يتصاعد الحديث في أروقة مجلس النواب المصري ودواوين الوزارات حول التعديل الحكومي الوشيك، وما إذا كان من المقرر أن يشمل تغيير رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، كما هي رغبة أبرز مساعدي الرئيس عبد الفتاح السيسي، اللواء عباس كامل، ونجل الرئيس محمود السيسي، أم أن الصعوبات التي تشهدها المشاورات الوزارية ستؤدي إلى استمراره وستعوق تغيير عدد من الوزراء أيضاً.
وقالت مصادر حكومية واسعة الاطلاع إن “دائرة السيسي تلقت اعتذارات من معظم الأشخاص الذين استُطلع رأيهم بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك عبر اتصالات مباشرة أو من خلال وسطاء، حيث يقيم بعض المرشحين، ذوي الخلفيات الاقتصادية، الذين جرى التواصل معهم خارج مصر”. ونشر الأسبوع الماضي تقرير كشف أن دائرة السيسي تسعى للمرة الأولى إلى الاستعانة بأحد الاقتصاديين البارزين والأكفاء، كرئيس للوزراء، بهدف إدارة عملية، تصفها المصادر بـ”إدارة أكثر حكمة لسياسات التقشف الحكومي وتخفيض الدعم وإعادة رسم سياسة إدارة موارد الدولة من جديد”. وأشارت إلى أن بعض الشخصيات القريبة من السيسي، وعلى رأسها الوزيرة السابقة ومستشارته للأمن القومي فايزة أبو النجا، تدفع بشدة باتجاه اتخاذ بعض الإجراءات لتخفيف وقع القرارات الاقتصادية السابق اتخاذها منذ عام 2016، بدءاً من تعويم الجنيه، على المواطنين البسطاء. ويؤمن هؤلاء بأن الانتفاضة التي وقعت في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، وما زالت تلقي بظلالها على المشهد السياسي والميداني حالياً، قد أنهت “أسطورة أن الشعب سيتحمل للأبد الأوضاع المعيشية الصعبة”، التي ترتبت عن قرارات السيسي واقتراضه المستمر، خصوصاً في ظل انتشار المعلومات عن الفساد المالي الكبير في مشاريع الرئاسة والجيش والرفاهية التي يتمتع بها السيسي وأفراد أسرته، منذ انتشار فيديوهات المقاول والممثل محمد علي مطلع الشهر الماضي.
وأضافت المصادر أن الاعتذارات العديدة عن عدم تشكيل الحكومة، دفعت دائرة السيسي إلى إعادة التفكير في الوزراء الحاليين، لتصعيد أحدهم خلفاً لمدبولي، بالطريقة نفسها التي اختير بها رؤساء الحكومة الثلاثة المتتابعون: إبراهيم محلب وشريف إسماعيل ومصطفى مدبولي. ويتصدر المرشحون في اللحظة الحالية، التي قد تسبق قرار التعديل بساعات معدودة، وزير الكهرباء محمد شاكر، الذي سبق أن قالت مصادر حكومية، في يوليو/تموز الماضي، إنه من بين أبرز المرشحين للمنصب، باعتباره أقدم الوزراء الحاليين، والذي سبق له الاعتذار عن رفضه رئاسة الحكومة، فيما يعتمد السيسي عليه بشكل مطلق في إدارة قطاع الكهرباء والاتفاقات الجديدة بشأنه مع الدول والشركات الأجنبية، فضلاً عن تعاونه الوثيق مع الجيش والمخابرات في إدارة مشروع المفاعل النووي في الضبعة. لكن النقطة السلبية بشأنه من وجهة نظر بعض مساعدي السيسي أنه يفتقر إلى الكفاءة الاقتصادية، التي يرون أنها ضرورية في الفترة الحالية.
ومن بعد شاكر، تبرز فكرة تصعيد وزيرة التخطيط هالة السعيد، لتكون أول سيدة ترأس حكومة في مصر. ويجادل المروجون لها بأنّ هذا التوقيت مناسب لاتخاذ هذه الخطوة، وذلك لتحسين صورة النظام في الخارج، وتأكيد اتباعه نهجاً لتفعيل المساواة بين الرجل والمرأة. وأيضاً لأنّ وزيرة التخطيط هي المنوط بها متابعة تطورات الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والعديد من الجهات المانحة والمقرضة الأخرى للحكومة، ما يعزز تعاملها مع أولويات المرحلة الراهنة والآثار المترتبة عن برنامج الاقتراض وتخفيض الدعم، المسمى في الإعلام المصري برنامج “الإصلاح الاقتصادي”.
ويستند المروجون للسعيد أيضاً إلى أنها الأكثر دراية بالتعامل مع ملف تخفيض عدد العاملين في الدولة، الذي بدأت آثاره السلبية تطفو على السطح، بسبب وقف التعيينات الجديدة وتعدد الإقالات والاستقالات وضعف أعداد كبار الموظفين، وخلوّ درجات كاملة من شاغليها، وتراجع أعداد الكوادر المهنية عموماً، وهو ما اضطر الحكومة إلى تمديد الاعتماد على مئات الموظفين الذين بلغوا سنّ التقاعد، والبدء بخطة لإعادة هيكلة سنّ التقاعد مستقبلاً بزيادتها تدريجاً. وعلى قائمة المرشحين أيضاً، وزير الاتصالات عمرو طلعت، الذي أصبح العامل المشترك بين اجتماعات السيسي بالوزراء في مختلف الملفات أخيراً، نظراً لاهتمام النظام المتصاعد بعملية الربط الإلكتروني وقواعد البيانات والأمن السيبراني، وتداخل عمل الوزارة مع الاستخبارات والرقابة الإدارية في العديد من المشاريع، ونجاحها من وجهة نظر دائرة السيسي.
وأوضحت المصادر أنه في حال خروج مدبولي في التعديل الوزاري، فإنه سيُكلَّف منصب مساعد رئيس الجمهورية لشؤون المشاريع القومية، وهو المنصب الذي يتولاه في الوقت الراهن رئيس الوزراء السابق المهندس شريف إسماعيل، الذي تروج له أجهزة سيادية كأحد المرشحين لتولي منصب نائب رئيس الجمهورية المستحدث في التعديلات الدستورية الأخيرة. من جانبها، أكدت مصادر خاصة أن التعديلات المرتقبة لن تشمل وزير الدفاع الحالي الفريق أول محمد زكي، خشية تأثر دوائر داخل القوات المسلحة بهذه الخطوة في الوقت الراهن الذي تصفه المصادر بشديد الحساسية، وأن خطوة تغيير زكي ستُؤجَّل لعدة شهور، حيث من المقرر أن تكون بقرار منفصل يشمل الوزير ورئيس الأركان واثنين من أعضاء المجلس العسكري الحالي.
وذكرت المصادر أن زكي غاضب بسبب تدخلات من جانب وكيل جهاز المخابرات العامة ونجل الرئيس العميد محمود السيسي في شؤون القوات المسلحة، وتخطّيه للوزير في عدد من التحركات التي استتبعت الحراك الشعبي الأخير الذي بدأ في 20 سبتمبر الماضي. وأشارت المصادر إلى أن زكي أبدى لمقربين منه استياءه بسبب تواصُل نجل السيسي مع قيادات عليا في المؤسسة العسكرية دون الرجوع إليه، بشكل يؤثر في صورة وزير الدفاع ويمسّ بهيبته.
يذكر أن بعض المقربين من السيسي نصحوه بعدم التعجل في إجراء التعديل الوزاري، حتى لا يظهر وكأنه يتصرف تحت الضغط، انطلاقاً من ذات فكرة من يقنعونه بعدم اتخاذ أي خطوات لتحقيق انفتاح في المجال السياسي. لكن ما أدى إلى انزواء هذه الرؤية، أن السيسي نفسه كان يرغب في إجراء التعديل منذ مايو/أيار الماضي، نتيجة غضبه من سوء الأداء وخروج بعضهم بتصريحات اعتبرها “غير مقبولة” عن انخفاض التمويل الحكومي لمشاريع تطوير التعليم والصحة، وتكليفه المخابرات العامة والرقابة الإدارية، منذ ذلك الوقت، رفع تقارير كل أسبوعين للرئاسة عن أداء الوزراء. وما زالت نتائج هذه الأزمة بادية في عدم نشر وسائل الإعلام المحلية، الموالية للسيسي، أسماء وصور جميع الوزراء كقاعدة عامة، عدا رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية، كنوع من التأديب لهم على التجرؤ بالتصريح من دون استشارة دائرة السيسي مسبقاً، ولمنع حصول الوزراء على أيّ قدر من الشعبية.