حوار: سحر جمال
أفريقيا برس – مصر. بعد أحاديث عدة ومحاولات تركية متتالية لتحسين علاقاتها مع مصر، شهدت العلاقة بين البلدين انتكاسة كبرى بعد استبعاد تركيا من اجتماعات شرق المتوسط، واستمرار الرفض المصري لما تعتبره تدخلاً في الشأن الليبي ومرواغة حول الشروط المصرية لتحقيق المصالحة.
وترى مصر أن تركيا لم تقم حتى الآن بأي خطوة جادة تثبت حسن نيتها حول تحقيق المصالحة، بل اكتفت بوقف بث بعض القنوات الإعلامية التي اعتمدت على تقديم محتوى يهاجم النظام المصري بشكل مباشر، وهنا رأت مصر مرواغة تركية في هذا الأمر، خاصة بعد رفض تركيا تسليم الهاربين والمحكوم عليهم في قضايا سياسية، بل استمرت في تقديم الدعم والرعاية لهم على الأراضي التركية، ومن جهة أخرى وضعت مصر شروطاً أخرى لتحقيق المصالحة مع تركيا، على رأسها سحب تركيا قواتها من الأراضي الليبية ، وهو أمر آخر لم تنفذه تركيا.
ومن هنا احتدت العلاقة بين البلدين مرة أخرى، لتطلق تركيا تصريحات جديدة أشعلت الغضب المصري، لتطرح تساؤلات عدة حول مستقبل العلاقات بين البلدين، وفي هذا الإطار يتحدث إلى “أفريقيا برس” الباحث السياسي والخبير في الشأن الدولي محمد حامد في الحوار الصحفي التالي:
كيف تغير مسار العلاقات المصرية التركية مرة أخرى بعد الكثير من الوعود حول عودة العلاقات بين البلدين بعد القمة المصرية القبرصية اليونانية الأخيرة؟

بعد أن حدثت انفراجة بسيطة للعلاقات المصرية التركية عبر لقاء نائب وزير الخارجية المصري بنظيره التركي في لقائين متتاليين، اللقاء الأول كان في القاهرة والثاني في أنقرة في السابع من سبتمبر الماضي، لم تحدث انفراجة جديدة في العلاقات المصرية التركية ولا لقاءات بعدها، على الرغم من توقع الكثيرين أن تستمر اللقاءات بين الجانبين وصولا إلى تبادل السفراء، ولكن يبدو أن تركيا لم تقدم شيئاً على الطاولة لفتح شهية المفاوض المصري ليذهب معها بعيدا في تطبيع العلاقات المصرية التركية، وتعمد أردوغان أن يعيد العلاقات ولو شكليا مع مصر خاصة وأن المعارضة التركية تشير له بهذه النقطة، وواجه أردوغان الانتقادات لمقاطعة أكبر دولة عربية في ظل نمو الدور المصري وزيادة تأثيره في المنطقة العربية ومنطقة شرق المتوسط تحديداً المستهدفة حاليا من الدولة التركية سواء كانت الحكومة أو المعارضة.
هل تعتقد أن انتكاسة العلاقات المصرية التركية مرة أخرى بسبب التطور الإيجابي في العلاقات التركية الأثيوبية؟
بالتأكيد دخول تركيا بشكل أو بأخر على خط الأزمة الأثيوبية هو أمر ترفضه القاهرة شكلا ومضمونا، وهو خط أحمر بالنسبة لمصر بأن تقوم تركيا سواء الحكومة التركية أو المعارضة بتزويد أثيوبيا بطائرات مسيرة وأسلحة، وهذا أمر مرفوض بالنسبة لمصر، فذهبت مصر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا للضغط على أنقرة حتى لا تزود أبي أحمد بمثل هذه الطائرات في ظل حالة حرب أهلية مشتعلة وتزداد إتساعا يوما بعد الآخر، وتلك الطائرات والأسلحة ستغير موازين القوى لصالح أبي أحمد، حيث أن سلاح الطيران عامل حاسم، وترفض القاهرة أن تقوم تركيا بمثل تلك الأمور، خاصة في ظل الحرب الأهلية وسد النهضة داخل أثيوبيا، حيث يعتبر الأمران مؤثران على طبيعة الاستقرار في القرن الأفريقي وطبيعة المصالح العليا والاستراتيجية لمصر والسودان في هذه المنطقة.
كيف سينعكس توتر العلاقات مرة أخرى بين مصر وتركيا على الملفات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين وخاصة على الملف الليبي؟
الملف الليبي ليس مطلبا مصريا فقط، فرحيل القوات الأجنبية وقوات المرتزقة التي جلبت خلال الحرب الأهلية الليبية طوال 10 سنوات ، منذ 2011 وصولا إلى عام 2020 ، ليس مطلبا مصريا فقط بل مطلبا إقليمياً ودولياً وعربياً؛ أن تخرج جميع القوات المرتزقة، سواء كانت من تركيا أو قوات تشادية أو من السودان أو روسيا، فكل هذه المليشيات يجب أن تخرج وتعود ليبيا لليبين فقط، ولكي تفسح الطريق أمام الحلول السياسية والانتخابات البرلمانية والرئاسية وكتابة دستور جديد في الدولة الليبية، لكي تعود ليبيا إلى عهد جديد.
وبالتأكيد مازال الخلاف المصري التركي في الملف الليبي مستمراً، ليس فقط بسبب القوات التركية على الأرض ولكن أيضا بسبب الاتفاقية بين حكومة السراج وحكومة أردوغان في نوفمبر2019، وهي اتفاقية باطلة من الأساس وليس لديها أي حجة في القرار الدولي، وأيضا رفضتها كل دول شرق المتوسط منها مصر وقبرص واليونان.
كيف تتوقع أن يكون الرد المصري بشكل سياسي على التصريحات التركية بعد مشاركة مصر في القمة القبرصية اليونانية؟
العلاقات المصرية التركية لا جديد فيها ولا يوجد أي تطور فيها، لم تقدم تركيا أي شيء على طاولة المفاوض المصري تجبره على المزيد من التطبيع في العلاقات المصرية التركية، وحاليا لا يوجد هناك تمثيل سياسي أو تبادل للسفراء بين البلدين، وأيضا لا توجد رغبة في ترسيم الحدود البحرية وهي أولوية لدى تركيا، وهذا أكبر دليل أن مصر مازالت تعيد تقييم الأمور حول العلاقات المصرية التركية بشكل عام، وتركيا لم تقدم إلا القليل ولم تقم بتسليم الهاربين المتهمين في قضايا تمس الأمن القومي المصري المتواجدين حالياً على الأراضي التركية، ولم تقدم تركيا سوى أمر بسيط للغاية وهو إيقاف قنوات الشتم الإعلامي والإعلاميين الذين كانوا يشنون هجوماً على الحكومة المصرية، وكان هذا مطلباً مصرياً كبداية للحوار والحديث حول عودة العلاقات.
كيف ستتأثر تركيا من التعاون المصري القبرصي اليوناني خاصة في ظل استبعاد تركيا من الاجتماعات المشتركة الخاصة بشرق المتوسط؟
بالتأكيد العلاقات المصرية التركية متأثرة وتركيا متأثرة بغيابها عن منتدى غاز شرق المتوسط، والذي أصبح منظمة غاز شرق المتوسط، وهي منظمة إقليمية دولية معنية بالغاز، وهي أيضا تجمع سياسي واقتصادي معني بملف الغاز، وسيكون لها دوراً هاماً وإسترتيجياً بسوق الغاز في العالم كله، وستكون تلك المنطقة جاذبة للاستثمارات والتعاون بين دول منطقة شرق المتوسط ودول أخرى في الخليج وروسيا وكل ما هو معني بمستقبل الغاز في العالم، وغياب تركيا عن هذا الأمر هو غياب مؤثر بالنسبة للدولة التركية، لأن هذه المجموعة أصبحت مجموعة استراتيجية مؤثرة في الإقليم ولديها تطلعات كثيرة وأفكاراً واعدة مستقبلا، لذلك يجب على تركيا أن تحسن علاقاتها مع جميع الدول وعليها أن تكون جزءً من هذه المنظمة، وذلك من خلال ترسيم الحدود واتباع سياسات وأهداف إقليم شرق المتوسط لأن هذه المنظمة الإقليمية الدولية ولدت من رحم الثروات والخيرات التي توجد في باطن شرق المتوسط، والمقدرة بمليارات من الأمتار المكعبة التي تختزنها حقول الغاز، لذلك لا بد أن تكون تركيا في المستقبل جزءً من هذه المنظمة، لأن هذا في مصلحتها الاستراتيجية العليا، ورغبتها في التقارب مع مصر قد يفتح لها طريقا لهذه المنظمة وطريقا في ترسيم الحدود المصرية التركية، وهذا سيعطي تركيا مساحة من هذه المياه للتنقيب وفقا للقانون الدولي.