وزارة ثقافة جديدة… كيف؟

8
وزارة ثقافة جديدة… كيف؟
وزارة ثقافة جديدة… كيف؟

أفريقيا برس – مصر. لا أعتقد أن تغيير وزيرة الثقافة الفنانة إيناس عبد الدايم قد سبب لها أي قلق، فالحياة مع الموسيقى أفضل حياة. إيناس عبد الدايم مهما اختلف معها أحد فصدرها كان متسعا لكل أصحاب الرأي. لقد تولت مهمة صعبة، فالكساد في وزارة الثقافة سبقها. هناك أجهزة تعمل حقا، وأجهزة أخرى أصابها كثير من العطب. كل ذلك لم تكن الوزيرة سببا فيه. كانت تعمل بما هو متاح قدر الاستطاعة.

يلوم الناس مثلا هيئة الكتاب، لأن مكتبة الأسرة لم تعد تطبع عشرة آلاف وعشرين ألف نسخة من الكتاب بأسعار زهيدة، واكتفت بأن تكون الطبعة ثلاثة آلاف، وفي أقصى تقدير خمسة آلاف نسخة وبأسعار أعلى، وإن كانت بميزان زماننا ليست عالية، فالجنيه المصري راح في الوباء مثل هنادي في رواية وفيلم «دعاء الكروان». أن يكون سعر الكتاب الآن عشرة جنيهات في مكتبة الأسرة، فهو مثلما كان سعره جنيها أو اثنين سابقا. المشكلة التي لا يدركها أحد في تراجع مكتبة الأسرة هو، أن الدعم الذي كان يتوفر لها من وزارات أخرى أيام سوزان مبارك، لم يعد يتوفر، ومن ثم فالميزانية الآن جزء من ميزانية الهيئة التي تقررها الدولة.

وزارة الثقافة إذن لم تقصر في شيء، هناك أزمة مثلا في المسرح، لكن من يتابع يجد مسرحيات مهمة على مسارح الدولة، بل في الأقاليم، ومهرجانات المسرح التجريبي مثلا تتم، بل كل ما هو قديم من مهرجانات أو مؤتمرات يتم، مثل مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم، ومهرجان الموسيقى والغناء في القلعة وفي الإسكندرية. الوزيرة الفنانة إيناس عبد الدايم كانت تتابع ذلك كله وتحضره ولا تقصر فيه. منعتني ظروفي الصحية أن التقي بها إلا ربما مرة في مهرجان للمسرح، لكنني لم أحضر أيّ فاعليات أخرى للوزارة، وكنت أعرف دائما أن ما يعتبره البعض نقصا ما، هو لظروف أقوى من الوزارة، وعلى رأسها الميزانية المحددة لها من قبل الدولة. طيب ماذا ستفعل الوزيرة الجديدة نيفين الكيلاني، وهي صاحبة خبرة في الوزارة نفسها، ولا شك في أنها تعرف أسباب أيّ قصور. لقد شغلت نيفين الكيلاني، منصب رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية، وقت أن كان حلمي النمنم وزيرا للثقافة، وعادت بعد عامين من توليها المنصب، إلى عملها عام 2014 في أكاديمية الفنون عميدة لمعهد النقد الفني. وإلى جانب مشوارها المهني الأكاديمي، فقد عملت أيضا في مجال العلاقات العامة لدار الأوبرا ومراكز الإبداع في الأوبرا.

هل ستتمكن الوزيرة الجديدة من دفع مجلس الوزراء، أو وزارة المالية إلى زيادة ميزانية الوزارة وأجهزتها؟ عليها أن تتقدم بذلك إلى رئيس الوزراء، شارحة له الأمر، وأن الوزارة مهما عملت فقلة الميزانيات تؤثر بالسلب فيها. أن تلتفت لأمر كتبت فيه يوما في جريدة «أخبار الأدب» ولا بأس من تكراره بإيجاز، وهو أن أدبنا المصري في حاجة إلى نافذة عالمية أوسع. هناك دول عربية الآن تعمل جاهدة على ترجمة أعمال أدبائها إلى لغات أخرى، فضلا عن أن الجوائز العربية تضمن على الأقل ترجمة إلى لغة واحدة للعمل الفائز، وليس كل الفائزين مصريين، ولدينا الكثيرون من كل الأجيال يستحقون هذه النافذة. وهكذا لا بد من أن تضيف الدولة إلى ميزانية الوزارة، على الأقل، عشرة ملايين جنيه سنويا لتدشين موضوع الترجمة إلى لغات أخرى، الذي لن تتأخر أيّ دار نشر عالمية في تنفيذه، ما دامت قد حصلت على حقوق المترجم. عشرة ملايين جنيه ليست رقما يجهد الدولة.

أما كيف تتم الترجمة فأمر سهل. تكون للقصص والدواوين الشعرية أو الكتب الفكرية الفائزة بجوائز الدولة، وتضاف إليها لجنة تختار سنويا عددا آخر من الأعمال، لأن القصص أو الدواوين أو الكتب الفكرية لا تزيد عن عشرة في كل الجوائز، بينما نحتاج على الأقل إلى تدشين عشرين كتابا كل عام. للأمر وجهه السياسي من فضلك كما له وجهه الأدبي. عشرون عملا فكريا وفنيا مصريا كل عام باللغة الإنكليزية مثلا، وتطبعه دار نشر أوروبية أو أمريكية، يعني معرفة حقيقية بمصر المعاصرة. هذا تحدٍ كبير للوزارة الجديدة. التحدي الآخر هو إعادة مكتبة الأسرة إلى وضعها القديم. لا أعتقد أن الأمر يحتاج أكثر من اتصالات جادة بوزارات أخرى مثل وزارة الشباب، ووزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم، لتساهم ماديا في المشروع، كما كان يحدث قديما، ويوضع اسمها على الغلاف كرعاة للبرنامج، وطبعا يكون جميلا لو اتسع الأمر ليشمل رجال الأعمال. ستعود مكتبة الأسرة لطبع عشرين ألف نسخة بسعر زهيد تنفد من الباعة في يوم واحد، كما كان يحدث من قبل. نظرة إلى عالم المسرح سنجد أن أكثر المسرحيات إعداد عن غيرها وعن روايات، ولست ضد ذلك، لكن مهم أن تطلق الوزارة مسابقة للتأليف المسرحي تكون جائزتها مالية كبيرة، وأيضا عروضا في مسارحها في القاهرة وخارجها. قصور الثقافة التي تزيد عن مئة وخمسين قصرا في كل منها قاعة مسرح. وهذا ينقلني إلى شيء مهم جدا قررته الفنانة إيناس عبد الدايم منذ شهور، وهو أن تفتح صالات السينما في قصور الثقافة لعرض الأفلام نظير أسعار قليلة. وبالمناسبة أيضا كل قصور الثقافة فيها صالات عرض سينمائي، لكن معظمها كان متعثرا لأسباب يطول شرحها. ما فعلته الوزيرة السابقة كان خطوة مهمة تستحق التوسع والاستمرار. أمر مهم آخر مفيد للثقافة بقدر إفادته السريعة للدولة، وهو بحث كيفية تحويل بيوت الثقافة إلى أماكن للحرف الشعبية. بيوت الثقافة تقريبا عددها ضعف قصور الثقافة، وشبه معطلة، فتخيل لو تحولت إلى مراكز للحرف الشعبية. أذكركم بالمشروع القديم الذي كان وراءه الفنان عز الدين نجيب يوما، حين أقام عرسا للفنون الشعبية عام 2014 في قصر الفنون، افتتحه رئيس الوزراء وقتها إبراهيم محلب ومعه عدة وزراء على رأسهم وزير الثقافة وقتها جابر عصفور، ومحافظا القاهرة والجيزة، وكانت أجواء عرس قومي بهيج، يفيض بالأمل بمستقبل مشرق للحرف التقليدية بقيادة «جمعية أصالة» التي كان يرأسها. لقد كان أكثر الحاضرين سعادة وتفاؤلا (بعد مئات الحرفيين وأعضاء الجمعية طبعا) هو رئيس الوزراء نفسه، الذي صرّح بأنه وجد ضالته التي كان يبحث عنها لتحقيق مشروع الدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، في مجال الحرف الصغيرة ومتناهية الصغر. هكذا كتب الفنان عز الدين نجيب. لقد طلب منه أن يقدم مشروعا لمجلس أعلى للحرف التقليدية. وقدّم له المشروع بالفعل في كتيب من ثمان وأربعين صفحة كان قد جهزه معه، وفي صباح اليوم التالي (التالي تحديدا).. كان الوعد قد تبخر، والحلم قد انتهى.. نعم.. أجهض كل شيء بفعل فاعل. هكذا كتب عز الدين نجيب. وأضاف «قلت لنفسي مقولة أحد الحكماء الساخرين: لا بأس.. إنه مجرد فشلنا الثالث عشر!

هل تستطيع الوزيرة الجديدة أن تهدف لتحقيق هذا المشروع؟ تخيل كيف يكون إنتاج هذه البيوت ومعارضها من عام إلى عام، وكيف يمكن أن تتقدم فيها لتكون مزارا سياحيا وطريقة للتصدير، وفي مصر تاريخ وتراث للحرف يستحق العناية والرعاية. كثير جدا يمكن أن أقوله للوزارة الجديدة آملا أن يتحقق، لكن من المهم الثناء على الفنانة إيناس عبد الدايم التي لم تشكل عثرة لأحد من الكتاب أو الفنانين، وكانت تحاول بقوة أن يزدهر العمل الثقافي، ونجحت في كثير من خطواتها، لكن ظلت هناك مسائل أقوى منها، لأنها بيد الدولة، مثل الميزانية المخصصة للوزارة. أتمنى لها أياما أجمل مع الموسيقى وحياتها الشخصية، واتمنى للوزيرة الجديدة أن تستمع وتقرأ لكل صاحب رأي. أن تدعو مثلا إلى مؤتمر بعنوان ماذا نريد من وزارة الثقافة. وتحاول مع الدولة نفسها توسيع معنى وعمل الوزارة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here