يوم بكى رئيس الوزراء المصري

8
يوم بكى رئيس الوزراء المصري
يوم بكى رئيس الوزراء المصري

ممدوح الولي

أفريقيا برس – مصر. خلال الأيام الثلاثة لانعقاد مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري في آذار/ مارس 2015 بمدينة شرم الشيخ، توالت تصريحات المسؤولين عن العديد من اتفاقات الاستثمار في المجالات المختلفة، حتى تم الإعلان بنهاية المؤتمر عن 40 اتفاقية تتخطى قيمتها 160 مليار دولار. وتوزعت تلك القيمة ما بين: 77 مليار دولار في العقارات والإسكان، و36 مليار دولار في محطات توليد الكهرباء والطاقة، و23 مليار دولار في مجال الاتصالات، و17 مليار دولار في النفط والغاز الطبيعي، وستة مليارات دولار للمركز اللوجستي لتجارة الحبوب والغلال في ميناء دمياط ومدينة التجارة والتسوق في العين السخنة.

وإلى جانب الاتفاقات الأربعين تم توقيع عدد من الاتفاقات بين الوزارات المختلفة وعدد من المستثمرين العرب والأجانب، في مجالات الزراعة واستصلاح الأراضي والنقل الجماعي والقطار السريع مع الصين.

وبسبب ذلك الإنجاز الضخم فقد غالبت رئيس الوزراء المصري حينذاك إبراهيم محلب دموعه وهو يلقي الكلمة الختامية للمؤتمر، حتى تقدم أحد الشباب من المنظمين بمسح دموع رئيس الوزراء أمام الحضور، حيث قال محلب في كلمته إنه تم توقيع عقود بقيمة 36.2 مليار دولار لمشروعات ستنفذ فورا، إلى جانب الاتفاق على مشروعات ممولة بقيمة 18.6 مليار دولار، والحصول على 5.2 مليار دولار كقروض من صناديق ومؤسسات دولية، بخلاف تعهدات بدعم خليجي بقيمة 12.5 مليار دولار.

وأعلن محلب تشكيل لجنة وزارة لمتابعة تنفيذ تلك المشروعات بشكل يومي، وقال أشرف العربي، وزير التخطيط، حينذاك إنه سيتم البدء الفوري ببعض تلك المشروعات، وإدراج أغلبها في خطة العام المالي 2015-2016، أي بعد ثلاثة أشهر ونصف من انعقاد المؤتمر.

مذكرات تفاهم غير مُلزمة

لكن تبين بعد ذلك أن تلك الاتفاقات الأربعين وغيرها كانت عبارة عن مذكرات تفاهم غير مُلزمة، وكانت تتطلب تحويلها إلى اتفاقات نهائية مُلزمة لكن هذا لم يحدث. ويؤكد ذلك بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل لمصر الصادرة عن البنك المركزي المصري، والتي بلغت 11.2 مليار دولار عام 2014، أي في العام السابق لانعقاد المؤتمر، لتصل في سنة انعقاد المؤتمر إلى 12.8 مليار دولار، وفي العام التالي 13.8 مليار دولار ثم تعود للانخفاض إلى 12.5 عام 2017.

وعلى الجانب الآخر، تحققت وعود المؤتمر الخاصة بالقروض، حيث بلغت قيمة الزيادة في القروض الخارجية في عام المؤتمر 6.5 مليار دولار، وفي العام التالي 19.5 مليار دولار، وفي عام 2017 زادت بنحو 15.6 مليار دولار.

وكرر النظام المصري تلك الوعود البراقة غير الواقعية مع افتتاح التفريعة السابعة لقناة السويس بشهر آب/ أغسطس من نفس العام، التي أسماها قناة السويس الجديدة رغم أن طولها 35 كيلومترا وطول القناة الأصلية 192 كيلومترا، ودعا لافتتاحها العديد من قادة الدول، حتى قال رئيس هيئة قناة السويس وقتها الفريق إيهاب مميش إن المشروع سيدر عوائد لمصر بقيمة مائة مليار دولار سنويا.

وجاءت نتائج إيرادات القناة حسب البنك المركزي المصري، لتشير إلى انخفاض الإيرادات بعد افتتاح المشروع عما كانت قبله، لتنخفض في العام الأول للافتتاح إلى 5.151 مليار دولار، مقابل 5.496 مليار دولار عام 2014 (العام السابق للافتتاح)، واستمر الانخفاض في العام الثاني للافتتاح ليصل إلى 4.990 مليار دولار، وفي العام الثالث سنة 2017 حين بلغت 5.199 مليار دولار، مما دفع الجنرال بعد ذلك للتصريح بأن المشروع كان هدفه رفع الروح المعنوية للمصريين.

مشروعات طاقة جديدة بقيمة 119 مليار دولار!

وفي مؤتمر المناخ العالمي الذي شهدته مدينة شرم الشيخ خلال الشهر الحالي، أعلن بيان لرئاسة مجلس الوزراء في السادس عشر من الشهر، عن توقيع تسع اتفاقيات في مجالات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر بقيمة 119 مليار دولار خلال فعاليات المؤتمر، وذكرت وزارة الكهرباء أن تلك المشروعات تنقسم إلى مشروعات طاقة رياح بقيمة 34 مليار دولار، ومشروعات طاقة شمسية ورياح وهيدروجين أخضر بقيمة 85 مليار دولار.

وذكرت وزارة الكهرباء أن تلك المشروعات الجديدة ستضيف 71 جيجاوات لقدرات التوليد بالبلاد، موزعة ما بين 28 جيجاوات من طاقة الرياح و19 جيجاوات من الطاقة الشمسية و24 جيجاوات من قدرات التحليل الكهربائى للمياه لإنتاج الهيدروجين الأخضر، مما يساهم في تحول مصر إلى مركز إقليمي للهيدروجين الأخضر.

واستعرضت وزارتا الكهرباء والتخطيط خلال بياناتها تلك المشروعات الجديدة، ما بين مشروع شركة رينيو باور والسويدي اليكتريك بقيمة ثمانية مليارات دولار، ومشروع شركة الفنار السعودية بقيمة 3.5 مليار دولار، ومشروع تحالف شركات مصدر الإماراتية وحسن علام المصرية وإنفنيتى، ومشروع شركة جوبال إك البريطانية، ومشروع شركة فورتسيكو آند استريز الأسترالية للطاقة، ومشرع شركة إيميا باور التابعة لشركة النويس الإماراتية بقيمة 800 مليون دولار، ومشروع شركة توتال إيرين الفرنسية، ومشروع شركة إي دي إن رينيو ابلز الفرنسية بقيمة ثلاثة مليارا دولار، ومشروع شركة ميرسك بقيمة 15 مليار دولار، ومشروع شركة إتش تو آند ستريز بقيمة مليار دولار.

لكن كل تلك الاتفاقات هي مجرد مذكرات تفاهم غير ملزمة وليس من بينها اتفاق نهائي واحد، بل إنه سبق خلال العام الماضي وشهور ما قبل انعقاد المؤتمر في العام الحالي، الإعلان عن تلك الاتفاقات الأولية وكلها موجودة على شبكة الإنترنت، بل إن هناك تصريحا لوزير الكهرباء في شهر أيلول/ سبتمبر من العام الحالي، عن توقيع 15 مذكرة تفاهم لإنتاج الهيدروجين الأخضر، مما يدعو إلى التساؤل حول انخفاض العدد في مؤتمر المناخ إلى تسع مذكرات تفاهم فقط.

طاقة فائضة وفشل في تسويقها

وبالنظر إلى البيئة الدولية الخاصة بمشروعات الهيدروجين الأخضر، نجد أن هناك شبه حمّى في هذا الصدد ينتقل خلالها المستثمرون من بلد إلى آخر، لتوقيع مذكرات تفاهم وخطابات نوايا لإنشاء مصانع جديدة، لكنه لم يتم جمع تمويل لأي منها حتى الآن، فمشروعات الهيدروجين الأخضر طويلة الأجل ويبلغ عمرها التشغيلي 25 عاما، ولهذا يحتاج المستثمرون إلى إجراء دراسات جدوى متأنية وواقعية من حيث التكلفة، خاصة بعد قيام إدارة بايدن بصنع ثقب في سفينة الأسواق الناشئة المتجهة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، عندما قامت بمنح إعفاء ضريبي يصل إلى ثلاثة دولارات لكل كيلوجرام من إنتاج الهيدروجين الأخضر في الولايات المتحدة، مما يجعلها السوق الأكثر جاذبية للمنتجين المحتملين.

وإذا كانت وزارة الكهرباء المصرية تتحدث عن السعى لأن تكون مركزا إقليميا لإنتاج الهيدروجين الأخضر، فهناك أيضا في نفس الوقت مبادرات مماثلة للهيدروجين الأخضر في دول متقدمة مثل أستراليا وفرنسا وبدول نامية مثل الهند والبرازيل، وحتى في المنطقة العربية هناك مشروعات للهيدرجين الأخضر في كل من السعودية والمغرب والإمارات وسلطنة عُمان وموريتانيا التي تتمتع بظروف مثالية لطاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى جانب تونس.

كما أن البيئة التنظيمية في مصر ما زالت غير مهيأة لبدء إحلال الهيدروجين الأخضر بديلا للوقود الأحفوري في إنتاج الكهرباء، ويتطلب الأمر أنظمة وتشريعات لم تتم بعد حسب تصريح لرئيس هيئة الطاقة المتجددة بمصر، وكذلك بيئة استثمارية مستقرة وجذابة وهو أمر مفتقد حاليا.

كذلك تصريح وزير الكهرباء لتخطيط الحكومة لتحمّل ما بين 20 إلى 25 في المائة من تكلفة كل مشروع، وهو أمر يصعب تنفيذه في ضوء العجز المالي في الحكومة، وفي ضوء تجربة اقتراض الشركة القابضة للكهرباء من البنوك المحلية لتطوير شبكة نقل الكهرباء، وقروض الشركة القابضة للكهرباء البالغة 292 مليار جنيه حتى منتصف 2021.

والأخطر من ذلك ما أعلنته وزارة الكهرباء من أن المشروعات الجديدة للطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر ستضيف 71 جيجاوات ساعة لقدرات التوليد، حيث أن القدرات الإسمية الحالية لطاقة التوليد المصرية من مختلف المصادر، تدور حول 60 جيجاوات/ ساعة، بينما أقصى حمل للطاقة صيفا يبلغ 32 جيجاوات، أي أن هناك طاقة فائضة غير مُستغلة تبلغ 28 جيجاوات، عجزت الوزارة عن الاستفادة منها سواء في الداخل أو في الخارج مما دعاها لخفض إنتاج بعض محطات التوليد.

فقد شهد الاستهلاك المحلي للكهرباء تراجعا في كميته بسبب الزيادات المستمرة في أسعار الكهرباء، حين انخفضت الكميات المباعة من 158.1 مليار كيلووات/ ساعة في العام المالي 2017-2018، حتى بلغت 154.5 مليار كيلووات ساعة في العام المالي 2020-2021.

كما أخفقت الوزارة في تصدير الفائض من الإنتاج، فيما عدا كميات ضئيلة تتجه إلى ليبيا والأردن منذ سنوات، وأضيف لها كميات ضئيلة إلى السودان مؤخرا، حتى أن النصيب النسبي لصادرات الكهرباء لتلك الدول في العام المالي 2020-2021 تقل عن نسبة واحد في المائة من مجمل مبيعات الكهرباء، حسب بيانات الشركة القابضة للكهرباء التي تتبعها شركات إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here