أغاني النيل: مسيرة الإنسان المصري مع النهر الخالد

10
أغاني النيل: مسيرة الإنسان المصري مع النهر الخالد
أغاني النيل: مسيرة الإنسان المصري مع النهر الخالد

أفريقيا برسمصر. يدرك الجميع أهمية النيل لمصر، وأنّ تهديد البلاد بالتحكم في كمية الماء التي تصل إليها يمثل تهديداً وجودياً. هذا هو سرّ الأزمة التي تؤرق المصريين الذين ربطوا حياتهم وحضارتهم بالنهر الخالد منذ فجر التاريخ. وكان بديهياً أن يتغلغل النيل في التراث الإنساني الذي أنتجه سكان هذا الوادي.

في كتابه “النيل في عهد الفراعنة والعرب” يذكر عالم الآثار أنطون زكري أنّ المصريين القدماء اختصوا النيل بمجموعة من الأناشيد التي تداولوها، ومن بينها أنشودة نمّقها شاعر قديم، ووجدت مكتوبة في لوحتين على الورق البردي، معروفتين بورقتي “ساليير” و”أنسطاسي” وهما من مجموعة الأوراق البردية المحتفظ بها إلى الآن في المتحف البريطاني، وقد ترجمها عن اللغة المصرية القديمة إلى الفرنسية ماسبيرو، وجبس، ثم ترجمها أنطون زكري إلى الشعر العربي، ويقول مطلعها: نُسْدِي إلى النيل سلاماً عاطرا/ لأنّه قد جاءنا مُباكرا… اليومَ عيدُ النيلِ في بشراه/ فكلّنا تسرُّنا لُقْيَاه.

ويعقب أنطون زكري على هذه الأنشودة قائلاً: “وكان قدماء المصريين باعتيادهم الترنُّم بهذه الأنشودة، يعتنون بتوقيعها على أوضاع الآلات الموسيقية؛ ليكون لوقعها في النفوس طرب النشوة الموسيقية والانشراح القولي، ولا زلنا إلى العصر الحالي نتلقى من عوام المنادين الذين يطوفون وحولهم الغلمان في الأزقة والحواري ما هو بلا شك صدى متتابع، من ترديد هذه النغمات أيام الفيضان”.

أغانٍ عربية

أيضاً، كتب مؤرّخو الرومان والإغريق والبطالمة عن النيل، وصولاً إلى العصر العربي الذي لم يتوقف فيه الغناء، وقد نقل المؤرخون كالمقريزي والمسعودي وابن تغري بردي عدداً كبيراً من القصائد، المدبجة في وصف النيل والتغني به وتوظيفه فنياً، فالمقريزي ينقل قول بعضهم: “كأنَّ النيل ذُو فهمٍ ولبِّ/ لما يبدو لعينِ الناسِ منهُ… فيأتي حين حاجتهمْ إليه/ ويمضي حين يستغنون عنه”. وفي تاريخ المسعودي لشاعر آخر: “مصر ومصر شأنها عجيب/ ونيلها يجري به الجنوب”. وينقلون عن الشريف العقيلي: “أحنّ إلى الفسطاط شوقًا وإنّني/ لأدعو لها ألّا يحل بها القَطر… وهل في الحيا من حاجة لحياتها/ وفي كلّ قَطر من جوانبها نهر… تبدت عروساً والمقطّم تاجُها/ ومن نيلِها عقد كما انتظم الدرُّ”.

كوكب الشرق

وحديثاً كثر الغناء عن النيل، وفي أكثر من مناسبة غنّت “كوكب الشرق” أم كلثوم له. لكنّ أبرز أغنياتها كانت من كلمات “أمير الشعراء” أحمد شوقي، ومن ألحان رياض السنباطي، وهي قصيدة “النيل” والتي تقول في مطلعها: “مِن أَيِّ عَهدٍ في القُرى تَتَدَفَّقُ/ وَبأَيِّ كَفٍّ فـي المَدائِنِ تُغدِقُ… وَمِنَ السَماءِ نَزَلتَ أَم فُجِّرتَ مِـن عَليا الجِنانِ جَداوِلاً تَتَرَقرَقُ”.

كما غنت أم كلثوم أيضاً من كلمات إبراهيم ناجي قصيدة “سلاماً شباب النيل” التي لحّنها رياض السنباطي، وهي قصيدة وطنية حماسية، واكبت العدوان الثلاثي على مصر، ويقول مطلعها: “أَجلْ إنّ ذا يوم لمن يفتدي مصرا/ فمصر هي المحرابُ والجنةُ الكبرى… أجل إنّ ماءَ النيلِ قد مرَّ طعمُه/ تناوشه الفتاكُ لم يدَعوا شبرا”.

أيضاً، غنّت أم كلثوم سنة 1955 من كلمات بيرم التونسي وألحان رياض السنباطي أغنية شمس الأصيل، التي يقول فيها: “شمس الأصيل دهّبت/ خوص النخيل يا نيل… تحفة ومتصورة/ في صفحتك يا جميل”.

النهر الخالد

حمل الموسيقار محمد عبد الوهاب لقب “النهر الخالد” بعدما قدم رائعته التي حملت الاسم نفسه سنة 1954، قصيدة “النهر الخالد” للشاعر محمود حسن إسماعيل. يقال إنّ عبد الوهاب ألّف موسيقى “النهر الخالد” قبل أن يؤلف إسماعيل قصيدته، وأنّه طلب من الشاعر أن ينسج كلماته على موسيقاه ففعل. يقول مطلع الأغنية: “مُسافرٌ زادُهُ الخيالُ/ والسحر والعطر والظلالُ… ظمآن والكأس في يديه/ والحبُّ والفنُّ والجمالُ… شابت على أرضه الليالي/ وضيّعت عمرها الجبالُ… ولم يزل ينشدُ الديارا/ ويسأل الليل والنهارا… والناس في حبِّه سكارى/ هاموا على شطِّه الرحيبِ… آهٍ على سرِّكَ الرهيبِ/ وموجِكَ التائهِ الغريبِ/ يا نيلُ يا ساحرَ الغيوب”.

ولموسيقار الأجيال أغنية عن النيل تسبق “النهر الخالد” بأكثر من عقدين، وهي أغنية “النيل نجاشي” وهي من قصيدة باللهجة العامية نظمها أحمد شوقي، وغناها عبد الوهاب مع فرقته ضمن أحداث فيلم “الوردة البيضاء” سنة 1933. ويقول فيها: “النيل نجاشي/ حليوه أسمر… عجب للونه/ دهب ومرمر… أرغوله في إيده/ يسبح لسيده/ حياة بلدنا/ يا رب ديمُه”.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here