ملفات ثنائية وإقليمية تهيمن على المحادثات المصرية السودانية

19

سحر جمال

أفريقيا برس – مصر. خلال لقاء جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بالفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، الذي زار مصر وسط استمرار الإحتجاجات في الشارع السوداني المطالبة بتنحي العسكريين عن السلطة وبحكم مدني ديمقراطي، تمت مناقشة عدد من القضايا على رأسها، تبني مصر والسودان موقفا مشتركا إزاء ملف سد النهضة الإثيوبي، إذ يرى البلدان في المشروع تهديدا لهما نظرا لاعتمادهما الكبير على مياه النيل، إضافة للتنديد  بالإجراءات الأحادية من جانب أديس أبابا التي بدأت بإنتاج الكهرباء من السد الشهر الماضي، كما ناقش الطرفان الوضع في السودان، الأمن الملاحي في البحر الأحمر، وللمزيد من التفاصيل يتحدث إلى “أفريقيا برس” الكاتب الصحفي والمحلل السياسي يسري عبيد في الحوار الصحفي التالي:

يسري عبيد – كاتب صحفي ومحلل السياسي

محادثات رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تناولت عدة ملفات هامة من بينها الأزمة السياسية في السودان،  والتحركات التي تقوم بها عدة أطراف عربية وغربية بهذا الشأن وحسب بعض التسريبات فإن البرهان يعتزم الإعلان عن وثيقة سياسية جديدة، ودعوة الأحزاب وقوى المعارضة والقوى الثورية مجدداً إلى الحوار. ماهي رؤية مصر للخروج من الأزمة في السودان وهل هي مع الحوار خاصة في ظل اتهامات بدعمها لانقلاب البرهان؟
أعتقد أن رؤية مصر للخروج من الأزمة في السودان هي محاولة جمع جميع الأطراف المتصارعة والمختلفة في السودان على مائدة واحدة، للتوصل إلى إتفاق ينهي الأزمة السياسية في البلاد، مصر بالتأكيد تريد سودان مستقر، وتريد أن تنتهي الأزمة وأن تنتهي الإحتجاجات والاختلافات بين القوى السياسية  السودانية، مصر والسودان لديهما ملف مشترك مهم للغاية وهو ملف سد النهضة، وبالتالي مصر تريد حكومة مستقرة وحكومة قوية في السودان، لكي تتمكن من العمل معها في مواجهة التعنت الأثيوبي الخاص بقضية سد النهضة، وبالتالي مصر تبذل كل الجهود لمحاولة جمع  كل الفرقاء السودانيين على مائدة واحدة، وإنهاء الأزمة السياسية، للوصول بالسودان إلى بر الأمان، والتوافق حول إجراء إنتخابات برلمانية ورئاسية في اقرب وقت، وبالتأكيد هي تدعم القيادة السودانية ومجلس القيادة السوداني في وجه جميع المظاهر الإحتجاجية، وجميع الدعوات التي تهدف في النهاية إلى أن تجعل السودان دولة ذات أزمات إقتصادية كبيرة، وهذا يؤثر على  استقرار السودان الذي تدعمه مصر بكل قوة.

قبل القاهرة قام البرهان بزيارة الى الإمارات وحسب متابعين فان البرهان رغم تجاوبه مع تحركات أبوظبي في جذب الفرقاء السودانيين لكنه أكثر ثقة في الدور المصري، ولديه مخاوف من الإتصالات القائمة بين أبوظبي ونائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو وكذلك حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك فكيف ترى ذلك؟
أعتقد أن الرؤية الإماراتية المصرية واحدة في الملف السوداني، وأعتقد أنه لا توجد أي مخاوف من جانب مجلس السيادة أو من جانب الحكومة المصرية في موقف الإمارات، فالإمارات لديها توافق كبير مع مصر في هذا الملف، والإمارات ومصر تريدان حكومة سودانية قوية تدعم مجلس السيادة السوداني، وبالتالي لا توجد مخاوف من أن  تعمل الإمارات ضد مصلحة السودان، أو أن تعمل مع أطراف داخل السودان هدفها إحداث فرقة أو اختلاف بين مكونات السودان السياسية أو العسكرية، وبالتالي أعتقد أن  كل الشائعات عن وجود إتصالات بين الإمارات ونائب رئيس مجلس السيادة دقلو أو غيره هدفها إحداث شرخ في العلاقات بين الإمارات والسودان من ناحية، والعلاقات المصرية الإماراتية من ناحية أخرى.

من بين الملفات التي بحثها البرهان مع السيسي مسألة الأمن في البحر الأحمر وخلال الأشهر الاخيرة شهدت المنطقة تحركات من قبل الدول الكبرى، الصين تبحث عن موقع قدم، روسيا تريد إقامة قاعدة بحرية، إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا بنفس الاتجاه، السعودية أسست “مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”، الإمارات تعمل على تعزيز وجودها في الاستحواذ على الموانئ المطلة على البحر الأحمر، وعلى ما يبدو القاهرة ترفض هذه التحركات أو الانخراط بأحلاف عسكرية لأنها تمثل خطراً على أمن الجبهة الجنوبية، وأمن منطقة البحر الأحمر، والذي من شأنه أن يهدد أمن الملاحة في تلك المنطقة، ما يؤثر بشكل كبير على قناة السويس. كيف ترى ذلك؟
بالتأكيد مصر تنظر إلى التحركات التي تهدد أمن الملاحة في البحر الأحمر وتهدد الأمن القومي المصري من أي طرف بريبة شديدة، ولكن أعتقد أن هناك بعض الدول مثل تركيا وغيرها تحاول إقامة قواعد سودانية، فرأينا أن تركيا في السابق حاولت أن تنشأ قاعدة عسكرية في جزيرة السواتر السودانية بالإتفاق مع عمر البشير الرئيس السوداني السابق، وبالتالي؛ فإن أي تحركات من جانب دول مختلفة مع مصر، تنظر إليها مصر بريبة شديدة، لأن هذا يؤثر على الأمن القومي المصري، وأمن الملاحة في البحر الأحمر، بالإضافة إلى أن مصر تحاول أن تكون لديها علاقات قوية مع جميع الدول المطلة على البحر الأحمر، مثل جيبوتي والسودان وأريتريا والصومال، فكل هذه الدول لديها علاقات قوية مع مصر، وبالتالي هي تحاول تأمين هذا الجانب من خلال إقامة علاقات قوية مع حكومات تلك الدول، بالإضافة إلى أن مصر تتمتع بعلاقات طيبة مع الصين وروسيا، وهناك محاولات لإعادة تطبيع العلاقات مع تركيا، وبالتالي أعتقد أن مصر تحسب هذا الأمر جيدا، وتتابع هذا الملف بشكل كبير، وستعمل على أن تمنع أي دولة من تهديد أمن الملاحة في البحر الأحمر أو تهدد قناة السويس.

من بين الملفات التي ناقشها الرئيسان “الحراك العربي – الإسرائيلي”، وحسب متابعين فإن الإمارات “تمارس ضغوطاً على البرهان، من أجل ضمّه إلى حلف عربي إسرائيلي، تحت أهداف تتركز حول مواجهة إيران وتأمين منطقة البحر الأحمر. وعلى ما يبدو هناك مخاوف لدى القاهرة أن تدفع الأزمة السياسية والإقتصادية في السودان، المسؤولين إلى تقديم تنازلات تتعلق بتواجد إسرائيلي بالقرب من الحدود الجنوبية المصرية، وهي تدرك أن حراك التطبيع، في ظاهره مواجه إيران وفي باطنه تعزيز التواجد الاسرائيلي في المنطقة. كيف تنظر القاهرة الى مستقبل التطبيع بين السودان واسرائيل على أمن واستقرار المنطقة؟
أعتقد أن القاهرة بالتأكيد ليست مع إنجرار الكثير من الدول العربية لإقامة علاقات تطبيع مع إسرائيل،  رأينا تطور في العلاقات بين مصر  والإمارات خلال الفترة الماضية، نظرا لهرولة حكومة ابو ظبي لإقامة علاقات كاملة مع إسرائيل، لأن مصر لديها تحفظ شديد لإقامة علاقات كاملة مع إسرائيل في ظل إحتلال الأراضي الفلسطينية، وفي ظل عدم تحقيق أي تقدم في مفاوضات السلام بين الفلسطينين والإسرائيليين، بالإضافة إلى أن هناك لقاءات حدثت بين مسئولين من السودان وإسرائيل، وبالتالي أعتقد أن مصر تواكب هذا الأمر بحذر شديد، وأعتقد أن العلاقات القوية بين الحكومة السودانية والجانب المصري بالتأكيد ستمنع  أي بادرة من الجانب  السوداني لإقامة علاقات قوية مع إسرائيل، تسمح لها بأن يكون لها موطأ قدم في أرض السودان، أو إقامة قواعد عسكرية لها في السودان، أو إقامة تعاون عسكري بين البلدين يهدد الأمن القومي المصري، لأن الأمن القومي المصري هو جزء من الأمن القومي العربي، والأمن القومي المصري  والسوداني لا يتجزأ، وبالتالي فالعلاقات القوية بين مصر والسودان ستمنع وجود أي تهديد من جانب إسرائيل في السودان.

ملف أزمة سد النهضة الإثيوبي تصدر المشاورات بين السيسي والبرهان، وتشهد هذه الفترة الراهنة تنسيقاً بين البلدين لإنهاء النهج الإثيوبي لعدم الذهاب إلى مفاوضات تسفر عن التوصل إلى حل ملزم يضمن مصالح دولتي المصب. وبحسب تسريبات اعلامية هناك مشاورات جارية بين البلدين لإعداد ملف مشترك ومخاطبة الإتحاد الأفريقي ومجلس الأمن مجدداً، لتحريك مسار المفاوضات، بعدما أقدمت إثيوبيا مؤخرا على عدد من الإجراءات الأحادية. كيف تقيم الحراك الذي يقوم به البلدان خاصة وانه لم يؤدي حتى الآن الى خطوات جادة لوقف المساعي الاثيوبية للاستحواذ على مياه النيل؟
أعتقد أن  الملف الأبرز للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي والبرهان كان الموقف من سد النهضة، فهناك تنسيق مشترك على أعلى مستوى بين البلدين، البيان الذي صدر عن القمة يوضح مدى التعاون والتوافق بين القيادتين المصرية والسودانية في هذا الملف، لأن أي تهديد من سد النهضة، بالتأكيد سيؤثر على كل من مصر والسودان، وبالتالي لابد أن تواجه الدولتان هذ الملف بشكل اكثر تناسقا وأكثر قوة في الفترة المقبلة،  نظرا للتعنت الأثيوبي الشديد، المفاوضات متجمدة منذ فترة طويلة، وبالتالي أعتقد أن التنسيق المشترك بين الجانبين هدفه الأساسي هو محاولة إتخاذ موقف موحد، ومحاولة إتخاذ خطوات للرد على التعنت الأثيوبي، سواء من خلال المفاوضات وإجبار الطرف الأثيوبي على الجلوس حول مائدة المفاوضات، أوالتوصل إلى إتفاق ملزم كما أعلن الجانبان في بيانهما المشترك، بالإضافة إلى أن هناك خطة مصرية سودانية التحرك إذا لم تلتزم أثيوبيا بالتوصل إلى إتفاق، وأعتقد أن التنسيق متواجد منذ فترة بين القيادتين المصرية والسودانية،  وسيتواجد بكثافة أكبر خلال الفترة المقبلة،  خاصة مع قدوم الصيف واحتمال أن تقوم أثيوبيا بملء ثالث لسد النهضة في يوليو القادم.

كانت هناك مساعي إماراتية خلال العام الأخير لفرض رؤيتها وتصورها لحل أزمة السد، بترتيب إتفاق قانوني غير ملزم، يعتمد على ربط الدول الثلاث بمشاريع إستثمارية بتمويل إماراتي، كيف تنظر القاهرة الى هذا الاقتراح وهل يضمن حقوقها المائية؟
أعتقد أن موقف القاهرة كان واضحا سواء على لسان المسؤولين المصريين أو على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ضرورة التوصل إلى إتفاق قانوني ملزم، لأن مصر جربت الجانب الأثيوبي كثيرا قبل ذلك، وهي تعلم تماما أنه لا يريد التوصل إلى إتفاق قانوني ملزم، ويريد التهرب من الإتفاق ليزيد من سعة السد وزيادة سعة التخزين، وبالتالي مصر تريد إتفاقا قانونيا ملزما أمام العالم، بحيث أنه إذا حاول الجانب الأثيوبي التهرب من هذا الإتفاق أو التملص من بنوده، ستتخذ مصر الإجراءات  التي تتيح لها التصرف مع الجانب الأثيوبي، وسيكون المجتمع الدولي شاهدا على هذا الأمر، وبالتالي أعتقد أن أي إتفاق قانوني غير ملزم يطرحه جانب عربي أو دولي لن تقبل به مصر، لأن  التصريحات المصرية كلها والسودانية أيضا تنص على  ضرورة التوصل إلى إتفاق قانوني ملزم، حتى يلزم الجانب الأثيوبي بالالتزام ببنود الإتفاق،  وألا يتهرب في أي وقت من الأوقات من بنود الإتفاق، وبالتالي مصر أكدت  بشكل متكرر بضرورة وجود إتفاق قانوني ملزم  ولن تقبل بأقل من ذلك.

 

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here