حوار: سحر جمال
أفريقيا برس – مصر. ما زالت الأزمة الليبية من أهم القضايا على الأجندة العربية، خاصة مع التهديدات التي يمثلها وجود القوات المسلحة والمليشيات على الأراضي الليبية، ولعل أكثر الدول اهتماما بالقضية الليبية هي مصر ومعها دول الجوار، حيث تشعر هذه الدول بتخوفات حول تسلل تلك العناصر إلى أراضيها، وهذا ما يؤثر على الأمن القومي العربي، وفي هذا الإطار انطلقت في العاصمة المصرية القاهرة، اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة «5+5» بمشاركة المبعوث الأممي لدى ليبيا يان كوبيش، وممثلين عن دول جوار ليبيا، لبحث سبل إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من البلاد، ودعم الحلول السياسية في ليبيا.
ويتزامن اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة في القاهرة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمقرر إجراؤها في 24 ديسمبر المقبل طبقا لخارطة الطريق الأممية.
وفي هذا الإطار يتحدث إلى “أفريقيا برس” الكاتب الصحفي المتخصص في العلاقات الدولية نبيل نجم الدين في الحوار الصحفي التالي:
ما أهم النقاط التي يدور حولها عمل اللجنة العسكرية الليبية بعد سلسلة اجتماعاتها الأخيرة لاسيما اجتماع القاهرة؟

اللجنة العسكرية الليبية المشتركة المعروفة بـ “5+5″؛ هي أهم ثمار مؤتمر برلين حول ليبيا في 19 يناير الماضي، وهي اللجنة التي بموجبها تم إختيار 5 من العسكريين من قوات الجيش الوطني الليبي بالشرق و5 عسكريين آخرين من قبل حكومة الوفاق الوطني في غرب ليبيا، والهدف من هذه اللجنة التي جاءت تحت ما يسمى بالمسار العسكري لمخرجات مؤتمر برلين؛ هو تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في طرابلس وغرب ليبيا، وكذلك العمل أولا على تجميد أي اتفاقيات ومذكرات تفاهم عسكرية مع أي دولة، وثانياً اتخاذ تدابير محددة وخطة عاجلة بترحيل كافة عناصر المرتزقة والمليشيات المسلحة والعناصر الأجنبية المسلحة من الأراضي الليبية دون أي استثناء، وفي الحقيقة هذا الهدف الذي تعمل اللجنة العسكرية الليبية المشتركة من أجل تحقيقه ليس بالأمر السهل، وذلك لأن هناك أمور معقدة تحيط بملف المرتزقة و المليشيات المسلحة في ليبيا، إذ إنها تأتي من عواصم مختلفة وأيضا ترتبط بأجندات سياسية مختلفة، وفي الحقيقة إن الاجتماع الذي عقد في القاهرة مؤخراً بدعوة من الحكومة المصرية أتى ليحقق أو ليساعد في الإسراع على تحقيق هذا الهدف، وهو ترحيل كافة المليشيات والعناصر المرتزقة من ليبيا.
هناك اتفاق أولي على خطة عمل لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية “بشكل تدريجي ومتزامن ومتوازن”، ماذا يعني ذلك؟
نعم الاتفاق الأولي حول خطة عمل اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5 لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، تم الاتفاق على أن يتم العمل بشكل تدريجي ومتزامن ومتوازن، السبب في هذه الكلمات الثلاث أنه لا يمكن أن يتم اقتلاع تلك الكيانات المسلحة غير الرسمية والمنتشرة في ربوع أراضي ليبيا مرة واحدة، متزامن مع تقدم المسارات الأخرى التي تمخض عنها مؤتمر برلين، وهو المسار السياسي المرتبط بعقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 من ديسمبر القادم، والمسارات الاقتصادية والرامية إلى إعادة القوة الاقتصادية إلى ليبيا في الاقتصاد الدولي، لذلك الشكل التدريجي والمتزامن والمتوازن هي كلمات ذات محتوى مقصود جدا في مهمة اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5.
من هي الأطراف التي لديها مرتزقة مسلحين في ليبيا وكم عددها، وأين ينتشرون، وماهي المخاطر التي يمثلها بقائهم في ليبيا؟
أما عن الأطراف التي تنتمي إليها المليشيات المرتزقة والقوات المسلحة في ليبيا فهي عديدة، و منها مرتزقة شركة بارتنر الروسية، والمرتزقة الذين تم نقلهم من سوريا بواسطة النظام التركي إلى ليبيا، ومرتزقة أتوا من السودان والنيجر والتشاد، وتقدر مصادر الأمم المتحدة وجود نحو 20 ألف مرتزق ووجود 20 قاعدة عسكرية أجنبية في ليبيا، أعتقد أن الرقم الذي قدرته الأمم المتحدة هو رقم متواضع جدا بالنسبة لما كان يجري في ليبيا من فوضى عارمة ومسلحة، وأعتقد أن المليشيات وعناصر المرتزقة المسلحة في ليبيا لا يقل عددهم عن 50 ألف عنصر مسلح ومرتزق، النقطة الخاصة بانتشارهم؛ فهم ينتشرون في الغرب وفي الشمال الغربي والجنوب والجنوب الشرقي، وهذه هي الأماكن التي تنتشر فيها عناصر المليشيات المسلحة، أما عن المخاطر التي يمثلها بقائهم فإن أهم كارثة أو أكبر كارثة لوجود المرتزقة و المليشيات المسلحة في ليبيا هي أنهم يشكلون تحد كبير وحجر عثرة أمام استعادة سيادة الدولة في ليبيا، فلا يمكن أن تكون هناك أسلحة أو أشخاص يحملون سلاح خارج عن سيطرة الدولة وهذا هو أخطر ما في الأمر. الخطر الآخر هو أن وجود هؤلاء المرتزقة يشجع ذوي الأجندات الخاصة على تعطيل عملية السلام والمسار السياسي لمخرجات مؤتمر برلين.
ستسبق عملية إخراج المرتزقة مراقبة محلية ودولية لاتفاق وقف إطلاق النار، هل يمكن أن تنجح هذه الخطوة بعدما تم خرقها سابقا تحت عناوين عديدة مثل حماية المواطنين ومكافحة الإرهاب والتهريب وغيرها؟
بالنسبة لعملية نجاح خطوة إخراج المرتزقة فالأمر يتطلب إرادة دولية من عواصم القرار في واشنطن وفي باريس ولندن وموسكو وروما أيضا، ليتمكنوا من ممارسة ضغوط واضحة على الدول التي جلبت هؤلاء المرتزقة إلى ليبيا، لايمكن أن نتوقع أن النظام الانتقالي لحكومة الوفاق أو حكومة الوحدة الوطنية بمفردها تستطيع أن تقتلع هذا الإرهاب المسلح المنظم من الأراضي الليبية، إقتلاع هذا الإرهاب يتطلب إرادة دولية ليست بالسياسة ولكن بالسلاح، فكما تم إسقاط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عن طريق سلاح الناتو، فعلى الناتو أن يعمل على تطهير ليبيا من كل هذه الأوبئة التي حلت بالجسد الليبي.
كيف سيتم إصلاح القطاع الأمني وتوحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا في ظل وجود الولاءات السياسية والقبلية والمناطقية؟
بخصوص إصلاح القطاع الأمني الليبي وتوحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا، فهناك جهود مهمة تبذل في مصر بين القاهرة وطرابلس، وقد أشار إلى تلك الجهود وزير الداخلية الليبي خالد مازن، الذي قام بزيارتين إلي القاهرة خلال النصف الثاني من العام الجاري، والتقى بعدد من المسؤولين والشخصيات السياسية المصرية، استكمالا لمباحثات كان قد بدأها بزيارته الأخيرة في سبتمبر الماضي. وزير الداخلية الليبي أكد على تفعيل الشراكة الأمنية بين مصر وليبيا، وأكد على أن الكوادر الأمنية الليبية ستعمل على الاستفادة من الخبرات الأمنية المصرية، وكذلك التنسيق بين الجهازيين الأمنيين في مصر وليبيا لمواجهة التنظيمات الإرهابية، ومواجهة المخاطر التي تعوق الدولة، وأعتقد أن القيادة السياسية في القاهرة برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي تضع هذا الملف وهو إصلاح القطاع الأمني الليبي وتوحيد واستعادة المؤسسة الليبية المركزية، في أعلى أولويات الجهود السياسية المصرية من أجل مساعدة الليبين للخروج من هذا المستنقع الذي دام عشر سنوات وكلف الليبيين الكثير، وانعكس أيضا على منظومة الأمن القومي المصري والعربي.
إجتماعات اللجنة العسكرية تأتي بدعم من دول الجوار الليبي، لماذا هذه الدول تحمل هواجس ومخاوف من انتشار المرتزقة وتفكك المؤسسة العسكرية؟
في الحقيقة أن الاجتماع الأخير الذي تم في القاهرة للجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5، والذي جاء بدعوة من القاهرة، و شارك فيه ممثلون من السودان والنيجر والتشاد، وهي دول الجوار التي جاء منها مرتزقة ومليشيات مسلحة، هذا بالإضافة إلى العناصر الأخرى من بارتنر وسوريا وغيرهم، حضور ممثلون من هذه الدول لآخر اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، يؤكد على أن هذه الدول لديها هواجس ومخاوف، لأن هؤلاء المرتزقة وتلك المليشيات يجب تنظيم عودتها إلى بلادها، فخروجها من ليبيا سيتم بترحيلهم إلى بلادهم، وهنا يجب أن يجري تحت مظلة دولية إقليمية ، ويجب على الاتحاد الأفريقي أن يكون حاضرا في تفاصيل هذه العملية، من خلال مؤتمر السلم والأمن الإفريقي، وأعتقد أن مندوبا من الاتحاد الأفريقي شارك في هذه الإجتماعات الأخيرة في القاهرة، وبالتأكيد الأمر ليس سهلا، إخراج وترحيل المليشيات المسلحة من ليبيا لن يتم إلى البحر ولكن سيتم ترحيلهم إلى بلادهم، هذه العناصر هي عناصر مرتزقة، لا تحترم القانون ولا تحترم سيادة الدولة، ولذلك يجب أن يكون هناك برنامج دولي لمساعدة هذه الدول التي جاءوا منها على استيعابهم وإعادة تأهيلهم والسيطرة على جنوحهم، الأمر بالتأكيد ليس سهلا ولكن الإرادة الدولية ممثلة في الإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والإتحاد الأفريقي والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا؛ يجب جميعا أن يتغير أسلوب عملهم وتناولهم للملف الليبي، ليتحول من مجرد شعارات ومؤتمرات إلى وجود فعلي في الميدان لتطهير الأراضي الليبية من هذا الدنس المسمى بالمرتزقة والمليشيات المسلحة.