في عيدها العاشر… هل الثورة المصرية باقية؟

15
في عيدها العاشر... الثورة المصرية باقية رغم الحصار الإعلامي
في عيدها العاشر... الثورة المصرية باقية رغم الحصار الإعلامي

افريقيا برسمصر. سبع سنوات من الحرب التي استخدم فيها نظام ما بعد الانقلاب العسكري كل أسلحته، وترسانة قوانين لشرعنة كل الوسائل غير المشروعة، لتزييف وعي أجيال قادمة، وأخرى حاضرة، وتقديم إعلام جديد يعمل على محو 25 يناير (كانون الثاني 2011) من ذاكرة المصريين. فهل نجح في تحقيق أهدافه؟ وهل ماتت فكرة الثورة؟

يجيب نقيب سابق للصحافيين في مصر،  من دون ذكر اسمه: “للوهلة الأولى، قد يبدو أن نظام ما بعد 3 يوليو 2013، “تاريخ الانقلاب العسكري”، قد حقق أهدافه، فالقارئ، والمشاهد لوسائل الإعلام المصرية، بعد عشر سنين من ثورة 25 يناير 2011، لن يجد صورة ميدان التحرير، الذي يعمل النظام المصري الحالي على محو كل صوره، ومكوناته، بل ومداخل ومخارج الميدان نفسه، ولن يجد كلمة واحدة عن شهداء الثورة الذين قتلوا خلال أحداثها؛ ولكنه سيجد صور قاتليهم من ضباط الشرطة؛ بل حتى ربما يكون أحد هؤلاء القتلة ضيفاً في برنامج أو أكثر من البرامج الفضائية التي تتعمد أن تستضيفهم في أيام ذكرى الثورة المصرية بالذات”.

يستدرك النقيب، الذي شارك في مظاهرات 30 يونيو 2013 التي مهّدت للانقلاب العسكري، بعد ثلاثة أيام منها، قائلاً: “رغم هذه الصورة الظاهرية، فإن الحقيقة والواقع غير ذلك، فالنظام الحالي ما زال يتعامل مع يوم 25 يناير باعتباره “كابوساً”، يطارده ليل نهار، إلى الدرجة التي تدفع الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، إلى سن حزم متتالية من القوانين، والتشريعات، واللوائح، التي يسعى بها للسيطرة على كل مفاصل العمل الإعلامي في مصر، بكل أنواعه ووسائله ووسائطه؛ وقد نجح بالفعل في فرض هذه السيطرة، لكنه لم يحقق هدفه الأصلي، فما زالت الثورة حاضرة”.

ويقدم النقيب السابق أدلته، فيقول: “ما حدث هو أن النظام الحالي، ومجموعة مستشاريه من القانونيين، والضباط، والمنتسبين للعمل الإعلامي، الذين يعملون في خدمة أي نظام سياسي في مصر، اختاروا الملعب الخطأ، لعدة أسباب، من أبرزها أنهم لم ينتبهوا إلى ضعف مصداقية العاملين بوسائل الإعلام التي يسميها كثيرون “تقليدية”، وهي تسمية لا أراها دقيقة؛ وقد وصل هذا الضعف إلى درجة أن المتلقي يتعامل مع كثير مما يبثه هذا الإعلام، باعتباره في أحسن الأحوال مادة للتسلية، لا يصدقها”.

أما السبب الأهم في تقدير النقيب السابق، فهو أن “هناك وسائل إعلام جديدة ظهرت في المجتمع، وتكاد تفرض سيطرتها على وعي أجيال حالية، وقادمة، تتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى هم يؤرق نظام الرئيس السيسي، ورغم خطورة هذه الوسائل، وكم ونوع المغالطات التي تبثها في أحيان كثيرة، إلا أنها أصبحت تمثل أحد البدائل المهمة، شديدة التأثير في الترويج لكل السرديات، والروايات التي يسعى النظام بإعلامه الحالي لترويجها”. يضيف: “من الظواهر المهمة في هذه الوسائل، المدونون، واليوتيوبرز، الذين يتمتعون بمتابعات مليونية، وبعضهم يتجاوز عدد متابعيه من يتابعون محطات فضائية، ومواقع إلكترونية مجتمعة، والأهم من ذلك أنهم باتوا يمتلكون تأثيراً عالياً على المتلقي، وفشلت جميع محاولات الحشد ضدهم، وضد ما يقدمونه؛ رغم أن بعضه عليه تحفظات كثيرة، ويقع في أخطاء فادحة، بالمعايير الإعلامية المتعارف عليها.

وسائل إعلام جديدة ظهرت في المجتمع وتكاد تفرض سيطرتها على وعي أجيال حالية وقادمة ويشير إلى أن كثيراً من العاملين في وسائل الإعلام التابعة للنظام السياسي، بأنماط متباينة من التبعية، يدركون جيداً أنهم على المدى البعيد لن يستطيعوا السيطرة والتأثير في وعي الناس، وأنه في اللحظة التي يتغير فيها رأس النظام، حتى ولو لم يحدث التغيير الشامل له، ستتحول هذه الوسائل نفسها، وربما بنسبة كبيرة من العاملين فيها، إلى وسائل مضادة، تعرّي وتفضح رواياتهم.

إعلامي مصري مخضرم اختار ما يسميه “الاعتزال المؤقت”، للعمل الإعلامي المحترف، يضيف في إجابته عن نفس السؤال بعداً آخر، فيقول لـ”العربي الجديد”: “ثورة 25 يناير أحدثت زلزالاً مجتمعياً حقيقياً، حتى بين رافضيها، وأعداء مكتسباتها، وبالتالي يصعب أن تمحوها وسائل إعلام السيسي، مهما توفر لها من إمكانات؛ ويساعد على هذا عوامل كثيرة، منها أن شهود الثورة، خاصة من الشباب، ما زالوا موجودين، ويعيشون بين الناس”. ويضيف: “لا يدرك نظام عبد الفتاح السيسي، أيضاً، أن عشرات الآلاف من المعتقلين، بسبب المشاركة في ثورة 25 يناير، لهم ملايين من الأقارب، والأهل، والأصدقاء؛ الذين يتحولون إلى شهود أحياء ينقلون الرواية الصحيحة للثورة، ويجعلونها باقية في وجدان الناس، سواء بالحديث المباشر بينهم، أو بنقل رواياتهم لمواقع التواصل الاجتماعي”.

ثورة 25 يناير أحدثت زلزالاً مجتمعياً حقيقياً، حتى بين رافضيها وأعداء مكتسباتها، وبالتالي يصعب أن تمحوها وسائل إعلام السيسي، مهما توفر لها من إمكانات ويوضح أن عدداً أقل من الصحف، والفضائيات، التي تبث من خارج الأراضي المصرية، استطاعت رغم المنع، والحظر، والتجريم لمن يتعامل معها، أن تكون صاحبة التأثير الأقوى من إعلام السيسي، مجتمعاً، إلى الدرجة التي تجعله لا يتوقف عن ما يسميه حروب الجيل الرابع، والخامس؛ بل ويجعل هذا الإعلام بنداً ثابتاً في تقييم علاقاته الدولية.

ويشير الإعلامي المصري إلى أن ترسانة القوانين المكبلة للحريات عامة، ولحرية الإعلام بصورة خاصة، لم تفلح في محو آثار الثورة من وجدان الناس، وكلما أشار السيسي إلى “أحداث 25 يناير” أدرك الناس أكثر أنها ثورة، وأن الثورة باقية.

التشريعات

خلال 2018 صدَّق السيسي على أربعة قوانين بهدف السيطرة على الإعلام والإنترنت، وهي قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، رقم 175 لسنة 2018، والذي صدر في الجريدة الرسمية بتاريخ 14 أغسطس/ آب 2018. بعدها، صدّق على قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، رقم 180 لسنة 2018، وقانون الهيئة الوطنية للصحافة، رقم 179 لسنة 2018، وقانون الهيئة الوطنية للإعلام، رقم 178 لسنة 2018؛ والتي صدرت جميعها في الجريدة الرسمية، بتاريخ 27 أغسطس/ آب 2018.

وأقرت السلطات المصرية تشريعاً تضع بموجبه جميع الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تضم أكثر من 5000 متابع تحت المراقبة الحكومية. ويضع التشريع قيوداً على الإنترنت، إذ بات “من الضروري” أن تحصل المواقع على ترخيص من الحكومة المصرية قبل المباشرة بالعمل. كذلك عطَّل البرلمان إصدار قانون لحرية تداول المعلومات، واقترح قانوناً لمكافحة الشائعات. صدَّق السيسي عام 2018 على أربعة قوانين بهدف السيطرة على الإعلام والإنترنت

ومصر من بين أكبر سجون العالم للعام الثاني على التوالي، بحسب إحصاءات المنظمات الحقوقية، وبينها “مراسلون بلا حدود” و”لجنة حماية الصحافيين” اللتان أصدرتا تقاريرهما السنوية حول الصحافيين القتلى والرهائن في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وكشفت “مراسلون بلا حدود” أنّه يقبع في مصر 30 صحافياً في السجون، بينما “تتنافس” مع السعودية وسورية على “زعامة الشرق الأوسط في السجل المخزي” المتعلق بانتهاك حقوق الصحافيين. ويرتفع العدد إلى ما يقرب من 70 صحافياً وإعلامياً في تقديرات حقوقية محلية تُحصي جميع العاملين في مجال الصحافة والإعلام من النقابيين وغير النقابيين.

وقالت المنظمة في تقريرها السنوي حول الصحافيين المحتجزين والرهائن إنّه “في مصر، بينما لم يتم الإفراج عن معظم الصحافيين الذين طاولتهم موجة الاعتقالات في سبتمبر/ أيلول 2019، التحق بهم في الاحتجاز زملاء آخرون، حيث تلجأ السلطات دائماً إلى ذريعة “الانتماء إلى جماعة إرهابية” و”نشر أخبار كاذبة” من أجل الزجّ بالصحافيين في السجون أو إبقائهم خلف القضبان”.

وأشارت “لجنة حماية الصحافيين” إلى تركيز مصر على استغلال الحبس الاحتياطي وظاهرة التدوير لإبقاء الصحافيين مسجونين خلف القضبان بقضايا جديدة حتى بعد أن تصدر أحكام بالإفراج عنهم في القضايا الأصلية التي احتجزوا بسببها.

حجب المواقع

ضمن أكثر من 546 موقعاً إلكترونياً حجبتها السلطات المصرية منذ 2017 وحتى اليوم، بلغ عدد المواقع الصحافية والإخبارية المحجوبة في مصر 108 مواقع صحافية، طبقاً لمنظمات حقوقية مصرية.

وبدأت عدوى حجب المواقع في مصر في 24 مايو/ أيار 2017 عندما أقدمت السلطات المصرية على حجب 21 موقعاً إلكترونياً، كانت أغلب المواقع المحجوبة هي مواقع إخبارية. ولاحقاً توسّعت السلطات في حجب مواقع لتشمل عدداً ضخماً من المواقع التي تقدم محتوى وخدمات مختلفة. لكن البداية الحقيقية للحجب كانت مع حجب “العربي الجديد” في ديسمبر/ كانون الأول 2015، ولا يزال محجوباً في مصر إلى اليوم.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here