سحر جمال
أفريقيا برس – مصر. أكد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المصري عادل الدندراوي، أن زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى القاهرة تمثل عودة لمسار طبيعي بين قوتين إقليميتين، مشيرًا إلى أن إطلاق مشاورات سياسية منتظمة قد يُمهّد لاستعادة التمثيل الدبلوماسي الكامل.
وأضاف في حوار مع “أفريقيا برس”، أن الخلافات بين البلدين بسيطة ويمكن تجاوزها، إذا ما أُعيد ضبطها بشكل عملي.
وشدد على أن دعم المقاومة الفلسطينية محل اتفاق، كما أن القاهرة يمكن أن تلعب دورًا في تهدئة الملف النووي. وقال إن تعزيز التعاون الاقتصادي والسياحي مع إيران يُحقق مكاسب كبيرة لمصر، داعيًا إلى دراسة هذه الفرص دون الإضرار بعلاقات مصر مع دول الخليج.
هل الاتفاق على إطلاق مشاورات سياسية منتظمة بين مصر وإيران يُعدّ تمهيدًا عمليًا لاستعادة التمثيل الدبلوماسي الكامل بين البلدين؟
زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إلى القاهرة على رأس وفد إيراني كبير، تمثّل عودة إلى المسار الطبيعي بين دولتين تُعدّان قوتين يُحسب لهما حساب في المنطقة، خاصة في موازين القوى. التقارب بينهما ليس خاليًا من المحاذير، فإيران محاصَرة من جانب إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في عدة ملفات، على رأسها الخلاف حول برنامجها النووي، ومصر أيضًا ليست بعيدة عن هذه المحاذير. لكن، في نهاية المطاف، تبقى مصر رمانة الميزان القادرة على خلق تقارب بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، في ظل المفاوضات الجارية حاليًا بوساطة رومانية.
ما هي “العراقيل” التي أشار إليها وزير الخارجية الإيراني، والتي يُتوقَّع أن تُزال قريبًا؟ وهل هي ذات طابع سياسي أم أمني؟
العلاقات بين مصر وإيران علاقات تاريخية وقديمة، والعراقيل القائمة يمكن إعادة ضبطها، خاصة وأنها تمس الجانبين بشكل جزئي في بعض الخلافات السياسية والأمنية البسيطة. إلا أن هذه العراقيل تتعلّق أيضًا بدول وأطراف دولية وعربية أخرى على صلة بإيران. فالعلاقات الإيرانية مع الدول العربية تحتاج إلى تهدئة، ومصر، في نهاية المطاف، حريصة على مصالح الدول العربية. أما العراقيل الأخرى، فهي عراقيل ومحاذير مصطنعة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، تسعى إلى منع التقارب بين مصر وإيران. الخلافات، إلى حدٍّ كبير، بسيطة، وتتعلق أيضًا بعلاقات إيران مع الحوثيين وبعض القوى التي تدعمها في المنطقة. وإذا ما أُعيد ضبط هذه الملفات بطريقة أو بأخرى، فقد يصبح التقارب طبيعيًا وفي مسار قوي وسليم.
إلى أي مدى تُشكّل القضايا الإقليمية، كالوضع في غزة والملف النووي، أرضية للتقارب المصري–الإيراني؟ أم أنها قد تتحول إلى سبب للتباعد لاحقًا؟
القضايا الإقليمية، وعلى رأسها الوضع في غزة وحرب الإبادة التي تنفذها إسرائيل، تُعد من القضايا المتفق عليها بين مصر وإيران. فمصر تؤكد أن تسوية القضية الفلسطينية تمثّل بداية الحل السليم في المنطقة، ومفتاح تهدئة مختلف الملفات الإقليمية. وإيران أيضًا ترى أن تهدئة الخلافات الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وضرورة وقف العربدة الإسرائيلية في غزة والمنطقة عمومًا، تمثل أرضية مشتركة بين البلدين. هذه الأرضية يمكن أن تكون منطلقًا لتعاون أفضل بين مصر وإيران، يسهم في تقوية الوضع الإقليمي ويساعد على تهدئة الأوضاع في المنطقة.
ما هو الموقف الرسمي المصري من التصريحات الإيرانية المتكررة بشأن دعم فصائل المقاومة في فلسطين، خاصة في ضوء الدور المصري التقليدي كوسيط محايد؟
ليس هناك خلافات بشأن تكرار إيران دعم فصائل المقاومة في فلسطين، فذلك أمر قد يكون متفقًا عليه، إذ إن المقاومة الفلسطينية تُعد حقًا شرعيًا في مواجهة الاستعمار الإسرائيلي والعربدة الإسرائيلية، وهو موقف يحظى باعتراف دولي. المشكلة تكمن في الاحتلال نفسه، ومن الطبيعي أن توجد مقاومة تحاول وقفه، وتسعى إلى إيجاد حلول لردع التمادي الإسرائيلي في المنطقة. لذا، لا يوجد خلاف حول ضرورة دعم المقاومة في فلسطين، وهذا أمر متفق عليه.
كيف تنظر إيران إلى دور مصر في دعم المفاوضات النووية، وما الذي تطلبه طهران عمليًا من القاهرة في هذا السياق؟
الخلاف الجوهري حول الملف النووي يُعد العنوان الأكبر في النزاع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى. تؤكد إيران أن لها الحق الكامل في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، وهو أمر محسوم بالنسبة لها ولا يمكن التفاوض بشأنه. وفي المقابل، ترفض إسرائيل قيام إيران بتخصيب اليورانيوم. وترى إيران أن مصر يمكن أن تلعب دورًا في الوساطة وتقريب وجهات النظر، لما لها من تأثير ووساطة دولية لدى الولايات المتحدة وإسرائيل. لكن يظل الملف النووي الإيراني هو عنوان الخلاف الأساسي، ويجب إيجاد حل له.
هل تُعد إشادة عراقجي بمبادرة المنطقة الخالية من السلاح النووي محاولة لاستقطاب مصر إلى موقف مشترك ضد إسرائيل؟
منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي هو مطلب مصري في الأساس منذ عقود، وكذلك مطلب إيراني. أما إسرائيل، فهي تسعى للانفراد بامتلاك القوة النووية، ولا ترغب حتى في أن تمتلك أي دولة أخرى برنامجًا نوويًا لأغراض سلمية، فهي دولة بطبيعتها تشك في الآخرين بشكل عام.
هل يمكن أن يؤدي تعزيز التعاون السياحي والتجاري بين مصر وإيران إلى تقليص نفوذ بعض القوى الإقليمية التي تعارض هذا التقارب؟
تعزيز التعاون السياحي والتجاري والاقتصادي بين مصر وإيران هو مطلب يكاد يكون مشتركًا لدى جميع خبراء الاقتصاد في مصر، لأنه إذا وُضعت خطط معينة لجذب الاستثمار الإيراني، فستُصبح مصر سوقًا اقتصادية وسياحية وتجارية قوية جدًا. ومن خلال هذا التقارب، يمكن لمصر أن تحقق مكاسب اقتصادية جديرة بالدراسة. لذلك، يجب على الجانب المصري دراسة هذا الملف بشكل جاد، ويجب أن تُتاح للسياحة الإيرانية الفرصة للدخول إلى السوق المصري.
كيف تنظر القاهرة إلى التوازن المطلوب بين تحسين العلاقات مع طهران وعدم الإضرار بعلاقاتها مع دول الخليج التي تتحفّظ على التقارب المصري الإيراني؟
هذه هي الإشكالية، فالتقارب المصري الإيراني له محاذير من جانب القاهرة، إذ إن بعض الدول العربية تتحفّظ على هذا التقارب، وكذلك تقف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في الجهة ذاتها. ومع ذلك، فإن من مصلحة الجانب المصري تحقيق التقارب مع إيران على كافة الأصعدة، وفي مقدمتها الاقتصادية، إضافة إلى تهدئة المناخ الإقليمي بشكل عام. لكن إجمالًا، فإن التقارب المصري الإيراني يعني تحقيق استفادة للجميع، خاصةً أن مصر تتميّز بالموقف الوسطي، وبالتالي فإن الجميع سيربح.
ما مدى جدية الحديث الإيراني عن غياب “العقبات” في العلاقات؟ وهل هذا الموقف يلقى قبولًا داخل المؤسسات السيادية المصرية أم لا يزال محاطًا بالحذر؟
أظن أن الحديث الإيراني عن إزالة العقبات في العلاقات مع مصر يجب أن يُؤخذ على محمل الجد، إذ تبدو تلك التصريحات صادقة إلى حد بعيد. ومن الجانب الآخر، فإن كل شيء قابل للدراسة، ويجب منح الثقة لتصريحات الطرف الآخر مع دراستها عمليًا داخل المؤسسات. كما يجب دراسة جميع العقبات التي استمرت لعقود بين مصر وإيران. ومن المهم أن يدرك الجميع أن التقارب المصري الإيراني سيخدم مصلحة البلدين، حتى وإن تعارض مع إرادة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، إلا أن الإرادة المصرية الإيرانية تمثل رادعًا قويًا وميزانًا مهمًا في المنطقة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس