حوار مع وزير مصري سابق

13
البورصة المصرية غاضبة سجلت أكبر خسائرها

أعرفه شخصياً منذ أكثر من عقدين من الزمان. هو وزير سابق بإحدى وزارات ما يمكن أن يطلق عليه المجموعة الاقتصادية، تفرقت بنا الطرق والمواقف السياسية، فقد كان من مؤيدي 30 يونيو، و3 يوليو، وكل التواريخ التعيسة التي مرت بنا خلال السنوات السبع الأخيرة، فلم نعد نلتقي إلا على فترات متباعدة. ومع معرفته الكاملة باختلاف الرؤى والمواقف، يبادرني متسائلاً عند كل لقاء “إيه أخبار مصر؟”.

لا أحب أن أكون البادئ بالموضوعات التصادمية، لكن الرجل أصر على الدخول في الموضوع: “في حاجة بتحصل. في حاجة مش تمام. لازم ينتبهوا ويتصرفوا على هذا الأساس. لا يمكن تجاهل الأمور وافتراض أن كل شيء سيعود كما كان”.

كان الرجل يتكلم كمن لا يقصد شيئاً محدداً، إلا أن ما تلا من مناقشات أوضح أنه كان يتحدث عن “التفاعل المحدود مع الدعوة للاحتجاجات في مصر” خلال الأسبوعين الماضيين، كما “بعض الفيديوهات المنتشرة هذه الأيام، من عينة ما يظهر فيه الأخ الممثل محمد اسمه إيه ده!”.

قلت له إن الأوضاع حالياً “تبدو تحت السيطرة”، لكني أرى أن هذا النوع من الاستقرار المزعوم غير قابل للاستمرار، فأومأ مؤكداً على كلامي، مضيفاً أنهم “مخضوضين، غير مصدقين تحول الرأي العام، بعد تجاوب الكثيرين مع الفيديوهات”، مكرراً ما طالب به من ضرورة العمل على تحسين الأوضاع.

ولما كنت لا أحب أن أدخل معه في مناقشات تخص قضايا قديمة، محسومة عندي وعنده، مع الاختلاف الجذري في ناحية الحسم، فقد عملت على قصر الحوار على الفيديوهات، والاحتجاجات، وردود الأفعال الحالية. قلت له: أي أوضاع تقصد؟ هل تتحدث عن الأوضاع الاقتصادية، أم الفساد، أم الحريات؟

رد الرجل صاحب الخبرة الاقتصادية الواسعة، مؤكداً أن تحسين الأوضاع الاقتصادية لن يكون له أي تأثير إيجابي طالما بقي الفساد، خاصة ونحن نتحدث عن فساد بالمليارات، وموضحاً أن ما يجري من محاولات إصلاح اقتصادي هي جادة بالفعل، وأن هناك بعض الإنجازات الحقيقية (مرة أخرى) التي لا يمكن تجاهلها، والتي تسببت في تحسن العديد من المؤشرات الاقتصادية.

الأمر الذي لاقى استحسان العديد من المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد والبنك الدولي!
لم يفتني تجاهل الرجل لموضوع الحريات، لكني اعتبرته متوقعاً ممن في سنه، وهو نفس جيل آبائنا، ممن اعتادوا على التضحية بموضوع الحريات “المشبوه” هذا، في مقابل الاستقرار والأمان.

وذكرني حديث الرجل بحديثي مع رجل الأعمال الذي قابلته قبل أسبوع، مع اعترافي باختلاف رؤية رجل الاقتصاد المُعلم عن رؤية رجل الأعمال الانتهازي، فسألت الرجل، وما هي تلك المؤشرات التي يتحدث عنها العالم وتشيد بها المؤسسات الدولية؟ فقال الرجل إن تحقيق فائض أولي في الموازنة العامة، بمعنى تحقيق فائض قبل إدخال خدمة الدين، أي أقساط الديون وفوائدها المستحقة، ضمن نفقات الدولة، لم يكن قبل سنوات يخطر على بال أحد، وهو إنجاز كبير، يحسب للنظام الحالي.

قلت للرجل أنني لا أعترف بموضوع “الفائض الأولي في الموازنة العامة” من الأساس، لأن المواطن لا يعنيه من أين جاء عجز الموازنة، ولا يضيف إليه الفائض الأولي أي شيء، طالما بقي العجز في الموازنة، وترتب عليه المزيد من الاقتراض، وبالتالي المزيد من الفوائد المدفوعة.

وأضفت أن الفائض الأولي لم يتحقق بسبب زيادة الإيرادات أو انخفاص النفقات بصورة موجهة، وإنما كان نتيجة لاستحواذ خدمة الدين العام على حصة أكبر من فاتورة إنفاق الحكومة المصرية، فاضطرت الحكومة إلى تخفيض الإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمي، كما العديد من أوجه الإنفاق الاجتماعي، عن النسب المحددة في الدستور المصري الأخير، وهو ما تسبب في تراجع ترتيب مصر في مؤشرات التنمية البشرية، وتراجع آمال الملايين فيما يمكن تحقيقه على هذا الصعيد خلال السنوات المقبلة.

قال الرجل إن التضخم انخفض بصورة كبيرة، وإن معدل البطالة انخفض بشكل ملحوظ، كما أن أجور نسبة كبيرة من الموظفين، في القطاع الخاص والعام، قد ارتفعت خلال الفترة الأخيرة.

فسألت الرجل وماذا كانت النتيجة بعد كل تلك التطورات؟ النتيجة الوحيدة التي سمعنا بها من جهة يفترض فيها الحياد كانت نزول أكثر من ثلث الشعب المصري تحت خط الفقر.
وشرحت للرجل ما أثق أنه كان يعرفه جيداً، من أن خط الفقر للبنك الدولي يشمل من يحصل على أقل من 1.5 دولار يومياً، أي ما يقرب من 750 جنيها مصريا شهرياً.

وأكدت له أن هذا الخط غير آدمي، وأن كثيرين ممن يحصلون على دخول تفوق ذلك المبلغ، لا يحيون حياةً كريمة، ولا يحصلون على ما يتمنون من تعليم، أو ما يحتاجون من علاج، وسألته إن كان يرى أن أحداً يستطيع العيش في مصر بثلاثة آلاف جنيه في الشهر، فجاءتني إجابته الواضحة بتحريك رأسه يمنةً ويساراً، دون أن ينبس ببنت شفة.

الهدف الأساسي من كل الإجراءات الاقتصادية يجب أن يكون هو المواطن وتحسين مستوى معيشته. فالإنسان هو الأصل، وقبل أي شيء، وأي حديث عن إنجازات اقتصادية لن يكون مقبولاً لو لم تنتج عنه زيادة رفاهة المواطنين، أو تقليل معاناتهم. أما اتخاذ الإجراءات التقشفية، والتضييق على المواطنين، بدعوى أننا نمر بظروف صعبة، وأن التضحية واجبة من أجل تحقيق التنمية المنشودة، وأن المستقبل المشرق ينتظر أبناءنا، بفعل ما يتم إنجازه حالياً، فلن يكون مقبولاً.

لقد مرت السنوات، رغم أننا وعدنا أن الأمور ستتحسن خلال ستة أشهر فقط، قبل أن يتم مدها إلى عامين، لتمر ست سنوات كاملة، ولم نرَ بعد أي بشائر لذلك التحسن، ولا تزداد الأمور إلا سوءاً، بينما ينهش الفساد وسوء ترتيب الأولويات في لحم هذا الوطن، وهذا تحديداً ما كنت أفكر فيه حين ذكرت لصديقي في بداية الحوار أنه استقرارٌ مزعوم، وغير قابل للاستمرار.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here