وائل قنديل
أفريقيا برس – مصر. ما تقوم به الإدارة الأميركية هذه الفترة ليس استهدافاً على الهُويّة لجماعة الإخوان المسلمين في كلّ من مصر ولبنان والأردن، بل هو بالأساس ملاحقة لكلّ الأطراف الإقليمية والدولية التي رفضت جرائم الإبادة الجماعية في غزّة، وندّدت بالمشاركة الأميركية الكاملة في هذه الجرائم. وعلى ذلك، تتّسع دائرة الانتقام الأميركية الصهيونية لتشمل قوى الإسلام السياسي، بالمنطق نفسه والكراهية نفسها التي تتبدّى في الفعل الترامبي الانتقامي ضدّ فنزويلا وكولومبيا، وقبلهما طهران والشخصيات الدولية المُدافعة عن الحقّ الفلسطيني.
في لائحة الأعداء التي وضعتها إسرائيل للرئيس الأميركي، التابع لها على طول الخطّ مهما أقسم تجار السلام الزائف على جدارته ونزاهته، متسع لكلّ من نطق بكلمة ضدّ الكيان الصهيوني، وهذا هو الأساس الذي قام عليه الأمر التنفيذي الصادر منه إلى الخارجية الأميركية للبدء في الانتقام من الإسلام السياسي في مصر ولبنان والأردن، والذي ينصّ صراحة على أنّ المسافة من المقاومة الفلسطينية هو معيار التصنيف والتقييم.
في التقرير الوافي للزميل محمد البديوي، وقبل أن يثبت أنّ القرارات والأوامر الأميركية تصنع وتطبخ في تل أبيب، من المهم تأمّل هذه الفقرة من أمر ترامب التنفيذي، وفيها أنّ “فروع الجماعة في لبنان والأردن ومصر تشارك أو تدعم أو تسهّل حملات العنف وزعزعة الاستقرار التي تضرّ بمناطق الولايات المتحدة والمواطنين الأميركيين والمصالح الأميركية”، وذكر أنّ سياسة الولايات المتحدة هي التعاون مع شركائها الإقليميين للقضاء على قدرات “الإخوان المسلمين”.
وتضمّن قرار ترامب صراحة ثلاثة أمثلة، وهي: ما سمّاه الجناح العسكري للفرع اللبناني للإخوان المسلمين (الجماعة الإسلامية)، وجماعة الإخوان في مصر، والإخوان في الأردن، وقال إنّ أنشطتهم ودعمهم حركة حماس يهدّدان أنشطة أمن المدنيين الأميركيين في بلاد الشام وسلامة الشُركاء الإقليميين.
يظهر التقرير أنّ قرار تصنيف جماعة الإخوان طُبخ على مدى الأشهر الماضية، وعملت معاهد ومؤسّسات يمينية وجماعات داعمة لإسرائيل من أجل اتخاذ هذا القرار، مثل مؤسّسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، وصحيفة Just The News، وكان رأس حربة صناعة هذا القرار في واشنطن سيباستيان غوركا ومعه نانسي دحدوح، وهي أميركية مصرية وصلت من القاهرة إلى واشنطن منذ سنوات للدراسة، ثم شغلت مناصب في إدارة الاستخبارات، قبل أن تعيّن خلال إدارة ترامب الثانية مديرة مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، إضافة إلى مجموعات أخرى عملت معهما أسابيع وأشهر بتفصيل وطرح آلية للقرار.
وعقب إصدار ترامب الأمر التنفيذي مباشرة، شاركت دحدوح صورتها مع غوركا والرئيس ترامب على منصّة إنستغرام، وكتبت آية من الإنجيل تقول “ونحن نعلم أنّ كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعون حسب قصده”، وقالت “أشعر بتواضع وسعادة بالغة لمشاركتي في صنع التاريخ اليوم. بارك الله فيكم، أيها الرئيس ترامب والدكتور سيباستيان غوركا”، كما شاركت على منصّة إكس تغريدة لحساب رئيس الوزراء الإسرائيلي يرحّب بالقرار.
في السياق الانتقامي نفسه، جاء إقرار مجلس النواب الأميركي، أول أمس، مشروع قانون لمنع حصول مَن سمّاهم بداعمي حركة حماس على مزايا الهجرة بالأغلبية. ويهدف مشروع القانون إلى “منع أي شخص شارك أو دعم هجمات حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (2023) من دخول الولايات المتحدة أو الحصول على أيٍّ من مزايا الهجرة”. وسوف يُحال مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ، وفي حال إقراره، سيُرسل إلى مكتب الرئيس للمصادقة عليه.
الأسباب والدوافع التي جعلت ترامب يصدر الأمر التنفيذي المطبوخ إسرائيلياً هي نفسها التي جعلته يفرض الحصار الاقتصادي والعسكري على فنزويلا، ويحشد جيشه للغزو. ولا تصدّق ما يُقال إنّها حرب على المخدرات، بل هي حربٌ على كلّ أصحاب المواقف المُحترمة ضدّ الهمجية الأميركية والإسرائيلية في غزّة. ففي وقتٍ يُشدّد ترامب حصاره على رئيس فنزويلا؛ لإرغامه على ترك السلطة والذهاب إلى المنفى، بزعم إنّه لا يكافح تجارة المخدرات، يُصدر الرئيس الأميركي وعداً بالعفو عن رئيس هندوراس السابق، خوان أورلاندو هيرنانديز، الذي دين وسجن في الولايات المتحدة بتهمة الاتّجار بالمخدرات في عهد الرئيس السابق جو بايدن.
باختصار، قرار تصنيف الإخوان، وقرار الحرب العسكرية على فنزويلا، والحصار الاقتصادي على كولومبيا، وقبل ذلك قرار معاقبة مقرّرة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيز، بمنعها من دخول الولايات المتحدة، كلّ هذا القرارات مكتوبة بحبر صهيوني واحد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس





