المتاحف المصرية.. كل هذا الإهمال والتجاهل

1
المتاحف المصرية.. كل هذا الإهمال والتجاهل
المتاحف المصرية.. كل هذا الإهمال والتجاهل

مروة عبد الفضيل

أفريقيا برس – مصر. في 18 مايو/أيار من كل عام، يحتفل العالم بيوم المتاحف، وهي مناسبة تستدعي التوقف عند واقع هذه المؤسسات الحيوية، لا سيما في بلد كمصر، التي تحتضن إرثاً حضارياً يمتد لآلاف السنين. ورغم ذلك، فإن المتاحف المصرية تعاني إهمالاً واضحاً، وتغيب عنها خطط التسويق، ما ينعكس على ضعف الإقبال، فضلاً عن سرقات أثرية موثقة، وغلق بعض المتاحف تحت ذرائع مختلفة.

لا تتركز زيارات المتاحف في مصر إلا على عدد محدود منها، وفي مقدمتها المتحف المصري الكبير، الذي حظي بدعاية واسعة منذ بداية بنائه وحتى افتتاحه الجزئي، وهو ما انعكس في استقباله آلاف الزوار يومياً. في المقابل، تعاني أغلب المتاحف من غياب شبه تام للزوار، نتيجة نقص الدعاية والإهمال وغياب مقومات الجذب.

من أبرز الأمثلة على ذلك المتحف الزراعي في حي الدقي بالقاهرة، الذي يعد من أهم المتاحف القومية، إذ يضم مقتنيات أثرية تشمل الفخار والمعادن والمخطوطات. لكن معظم هذه القطع تعرّض للتلف، بما في ذلك بعض المحنطات التي تغيّرت ألوان جلودها وجفّت بسبب الرطوبة وغياب الصيانة، وظهرت فيها شروخ واضحة.

الإهمال لم يقتصر على المتحف الزراعي، فقد جرى الكشف عن تلف في مقتنيات المتحف اليوناني الروماني، حيث بدأت الأقمشة المصنوعة من الكتان بالتحلل، بينما تعرضت المواد المعدنية والبرونزية للصدأ. وقد نبه الدكتور عبد الحميد الكفافي، مدير إدارة التخطيط والمتابعة بوزارة الآثار، إلى ضرورة إجراء تنظيف كيميائي وميكانيكي، وإعادة الليونة للجلود المعروضة.

ورغم ما يُشاع عن أن بعض المتاحف المهمَلة لا تتبع وزارتي السياحة أو الآثار، ويطلق عليها اسم “المتاحف النوعية”، فإن الإهمال طاول تلك التي تخضع لإشراف الوزارتين، مثل المتحف المصري نفسه، الذي شهد عام 2017 فوضى في استخدام الكاميرات داخل قاعة المومياوات، حيث استخدم الزوار فلاش التصوير، ما أثّر سلباً في ألوان الآثار، وأدى إلى تصبغات. واستجابت وزارة السياحة لاحقاً بمنع استخدام الكاميرات في بعض القاعات، مع السماح بها في أماكن أخرى شرط إطفاء الفلاش.

لم تسلم المتاحف أيضاً من حوادث السرقة، حتى تلك التابعة للوزارتين المعنيتين. ورغم أن معظم الدول واجهت سرقة آثارها، فإن مصر كانت الأشد تضرراً، مع تشتّت قطعها الأثرية في متاحف عالمية، تُعرض وتُباع أحياناً بشهادات منشأ مزورة.

ومن بين أبرز القطع التي سُرقت: نصب تذكاري من الجرانيت الوردي، وتمثال نصفي لكليوباترا اشتراه متحف اللوفر في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 من دون إذن تصدير، والتابوت الذهبي للكاهن نجم عنخ، الذي بيع لمتحف اللوفر بأبوظبي، ونموذج مركب مصري، ومنحوتة فرس النهر.

وقد نشرت صحيفة ذا غارديان البريطانية أن البعثات الأجنبية المنقبة عن الآثار في مصر كانت تحصل على نسب من المكتشفات. بهذه الطريقة، خرجت رأس نفرتيتي إلى ألمانيا بشكل “شرعي”، ولا تزال مصر عاجزة عن استعادتها.

في تصريحات صحافية، قال وزير الآثار الأسبق، زاهي حواس، إن الدول الكبرى توظف محامين متخصصين لحماية ممتلكاتها الأثرية، بينما تفتقر مصر إلى هذا الدعم القانوني، ما يؤدي إلى خسارة معظم القضايا الدولية المتعلقة باسترداد القطع المسروقة.

وقد بلغت إحدى الفضائح ذروتها حين أعلنت السلطات الإيطالية ضبط أكثر من 22 ألف قطعة أثرية مصرية مهرّبة داخل سفينة في ميناء ساليرنو. وجرى الربط بينها وبين بطرس رؤوف غالي، شقيق وزير المالية الأسبق، والذي ضُبطت في منزله لاحقاً قطع أخرى.

المرشد السياحي محمد عبد العليم، الذي عمل سابقاً في أحد متاحف وسط القاهرة، أكد أنه أثناء زيارته لمتحف اللوفر في فرنسا تعرف إلى قطع مصرية أصلية، وأصابه الغضب لرؤية إعجاب الأجانب بها ونسبها للوفر، فيما فشلت مصر في إثبات سرقتها.

بينما قال الخبير السياحي، حسام هزاع، إن بعض المتاحف لا تُزار ببساطة لأنها لا تُسوّق، مشيراً إلى أن الحل هو إدراج زيارة المتاحف ضمن برامج المؤتمرات والرحلات السياحية. وأكد أن ما ميّز المتحف المصري الكبير هو التسويق المستمر له، بما في ذلك خلال جولات الوفود الرسمية في الخارج.

أما عالم الآثار ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، حسين عبد النصير، فقد اعتبر أن ضعف الوعي بالسياحة الثقافية هو السبب الرئيسي وراء عزوف المصريين عن زيارة المتاحف. ودعا إلى حملات تثقيفية موجهة للأطفال والشباب، وربط التعليم المدرسي بالزيارات المنتظمة.

كما أشار إلى متاحف تستحق تسليط الضوء عليها مثل: المتحف الطبي للدكتور نجيب باشا محفوظ، والمتحف الجيولوجي في حديقة الحيوان في الجيزة.

جانب آخر يسلّط عليه الضوء عالم الآثار وعميد كلية الآداب في طنطا سابقاً، الدكتور حجاجي إبراهيم، فيوضح أن بعض المتاحف تغلق لا بحجة التطوير، بل لأنها لا تحقق أرباحاً. من بينها: متحف الخارجة في الواحات، المغلق رغم احتوائه على قطع نادرة من عصور متعددة، ومتحف الغردقة، الذي أصبح نصفه مملوكاً للقطاع الخاص، إلى جانب متحف النسيج، الذي أغلق ونُقلت مقتنياته لمتحف الحضارة، ويُتداول أنه سيتحوّل إلى متجر مجوهرات.

كما نبّه إلى أن بعض المتاحف تعرض خزفاً “فيومياً” غير المصري، والذي تعود أصوله لإيطاليا ويوغوسلافيا، ما يثير علامات استفهام حول دقة تصنيف القطع.

اختتم حجاجي تصريحاته منتقداً سياسات الخصخصة قائلاً: “منذ متى والمتاحف أُنشئت لجلب الأموال؟ المتحف وُجد للتثقيف”. واقترح أن تُفتح المتاحف مجاناً يوماً واحداً شهرياً، كما يحدث في إيطاليا، وسيلة فعالة لجذب الزوار.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here