المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بين الرفض الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني

23
المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بين الرفض الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني

سحر جمال

أفريقيا برس – مصر. محاولات تلو الأخرى لحل القضية الفلسطينية تنتهي كلها عند نفس النقطة، فعلى الرغم من توالي الإجتماعات الدولية والمباحثات لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أن الحل ما زال بعيدا عن الجميع، تحركت مصر كثيرا وغيرها من الدول العربية والأوروبية في محاولة لإيجاد نقطة تتلاقى عندها جميع الآراء، لكن الرفض دائما هو النتيجة الوحيدة التي تفشل كل المحاولات، غير أن الصراع الداخلي الفلسطيني يعد أزمة أخرى تمنع الوفاق بين كافة الأطراف، ونشهد تحركات واسعة خلال الفترة الحالية، من أجل إعادة مسار المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بدفع كبير من جانب الإدارة الأميركية التي ترغب في إعادة إحياء المفاوضات.

من جهة أخرى فإن المسؤولين في مصر يتحركون في اتجاهين؛ نحو الإحتلال، والسلطة الفلسطينية لتحقيق ذلك، لكن العائق الرئيسي الذي يواجه استئناف المفاوضات على الرغم من الدفع الأميركي، هو هشاشة التكوين السياسي في إسرائيل خلال الفترة الحالية، كما أن حالة التنافس على رضا الشارع الإسرائيلي بين مكونات الحكومة الإسرائيلية من جهة، والمعارضة اليمينية من جهة أخرى، يمثل العقبة الحقيقية، في الوقت الذي لا توجد فيه قيادة سياسية في تل أبيب ترغب في اتخاذ القرار بشأن تلك الخطوة. وللمزيد من التفاصيل يتحدث إلى “أفريقيا برس” الكاتب الصحفي والمحلل السياسي يسري عبيد في الحوار الصحفي التالي:

يسري عبيد – كاتب صحفي

تحدثت مصادر إعلامية عن حراك دبلوماسي من أجل إعادة مسار المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بدفع كبير من جانب الإدارة الأميركية على أن تلعب مصر دورا أساسيا في ذلك، ماهي مصلحة واشنطن من إعادة مسار مفاوضات التسوية؟
أعتقد أن الإدارة الأمريكية ربما تريد إعادة مسار المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لعدة أسباب، من ضمنها أنها تريد تقوية السلطة الفلسطينية، وتريد أن تستحوذ السلطة الفلسطينية على الشعبية داخل الأراضي الفلسطينية، وأن تكون هناك سلطة واحدة، وبالتالي تعمل على إستبعاد حركة حماس، وأن إستمرار وإعادة إحياء المفاوضات مرة أخرى أعتقد أنه يقلل من فرص حماس في تمثيلها للشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية ليست كإدارة ترامب السابقة، التي كانت تستعد لإعلان صفقة القرن التي كانت متحيزة لإسرائيل بشكل كبير،  وبالتالي إدارة بايدن لديها نية صادقة لإعادة إحياء المفاوضات مرة أخرى، ولكن كانت دائما تصطدم بإدارة إسرائيلية ترفض إعادة تلك المفاوضات، وبالتأكيد هذه الإدارة بصفتها الراعية لعملية السلام في الشرق الأوسط تريد إعادة المفاوضات في أقرب وقت ممكن.

يرى البعض أن العائق الرئيسي الذي يواجه إستئناف مفاوضات التسوية على الرغم من الدفع الأميركي، هو هشاشة التركيبة السياسية في الكيان الإسرائيلي خلال الفترة الحالية. فهل تتفق مع ذلك؟
أعتقد ان هذا جزء من عملية عرقلة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ولكن الجزء الأهم هو أن الحكومة التي تستحوذ على السلطة الآن في إسرائيل هي حكومة يمينية متشددة، رئيس الوزراء الإسرائيلي أعلن صراحة أنه يرفض إقامة دولة فلسطينية،  وبالتالي أعتقد أن هذا الإعلان يعتبر سببا رئيسيا لفشل المفاوضات قبل أن تبدأ، وهو يرفض المفاوضات على أساس فكرة الدولة الفلسطينية، وبالتالي أي مفاوضات لن يكتب لها النجاح، لأن المبدأ مرفوض من جانب السلطة الإسرائيلية، وهي رفض إقامة دولة فلسطينية، ورئيس الوزراء الإسرائيلي قال إن مرجعيته اليمينية الإسرائيلية تحتم عليه رفض إقامة دولة فلسطينية، وبالتالي تعتبر الحكومة الإسرائيلية الحالية، بالإضافة إلى الحكومة السابقة كانت أيضا رافضة لعملية المفاوضات، وبالتالي أعتقد أن الظروف داخل إسرائيل الآن في وجود الحكومة الحالية غير قابلة للتفاوض، وغير قابلة لإحياء المفاوضات مرة أخرى بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

في المقابل هناك تصدع في الجبهة الفلسطينية من الانقسام الفلسطيني إلى التهدئة الهشة بين الفصائل والكيان الاسرائيلي، وتداعيات إستمرار حصار قطاع غزة، هل تعتقد أن مصر قادرة على تحقيق اختراق في ملف التسوية؟
مصر حاولت كثيرا إنهاء الإنقسام الفلسطيني، حيث إستضافت القاهرة العديد من اللقاءات بين ممثلي حركة حماس وحركة فتح، خاصة بعد الإعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة في يونيو الماضي، بالإضافة إلى زيارة رئيس المخابرات المصرية عباس كامل لقطاع غزة، ومحاولة عقد لقاءات في القاهرة بين حركتي فتح وحماس لإنهاء هذا الإنقسام، لأن حجة إسرائيل دائما في عدم التفاوض هي  عدم وجود حكومة فلسطينية واحدة تستطيع إسرائيل أن تتفاوض معها، هناك حكومة في الضفة الغربية وحكومة في غزة، وبالتالي إسرائيل كانت تتحجج بأنه لا توجد حكومة شرعية فلسطينية تستطيع أن تجري معها مفاوضات، وبالتالي أعتقد أن الإنقسام الفلسطيني كان سببا رئيسيا في فشل المفاوضات قبل ذلك، وسيكون سببا رئيسيا أيضا مع الجانب الإسرائيلي في إعادة المفاوضات مرة أخرى،  بالإضافة إلى عدم وجود فرص الآن من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لإعادة المفاوضات بينهما.

وماذا بشأن صفقة القرن، على ما يبدو أن إدارة بايدن لا تمانع في الحصول على إعتراف فلسطيني بالكيان الاسرائيلي مقابل حصولهم على دعم اقتصادي دولي ودعم آخر من دول الجوار لاسيما من مصر والأردن؟
أعتقد أن حركة حماس لن تقوم بالإعتراف بالكيان الإسرائيلي مادام هناك رفض إسرائيلي لحقوق الشعب الفلسطيني، وأعتقد أن الأجواء داخل فلسطين والإنقسام الفلسطيني لن يساعد في عملية إعادة المفاوضات مرة أخرى، كان هناك رفض لصفقة القرن سواء من السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس ابو مازن أو من حكومة حماس في غزة، لأن هذه الصفقة كما يعلم الجميع أنها تأتي ضد حقوق الشعب الفلسطيني وبالتالي السلطة الفلسطينية وحركة حماس لن تقبل الإعتراف بالكيان الصهيوني نظير أي مساعدات إقتصادية،  ولكن أعتقد أن الحل الوحيد الذي تستطيع من خلاله السلطة الفلسطينية أن تقبل بالإعتراف بالكيان الإسرائيلي هو إعتراف إسرائيل وقبولها بقيام دولة فلسطينية.

هل تعتقد أن اهتمام مصر في السنوات الأخيرة بتسوية القضية الفلسطينية يأتي في إطار تخفيف الضغوط التي تمارسها إدارة بايدن على القاهرة في ملف حقوق الإنسان والتهديد بوقف جزء من المساعدات الأمريكية؟
مصر دائما وأبدا هي الراعية للقضية الفلسطينية، وكانت هذه القضية هي الهم الأكبر لكل الحكومات المصرية، قطاع غزة كان يقع تحت السيادة المصرية في فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، وعندما قامت حرب أكتوبر كان هدفها  تحرير جميع الأراضي العريية التي أحتلتها إسرائيل بعد 1967 ومن ضمنها القدس والضفة الغربية، وكانت القضية الفلسطينية حاضرة في مفاوضات السلام الإسرائيلية وقام الرئيس السادات بدعوة الرئيس الفلسطيني آنذاك ياسر عرفات لحضور تلك المفاوضات كي تكون القضية الفلسطينية من ضمن هذه المفاوضات التي حدثت بين مصر وإسرائيل، ولكن لاقت الدعوة رفضا عربيا وفلسطينيا، و مصر دائما وأبدا قبل أي حكومات أمريكية، هي الراعية دائما للقضية الفلسطينية،  وتعتبر قضية فلسطين هي قضية العرب الرئيسية، ومصر هي الشقيقة الكبرى التي تدافع دائما عن الفلسطينيين وعن قضاياهم، وبالتالي كل هذا غير مرتبط بمسئلة حقوق الإنسان أو غيره، لأن القضية لها تاريخ أطول بكثير من مسألة حقوق الإنسان، والقاهرة لا تخضع لأي ضغوط من جانب الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها بخصوص ملف حقوق الإنسان، ولا تستخدم القضية الفلسطينية كسبب أو ذريعة لتخفيف الضغوط عليها.

كيف تتوقع سير مفاوضات التسوية إذا استؤنفت بشكل مباشر أو غير مباشر، وإلى أين يمكن أن تصل خاصة وأن هذا الملف يشهد الكثير من التعقيدات، وأهمها الإستراتيجية الإسرائيلية في المفاوضات القائمة في الحصول على إمتيازات جديدة وإبقاء الملف مفتوحا لمزيد من قضم الإمتيازات؟
ربما لن يتم إستئناف هذه المفاوضات، وستفشل الإدارة الأمريكية في مساعيها لإعادة إحياءها مرة أخرى، لأن الحكومة الإسرائيلية الحالية كما قلت ترفض قيام الدولة الفلسطينية وفقا لتصريحات مباشرة، بالإضافة إلى أن الإنقسام الفلسطيني الموجود الآن لا يشجع على إعادة إحياء تلك المفاوضات مرة أخرى، وبالتالي أعتقد أنه لا أمل في إعادة إحياء المفاوضات خلال هذه الفترة، بالإضافة إلى أن الشرق الأوسط والأجواء في المنطقة غير مهيئة لإجراء مفاوضات كهذه، نطرا للملف النووي الإيراني، والأزمة السورية والأزمة المشتعلة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والغرب حول الأزمة الأوكرانية، بالإضافة إلى حرب اليمن والأوضاع في ليبيا وهناك ملفات كثيرة في المنطقة تستحوذ على الاهتمام الأكبر، وبالتالي أعتقد أن القضية الفلسطينية تنحت جانبا  وسيستمر هذا التنحي خلال الفترة المقبلة نظرا لأن هناك ملفات من وجهة نظر كثيرين هي أهم من هذه القضية، وبالتالي الأوضاع ستستمر على ما هي عليه لحين إشعار آخر.

 

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here