إعداد: سحر جمال
أفريقيا برس – مصر. منذ القدم شهدت مصر والهند الكثير من التعاون في مختلف المجالات، سياسياً كان هناك ترابطا قويا بين البلدين لمواجهة الاستعمار، وتلاحم ضد الاحتلال وسعي للبحث عن الحرية والاستقلال، وعلى مر العصور كانت هناك مساندة من كلتا الدولتين لبعضهما البعض خاصة في مواجهة الأحداث والتقلبات السياسية التي مرت على كل منهما، و تربط مصر والهند علاقات قوية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، فهما من أقدم الحضارات في العالم، كما أن هناك تعاون اقتصادي قديم، فقد نشأت علاقات وثيقة عن طريق القوافل التجارية بين البلدين، وفي العصر الحديث تشاركت الدولتان في كفاحهما من أجل نيل الاستقلال من الاستعمار الإنجليزي، فقامت علاقة قوية بين الزعيمين سعد زغلول والمهاتما غاندي من أجل مقاومة الاحتلال والاستقلال عن بريطانيا.
العلاقات في عهد جمال عبد الناصر
وتوطدت العلاقات بين البلدين بشكل أكبر مع قيام ثورة يوليو 1952، ونشأت صداقه قوية بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورئيس وزراء الهند الأسبق جواهر لال نهرو، وكلاهما تبنى سياسة عدم الانحياز و الحياد الإيجابي، والتي نشأت عنها حركة عدم الانحياز التي شكلت قاعدة قوية للعلاقات بين البلدين.
وعند وقوع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ساندت الهند الموقف المصري حيث دافع نهرو عن القضية المصرية، وهدد بانسحاب بلاده من رابطة الشعوب البريطانيّة “الكومنولث البريطاني”.
علاقات البلدين في عهد السادات
في أعقاب النكسة التي تعرضت لها مصر بعد العدوان الاسرائيلي عليها في 1967، أيدت الهند الموقف المصري والحق العربي في صراعه مع “إسرائيل” وطالبت بعودة الأراضي المغتصبة، كما أنها أيدت في 1977 مبادرة السلام للرئيس السادات، واعتبرتها بمثابة الخطوة الأولى في طريق التسوية العادلة لمشكلة الشرق الأوسط.
علاقات البلدين في عهد مبارك
زار الرئيس الأسبق مبارك الهند أكثر من مرة في أعوام 1982، 1983 و2008، لحضور قمة عدم الانحياز، ومنحته الهند وقتها جائزة جواهر لال نهرو للسلام والتفاهم الدولي لعام 1995.
مصر والهند في عهد عبد الفتاح السيسي
عقب ثورة 30 يونيو أيدت الهند خارطة الطريق المصرية وطموحات شعبها، حيث بعث رئيس الهند براناب موخيرجي ورئيس الوزراء ناريندرا مودي 4 يونيو 2014 برسالتي تهنئة إلى الرئيس المصري المنتخب عبد الفتاح السيسي لنجاحه في الانتخابات، وفي رسالته صرح الرئيس الهندي “بأنه كان يتابع عن كثب التطورات في مصر وكان يتمنى دائما كل خير لبلدكم العظيم وشعبها الصديق”، كما تقدم رئيس الوزراء الهندي الذي تم انتخابه مؤخراً ناريندرا مودي بتحياته إلى الرئيس المنتخب، مصرحاً بأنه “على ثقة من أنه تحت قيادتكم الحكيمة ستشهد مصر عصراً جديداً من الاستقرار والرخاء”، معرباً عن تطلعه إلى “العمل عن كثب مع سيادتكم لدعم وزيادة العلاقات الثنائية في السنوات القادمة لتلبية طموحات شعبينا”.
وأعرب الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال استقباله المبعوث الخاص لرئيس الوزراء الهندي يوم 7 يوليو 2015 عن تطلع مصر لتنمية وتطوير العلاقات الثنائية مع الهند فى مختلف المجالات، مشيداً بالتجربة الهندية في تحقيق التقدم والنهوض السياسي والاقتصادي، مما وضع الهند في مصاف القوى الدولية البازغة التي استطاعت تحقيق معدلات نمو سريعة ومرتفعة.
قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة إلى جمهورية الهند خلال الفترة 1-3 سبتمبر 2016، تلبية لدعوة من الرئيس الهندي “براناب موخرجي”. وتأتي الزيارة في إطار حرص البلدين على تعزيز العلاقات التاريخية الوثيقة التي تربطهما على جميع الأصعدة. ويلتقي السيد الرئيس خلال الزيارة مع كل من الرئيس الهندي، ونائبه، ورئيس الوزراء، بالإضافة إلى عدد من كبار المسؤولين ورجال الأعمال الهنود.
التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي في الخامس من أيلول سبتمبر 2017 برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على هامش أعمال قمة تجمع “بريكس”، وأكد السيسي حرص مصر على تطوير علاقات التعاون مع الهند في جميع المجالات، بما يساهم في تعميق أواصر الصداقة والروابط التاريخية التي تجمع البلدين. كما استعرض الرئيس المشروعات القومية الجاري تنفيذها، والاجراءات التي تم تبنيها لتشجيع الاستثمار في مصر.
العلاقات الأقتصادية
في مجال الاقتصاد والتجارة شهدت العلاقات المصرية الهندية تطوراً ملحوظاً خلال الأعوام الماضية، حيث تعد الهند ثالث أكبر شريك تجاري لمصر وبلغ حجم الاستثمارات الهندية في مصر حوالي 3 مليارات دولار وتتركز في قطاعات الغزل والنسيج، وتخزين البضائع المتنوعة، والبترول والبتروكيماويات .
وتتمثل أهم الصادرات المصرية للهند في البترول الخام ومنتجاته، الغاز الطبيعي ،القطن الخام، الفوسفات الصخري، فحم الكوك، خردة الحديد والمعادن الأخرى، الجلود المدبوغة، اليوريا، بذور البرسيم. وتشمل كذلك الإطارات، ألواح الحديد، أسلاك النحاس، الرصاص، خيوط النايلون المستخدمة في صناعة الإطارات وغيرها.
بينما تتمثل أهم الواردات المصرية من الهند في الزيوت ومنتجات بترولية، الخيوط والغزول القطنية المصنعة، اللحوم، المركبات، السيارات، الإطارات، مضخات المياه، قطع غيار السيارات والمحركات، الشاي، الأصباغ والكيماويات، التبغ، الأدوية والأمصال واللقاحات، ومنتجات ورقية وغيرها.
العلاقات الثقافية
وفي المجال الثقافى والأكاديمي، فكل من مصر والهند يوليان اهتمامًا كبيرًا بتنميته وتعزيزه، فكلاهما يحرص على تنظيم ندوات فكرية وثقافية بين مفكرى ومثقفى البــلدين، إضافة إلى المشاركة المستمرة فى المهرجانات الثقافية والفنية بالبلدين.
في 24 من حزيران يونيو 2021 استقبلت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد السفير أجيت جوبتيه، سفير الهند لدى مصر، وبحث الجانبان أوجه التعاون الثنائي بين البلدين.
التعاون العسكري
شهدت الفترة الماضية الكثير من المحادثات بين البلدين لتحقيق تعاون عسكري مثمر خلال الفترة المقبلة، حيث نفذت القوات الجوية المصرية والهندية، تدريباً جوياً على مدار عدة أيام بمشاركة عدد من الطائرات المقاتلة متعددة المهام لكلا الجانبين بإحدى القواعد الجوية المصرية.
وتضمن التدريب تنفيذ عدد من المحاضرات النظرية والعملية لتوحيد المفاهيم وصقل المهارات والتنسيق على إدارة العمليات المشتركة بمختلف أساليب القتال الجوي الحديث، وتنفيذ التدريب على التزود بالوقود في الجو.
كما نفذت المقاتلات متعددة المهام من الجانبين العديد من الطلعات الجوية المشتركة للتدريب على مهاجمة الأهداف المعادية والدفاع عن الأهداف الحيوية. وتأتي هذه التدريبات في إطار تنمية العلاقات العسكرية والتعاون المشترك للقوات الجوية المصرية مع نظيراتها من الدول .
وفي هذا الإطار يتحدث إلى “أفريقيا برس” الكاتب الصحفي أحمد سلطان من خلال الحوار الصحفي التالي :

القوات الجوية المصرية والهندية تنفذان تدريباً مشتركاً في إحدى القواعد الجوية المصرية، كيف تقرأ أهمية هذا التدريب خاصة بالنسبة إلى مصر؟
الجانب المصري والقوات المسلحة المصرية حريصة على تعزيز التعاون العسكري مع الدول الصديقة والحليفة لها في القارة الأفريقية وآسيا، و هناك خصوصية لمشاركة القوات الجوية الهندية مع القوات الجوية المصرية في تدريبات عسكرية، وهي أن الجانبين مصر والهند من الدول التي تشغل الطائرات التي تنتمي إلى المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي على حد سواء، وكان هذا واضحا في التدريبات التي شاركت فيها طائرات مصرية وطائرات شبيهة من الهند.
الدولتان حريصتان على تنويع مصادر السلاح وتعزيز التعاون العسكري بينهما، والارتقاء بالكفاءة القتالية للوحدات الجوية، والتدريب يهدف إلى إدارة العمليات العسكرية المشتركة وتبادل الخبرات فيما يتعلق بأساليب القتال الحديث وعمليات التزود بالوقود جوا، والتدريب هدفه ثقل القدرات التدريبية للطيارين المصريين والهنود على حد سواء، وهذا يعود بالإيجاب على الطرفين، ويعزز القدرات العسكرية للبلدين.
التدريبات تأتي في إطار تنمية العلاقات العسكرية والتعاون المشترك للقوات الجوية مع نظيرتها من الدول الشقيقة والصديقة فلماذا تهتم مصر بذلك؟
فيما يتعلق بتوقيت إجراء التدريبات فهناك العديد من التدريبات التي جرت خلال الفترة الماضية وهي تدريبات روتينية محددة المواعيد، وتقوم بها دول بالتعاون مع مصر، وهناك اتفاقيات عسكرية وتعاون يحكم هذا الإطار، لذلك فإن التدريب لا يعد أمرا مستغربا، والقوات المسلحة المصرية لديها خطة تدريبية موزعة على مدار العام، والتدريبات تأتي من خلال مشاركة الأفرع الرئيسية لنظيرتها في الدول الأخرى سواء الهند أو غيرها في إجراء المهام التدريبية، وهدف التدريب في النهاية هو الاستعداد لأي معارك محتملة، والجيش المصري لديه مبدأ هام للغاية، وهو أن العرق في التدريب يوفر الدم في المعركة، ولابد أن تبقى القوات المسلحة مستعدة للحفاظ على الأمن القومي المصري، سواء داخل الوطن أو خارج حدوده، ببساطة شديدة القوات المسلحة المصرية هدفها الارتقاء بالقدرات القتالية لجميع الأفرع الرئيسية وجميع الوحدات الموجودة داخلها، لذك فإن خطط التدريب تأتي في هذا السياق.
خلال العقدين الأخيرين حققت مصر الكثير من الخطوات لتنمية علاقاتها العسكرية مع الجانب الهندي فكيف تقيم العلاقات العسكرية بين البلدين؟
مصر لديها علاقات عسكرية جيدة مع العديد من الدول، وبالطبع الهند واحدة من هذه الدول، والعلاقة بين الطرفين هي علاقة تعاون، نظراً للتشابه في أنماط التسليح، وهدف التعاون نقل الخبرات العسكرية بين الطرفين، وخاصة أن البلدين لديهما مشكلة طويلة الأمد في التعامل مع الإرهاب، سواء الإرهاب الدولي أو العابر للحدود الوطنية أو المجموعات الإرهابية المحلية، والتي تنشط ما بين الحين والأخر، فالعلاقات بين البلدين علاقات طيبة، وقائمة على التعاون وتبادل الخبرات، وهدفها تعزيز كفاءة الوحدات التي تشارك في التدريب ونقل الخبرات بين البلدين، وهذه العلاقة قائمة منذ سنوات طويلة ويتوقع أن تسلك مسارا إيجابيا بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة.