قانون “حماية البيانات الشخصية” ما علاقته بعقل الدولة تحت الأرض؟

20

مصر – افريقيا برس.دخل قانون “حماية البيانات الشخصية” المثير للجدل في مصر حيز التنفيذ بعد أن صدّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عليه قبل أيام، إثر موافقة مجلس النواب قبل ٥ أشهر.

ويقول المشرعون إن القانون يهدف إلى توفير مستوى مناسب من الحماية القانونية والتقنية للبيانات الشخصية المعالجة إلكترونيا، ومكافحة انتهاك خصوصيتهم، وتقنين وتنظيم أنشطة استخدام البيانات الشخصية في عمليات الإعلان والتسويق على الإنترنت، وفي البيئة الرقمية بشكل عام.

غير أن المنتقدين يرون أن القانون يهدف إلى تمكين جهات “الأمن القومي” من الحصول على بيانات المواطنين، وتقنين حرية الاطلاع عليها والتحكم فيها وإزالتها أو تعديلها، في ظل غياب أي رقابة قضائية على تلك الجهات.

ويقضي القانون الجديد بتأسيس مركز لحماية البيانات الشخصية وهو هيئة عامة اقتصادية تختص بتنفيذ القانون وإلزام المؤسسات والجهات والأفراد المتحكمين في البيانات الشخصية، بتعيين مسؤول لحماية البيانات الشخصية.

وينص القانون الجديد على “حماية البيانات الشخصية المعالجة إلكترونيا جزئيا أو كليا لدى أي حائز أو متحكم أو معالج لها، وذلك بالنسبة للأشخاص الطبيعيين المصريين والأجانب داخل جمهورية مصر العربية”.

كما ينص على أنه “لا يجوز جمع البيانات الشخصية أو معالجتها أو الإفصاح عنها أو إفشاؤها بأية وسيلة من الوسائل إلا بموافقة صريحة من الشخص المعني بالبيانات أو في الأحوال المصرح بها قانونا”.

لكنه استثنى حالات عدة لا تسري عليها أحكامه، منها “البيانات الشخصية لدى جهات الأمن القومي وما تقدره لاعتبارات أخرى، ويجب على مركز حماية البيانات (تحت التأسيس) بناء على طلب من جهات الأمن القومي إخطار المتحكم أو المعالج بتعديل أو محو أو عدم إظهار أو إتاحة أو تداول البيانات الشخصية، خلال مدة زمنية محددة، وفقا لاعتبارات الأمن القومي، وذلك مع الالتزام بتنفيذ ما ورد بهذا الإخطار”.

عقل الدولة المصرية
ويربط البعض بين القانون الجديد وبين حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي حول ما وصفه بـ “عقل الدولة المصرية”، وهو عبارة عن عدد كبير من الخوادم لحفظ بيانات المواطنين والدولة في مكان ما تحت سطح الأرض.

وفي 31 يوليو/تموز 2019، قال السيسي، خلال إحدى جلسات مؤتمر الشباب بالعاصمة الإدارية الجديدة، إن العمل جار على مشروع قومي لحفظ البيانات، على عمق 14 متراً تحت سطح الأرض، في موقع مؤمن بأعلى وسائل ودرجات التأمين، وسيكون به عدد كبير من الخوادم لحفظها.

وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول 2019، كشف السيسي، خلال كلمته على هامش الندوة التثقيفية الـ31 للقوات المسلحة، أنه من المخطط صناعة “عقل للدولة المصرية” في العاصمة الإدارية الجديدة، يشمل كافة معلومات وبيانات الدولة المصرية.

وبحسب السيسي فإن المشروع تُقدر تكلفته بنحو 25 مليار جنيه ( الدولار حوالي 16 جنيها)، ويتضمن نحو 50 ألف حاسب آلي وآلاف الموظفين المدربين على الرقمنة، لإنشاء قواعد البيانات الكاملة للمجتمع المصري، معتبرا أنه “أمن قومي ومشروع كبير تم الإعداد له بعناية فائقة خلال السنوات الماضية”.

بيانات منتهكة
في هذا السياق يقول البرلماني المصري السابق ثروت نافع “لا أعلم لماذا يتم إصدار قانون في هذا الصدد، لأن بيانات المصريين منتهكة من قبل أي جهة أمنية بالفعل، فإذا كان الهدف هو حماية البيانات الشخصية فهو أمر محمود ولكن إذا كان الهدف هو الحصول عليها فهو حاصل بالفعل”.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف نافع الذي يعمل أستاذا لهندسة الاتصالات وخبيرا للأمن الرقمي الإستراتيجي، أن المشكلة في مثل هذه القوانين ليست في الصياغة بقدر ما هي في التنفيذ وتحديد بعض الأمور التي تحد من التغول في مفهوم الأمن القومي وتحديد ما يضر بالأمن القومي وما لا يضر، وهذه المعضلة نواجهها في عدة قوانين وليس في قانون حماية البيانات الشخصية فقط.

وبحسب صحيفة “المال” المحلية جرى الإعلان عن مناقصة إنشاء مركز بيانات العاصمة الإدارية، في مارس/آذار 2019، وتقدمت لها ٦ شركات، من بينها شركتا هواوي الصينية ونوكيا الفنلندية، ويعتقد أن هذا له علاقة بمشروع “عقل الدولة المصرية” الذي تحدث عنه السيسي.

مشروع القانون كان قد أثار اعتراض بعض أعضاء مجلس النواب إبان مناقشته، حيث أكد وقتها النائب شريف فخري، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي، أن مشروع القانون مقيد للحريات، وجاء بعيدا عن الواقعية التي تعالج بها البيانات الشخصية.

وأضاف فخري خلال الجلسة العامة للبرلمان أن مشروع القانون فرض عددا من الضوابط التي يصعب أو يستحيل تنفيذها عمليا، حيث إن بنود القانون جاءت متناقضة مع بعضها البعض، وألغت ما قبلها وتضمنت عناوين فضفاضة، دون توضيح آليات تنفيذ تلك الضوابط.

سلطات الأمن لا القانون
ويصف عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان المصري السابق محمد جابر، القانون الجديد بأنه “يقنن الانتهاكات ويعتدي على أبسط حقوق المواطن وهي حفظ البيانات الخاصة به”، مشيرا إلى أن “تشريع إهدار الحقوق أصبح هو السائد في دولة القمع والانتهاكات في مصر”.

وانتقد جابر في حديثه للجزيرة نت السماح للجهات الأمنية بالتحكم في البيانات وإخفائها ومحوها، دون رقابة أو إذن قانوني، مضيفا “وهذه جريمة جديدة تضاف إلى سلسلة جرائم الانتهاكات التي يرتكبها الحكم العسكري في مصر”.

وفيما يتعلق بخطورة القانون المذكور في ظل التعريفات الفضفاضة لاعتبارات الأمن القومي، أكد جابر أنها تتمثل في استخدام بيانات المواطنين ومعلوماتهم الحساسة بشكل خاطئ، والتجارة بها وتحقيق مصالح دولية من خلالها، فضلا عن التلاعب بأصحابها والتنكيل بهم أو ابتزازهم.

وأضاف عضو لجنة الأمن القومي السابق “كما يؤثر على مستقبل الاستثمارات الخارجية ويدفعها للفرار من مصر، كما يقضي على أي صورة من صور حرية الرأي أو التعبير في مصر، ويهدد المؤسسات الاجتماعية والمدنية ويجعلها تحت تهديد سلطات الأمن وليس سلطات القانون”.

المصدر : الجزيرة

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here