدولة أو البنية التحتية تمثل انطلاقة تبدأ منها الدولة خطاها نحو التنمية، لكن لا يتصور أن تكون التبرعات -مهما بلغت- حلا لمشاكل الدولة أو عمادا لتنميتها.
المصدر : مواقع التواصل الاجتماعي,الجزيرة,الإعلام المصري

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here