حوار: سحر جمال
أفريقيا برس – مصر. مع الأزمات المتتالية التي مرت على لبنان من أحداث سياسية واقتصادية وانتهاء بانفجار مرفـأ بيروت، تتجه الكثير من الدول والمجتمعات الدولية لمساندة لبنان بمختلف الطرق وخاصة الاقتصادية. والتصريح الأمريكي الأخير الخاص بتصدير الغاز المصري إلى لبنان وسوريا يأتي في هذا الإطار، في ظل تحقيق مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي ونجاحها في لعب دور رئيسي كمصدّر للغاز في المنطقة، إضافة لوجود الخط العربي الذي توقف سابقاً لأسباب سياسية واقتصادية، والتوجه نحو التصدير المصري للغاز الى أوروبا.
وللحديث عن هذا الأمر يتحدث إلى “أفريقيا برس” الكاتب الصحفي أكرم رحيم في الحديث الصحفي التالي:

أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لتصدير الغاز المصري عبر خط أنابيب يمر عبر الأردن وسوريا إلى لبنان, برأيك لماذا اتخذت واشنطن هذه الخطوة واعتبرتها خارج إطارعقوبات قيصر؟
هذه الخطوة اتخذتها واشنطن بسبب الأزمة الخانقة التي يمر بها لبنان، سواء الأزمة الاقتصادية أو أزمة إنفجار مرفأ بيروت، إلى جانب تشكيل الحكومة للمرة الثالثة، كل هذه المعطيات دفعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى المضي نحو إنقاذ لبنان، وهذه الخطوة التي اتخذتها مصر بالأتفاق مع 3 دول هي سوريا والأردن ولبنان لتصدير الغاز وفقا لخطة عمل وجدول زمني تم الإتفاق عليهما في سبتمبر 2021،وكان هناك الكثير من اللقاءات بين وزير البترول المصري ووزراء البترول فى الأردن وسوريا ولبنان وآخرها الاجتماع الذي عقد في لبنان خلال الشهر الماضي بهدف تفعيل الخط العربي الذي تم تشييده في عام 2003 ، فمصر كانت تصدر الغاز للأردن وهذا الخط كان فعّالاً حتى 2010، ونظراً لظروف سياسية وتقنية توقف هذا الخط، وفي الاجتماع الذي عقد في الأردن تم الاتفاق على ضرورة إمداد الجانب اللبناني بالغاز لمواجهة أزمة الطاقة بعد توقف محطات الطاقة الخاصة، والمحطة الرئيسية التي تغذي 70% من لبنان، لتتجه الجهود نحو سرعة دعم لبنان وإمدادها بالغاز لتخطي هذه الأزمة، والولايات المتحدة الأمريكية ترى أن مصر هي الدولة الرئيسية لتصدير الغاز الطبيعي خاصة أن هناك الكثير من المشاكل في ترسيم الحدود بين تركيا وعدد من الدول، إلى جانب المشاكل لترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان.

وبعد موافقة البنك الدولي على التغطية المالية وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على أن تقوم مصر بإمداد لبنان بالغاز خاصة وأن الخطوط البترولية المصرية جاهزة، إلى جانب جاهزية البنية التحتية رغم توقف الخط في سوريا و لبنان، إلا أن مصر وافقت على الدعم الفني وتقديم كافة المواصفات الفنية والقياسية لعودة خط الطاقة مرة أخرى من خلال الخط الذي تم استكماله في عام 2008 لتعود الطاقة مرة أخرى عبر الخط العربي إلى لبنان في ظل الأزمة التي يواجهها لبنان. ووزير الطاقة اللبناني أكد أن المبادرة جاءت من لبنان والبنك الدولي لتأمين الغطاء المالي لتوقيع الاتفاقية بين مصر و هذه الدول لتوفير 450 ميغاواط من الطاقة، والخط عبارة عن 3 مراحل هي: خط العريش والعقبة وخط في شمال لبنان ثم خط داخل سوريا ثم التصدير إلى موانئ لبنان، وخلال الشهر القادمة سيتم ضخ الغاز المصري عبر الأنابيب بعد استكمال مصر ولبنان وسوريا كافة الموافقات والاصلاحات الفنية لهذا الخط وفقا للمعايير الدولية .
مما لاشك فيه اذا وافقت مصر على تصدير غازها إلى لبنان فإن الاردن وسوريا ستستفيدان من هذا الغاز باعتبارها دولة ممر لهذا الغاز، ألا تعزز هذه الخطوة دور مصر الإقليمي وتعزز أوراقها كلاعب أساسي على الساحة اللبنانية والسورية؟
اذا وافقت مصر على مد لبنان بالغاز فستستفيد الأردن وسوريا من تلك الخطوة، إلى جانب أن دور مصر الإقليمي وأوراقها كلاعب سياسي على الساحة اللبنانية والسورية قوية جداً، ومن المعروف أن الهدف من ضخ الغاز إلى لبنان هو إنقاذ لبنان في تلك الظروف التي يمر بها، وأيضا إعادة التصدير مرة أخرى خلال الخط الأردني الذي توقف سابقا منذ 2010 لظروف استثنائية عبر الخطوط التي تم إنشاؤها خلال هذه الفترة، والخط الذي تم إنشاؤه في عام 2003 وتوقف في عام 2010 نظرا لظروف سياسية وفنية عضّد من ضرورة مراجعة المنشآت النفطية، وهناك أيضا بعض الأجزاء التي تحتاج إلى مراجعات فنية مثل خط ديستوريا، وكذلك مراجعة العقود المعطلة وما تحتاجه لرفع العقوبات وإعادة التشغيل، والولايات المتحدة الأمريكية وضعت العقوبات على سوريا، لتمنع هذه العقوبات تقديم المساعدات إلى الجانب السوري لكن كان هناك دور مصري كبير لرفع تلك العقوبات عن سوريا ضمن المراجعات التي ستتم بعد الحصول على موافقات مبدئية من الولايات المتحدة الأمريكية، ورغبة مصر لنقل الغاز عبر هذا الخط إلى اوروبا من خلال شبكة طولها 1200 كم، وبذلك تصبح مصر لاعباً أساسياً على الساحة العربية والإقليمية والدولية في إنتاج وتصدير الغاز عالميا.
رغم الحديث عن ذخائر غازية ونفطية كبيرة مقابل السواحل اللبنانية إلا أن النزاع حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الاسرائيلي قد عرقل عمليات التنقيب في هذه المنطقة. لماذا رجحت الولايات المتحدة إعطاء خيار توريد الغاز للبنان من مصر، على خيار أن يكون للبنان غازه الخاص؟
على الرغم من الحديث حول الذخائر الغازية والنفطية الكبيرة مقابل السواحل اللبنانية إلا أن نزاع الحدود بين لبنان وإسرائيل قد عرقل عمليات التنقيب، من جهة أخرى مصر هي الدولة الوحيدة التي لديها الجاهزية لنقل الغاز إلى كل من الأردن وسوريا ولبنان ، وخط الغاز العربي كان يعمل في 2003 وتوقف في 2010 كما ذكرنا سابقا، كما أن الأزمة اللبنانية وتداعيتها عجلت بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي لضمان تغطية النفقات بعد أن كانت مصادر الوقود والطاقة في لبنان قد أوشكت على النفاذ، فضلاً عن أن الولايات المتحدة الأمريكية تخشى أن يقوم حزب الله باستغلال الأوضاع في لبنان خاصة بعد عرقلة ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان في ظل ما تراه إسرائيل من تهديدات إيرانية ومساندة حزب الله للموقف الإيراني، وأيضا قيام إسرائيل بقصف عدة مواقع إيرانية في كل من سوريا ولبنان، وهذا كله أجج الصراع في لبنان مما يجعل الأراضي اللبنانية غير صالحة لاستقبال الغاز، وهذا كله أيضا يعضد دور مصر خاصة وأن الخط العربي يتطلب بعد تشغيله بعض الأمور الفنية التي يمكن التغلب عليها، فضلا على أن مصر تمتلك رصيداً كبيراً من القدرات الفنية التي يمكنها من إصلاح هذا الخط في وقت قريب بعيدا عن النزاعات الدولية والأزمات السياسية.
كيف تنظر السلطات في مصر لموضوع تصدير الغاز الى لبنان؟ وهل هي مستعدة للقيام بهذه الخطوة؟
القيادة السياسية المصرية أعطت أوامرها لوزارة البترول لضرورة حل كافة النقاط الفنية التي تحول دون ضخ الغاز، وتحرص القيادة السياسية على ضرورة تشغيل الخط العربي الذي توقف في 2010، ليمر عبر الأردن ثم سوريا ثم لبنان، وعن طريق تشكيل لجان فنية لدراسة النقاط المتعطلة في هذا الخط وتشغيل محطات الكهرباء اللبنانية، وإجراء مراجعات الوصلات بين لبنان وسوريا وكافة الخطوط التي توقفت خلال الفترة الماضية، ترى مصر بالطبع أنها أكتفت ذاتياً من الغاز الطبيعي وحققت تصدير الفائض إلى الأردن، خاصة بعد الاكتشافات المتتالية في البحر المتوسط إلى جانب أن مصر لديها محطات متعددة للطاقة مما يقوي دور مصر في تصدير الغاز الطبيعي إلى الدول العربية تمهيدا لاستكمال مد الغاز إلى أوروبا، وبذلك تصبح مصر مركزاً لوجيستياً لتصدير الغاز إلى أوروبا.
منذ سنوات بدأ الصراع في شرق المتوسط حول الطاقة بعد الحديث عن حقول غنية من النفط والغاز، كيف ترى مستقبل المنطقة في ظل وجود رغبات تركية وإسرائيلية كبيرة للاستحواذ على أكبر سهم من حقول الطاقة في المتوسط؟
تركيا وإسرائيل تراهنان على شرق المتوسط لدوافع سياسية وحق النفوذ في شرق المتوسط، خاصة وأن المخزون الاستراتيجي للغاز الطبيعي والبترول يبلغ حوالي 3000 مليار متر مكعب و100 الف برميل، وطبعا تركيا وإسرائيل تعتمدان اعتمادا كبيراً على الاستيراد. فكرة أن يكون لهما دور حيوي في شرق المتوسط يعضد من النفوذ التركي والإسرائيلي في هذه المنطقة، وتركيا وإسرائيل ليس لديهما محطات تسييل كما هو الحال في مصر، إلى جانب أن فواتير الطاقة مرتفعة جدا، وعلى الرغم من المحاولات التي تمت ما بين تركيا وعدد من الدول الأوروبية مثل إيطاليا وقبرص واليونان رغم الخلافات بينهم إلا أن مصر تمتلك بنية تحتية وخطوط استراتيجية، خاصة بعد رسم الخطوط بين مصر وقبرص وإيطاليا واليونان ليصبح هناك دور حيوي في التواجد المصري في هذه المناطق، وبالتالي تصبح مصر مركزاً حيوياً لتصدير الغاز إلى هذه الدول.