بعد قرن على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون: المصريون يريدون استعادة تاريخهم

19
بعد قرن على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون: المصريون يريدون استعادة تاريخهم
بعد قرن على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون: المصريون يريدون استعادة تاريخهم

أفريقيا برس – مصر. تجسّد الصورة التاريخية للبريطاني هوارد كارتر وهو يتفقد تابوت توت عتخ آمون بينما يقف مصري في الظل قربه، والعائدة الى مطلع القرن العشرين، مئتي عام من علم المصريات: من ناحية العالِم الغربي الذي يكتشف كنوز مصر، ومن ناحية أخرى أيادٍ مصرية تجاهلها تاريخ الكشوفات الفرعونية.

وتقول أستاذة المصريات في جامعة دورهام البريطانية كريستينا ريغز إن علم المصريات الذي نشأ في الحقبة الاستعمارية «خلق تفاوتات هيكلية» ما تزال «أصداؤها موجودة حتى اليوم».

وفيما يحتفل العالم بمرور قرنين على اكتشاف حجر رشيد على يد الفرنسي جان فرانسوا شامبوليون ومئة عام على الكشف عن مقبرة الملك الطفل توت عنخ آمون، ترتفع أصوات للمطالبة بخروج مساهمات المصريين في هذه الإنجازات الى العلن. وتعكس المطالب رغبة المصريين في استعادة تراث بلدهم واسترجاع كنوز من آثارهم يعتبرون أن الغرب «سرقها».

ويؤكد رئيس بعثة التنقيب المصرية في القرنة (جنوب) عبد الحميد درملي، أن المصريين «تحمّلوا عبء الشغل كلّه، لم يكن هناك أجنبي يعمل بيده».

وبتابع «بدوننا (المصريين) لما حصلت اكتشافات. العامل المصري الذي نقّب له اسم كان ينبغي كتابته لكنه نسي على الفور».

في الاتجاه نفسه، تقول الباحثة المتخصصة في التراث المصري هبة عبد الجواد «كأن أحدا لم يحاول فهم مصر القديمة» قبل شامبوليون في العام 1822.

مجهولون

وتوضح ريغز أن المصري الواقف في الظل الى جوار كارتر في الصورة الشهيرة قد يكون «حسين أبو عوض أو حسين أحمد سعيد» وهما رجلان كانا لعقود من أعمدة فريق كارتر الى جانب أحمد جريجر وجاد حسن.

لكنها تضيف أنه لا يمكن لأي خبير أن يتعرف اليوم على الأشخاص الموجودين في الصور.

وتقول أستاذة التاريخ «قبع المصريون في الظل مجهولين وغير مرئيين في رواية تاريخهم».

اسم واحد ظهر، هو اسم آل عبد الرسول.

في البداية، تم تداول اسم حسين عبد الرسول الذي يُعتقد أنه اكتشف بالصدفة، بينما كان لا يزال طفلا، مقبرة توت عنخ آمون على الضفة الغربية لنهر النيل في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1922 داخل جبانة أصبحت اليوم الأقصر، في منطقة القرنة.

وتتعدّد الروايات حول هذا الاكتشاف: تعثّرت قدماه فوقها أو تعثّرت معزته عندها أو انقلبت منه قلة (إناء من الفخار يستخدم لتبريد المياه) فكشفت الماء عن وجود حجر.

وحسب الأسطورة المحلية، اكتشف اثنان من أجداده أحمد ومحمد في العام 1871 المومياوات الخمسين التي عثر عليها في الدير البحري ومن بينها مومياء رمسيس الثاني.

والتقينا حفيد أحد أقرباء حسين عبد الرسول ويدعي سيد، وقد انفجر ضاحكا عندما سمع هذه الروايات. وقال مازحا «أقوى اثنتين عندنا ينبغي تسليط الضوء عليهما هما المعزة والقلة» ثم تساءل «هل هذا منطقي؟».

واعتبر أن المشكلة تكمن في أن «أناسا آخرين كتبوا (التاريخ) ونحن لم نكتب».

وتشير كريستينا ريغز الى أنه في كل مرة نُسب فيها اكتشاف الى المصريين، كان الفضل يعود إما الى «أطفال أو لصوص مقابر» إن لم تكن «حيواناتهم».

أما هبة عبد الجواد فتشير الى أن «علم الحفائر وعلم الآثار في الأساس يقومان على علم الجغرافيا وخصوصا معرفة بطبقات الأرض المختلفة التي يمكن من خلالها تحليل ما إذا كان هناك شيء أم لا، وهذا ما يعرفه الفلاح المصري كونه يحتك بشكل يومي مع التربة والأرض في الزراعة».

لهذا انتقلت عمليات التنقيب من جيل الى جيل في القرنة حيث يعيش آل عبد الرسول، والى قفط في شمال الأقصر التي تم تدريب سكانها على البحث عن الآثار في العام 1880 على يد البريطاني وليم فلندرز بيتري.

وكان الجدّ الأكبر لمصطفى عبده صادق من بين هؤلاء.

في مطلع القرن العشرين، استقرّ الرجل على بعد 600 كيلومتر شمال قفط للتنقيب في جبانة سقارة بالقرب من أهرام الجيزة.

وساعد مع أولاده وأحفاده على مدى قرن من الزمن في الكشف عن عشرات المقابر، حسب ما روى الحفيد وهو نفسه عالم آثار معروف.

وقال إن أسرته لم تأخذ حقها، رافعا صور أجداده الذين لا يظهر اسم أي منهم في كتب التاريخ اليوم.

أبناء توت عنخ آمون

وترى عميدة كلية الآثار في أسوان مونيكا حنا، أنه «تم تجاهل المصريين في كتابة تاريخهم بسبب الاستعمار الثقافي لمصر منذ 200 سنة».

وتقول المحاضرة في معهد الآثار الشرقية في القاهرة فاطمة كشك إنه ينبغي أن نأخذ في الاعتبار «السياق التاريخي لمصر خلال الاستعمار» البريطاني.

في مطلع القرن العشرين، وعلى خلفية الروح الوطنية المتصاعدة، أصبح التراث الفرعوني أداة لتقوية الحس الوطني. ونحولت الحرب الثقافية الى معركة سياسية.

في العام 1922 الذي شهد اكتشاف مقبرة الملك الطفل في وادي الملوك، غنّت المطربة الأشهر آنذاك منيرة المهدية «إحنا ولاد توت عنخ آمون».

في العام نفسه، وبعد حملات متكررة نددت بهيمنة الأجانب على التراث الوطني، تمكنت القاهرة من وضع حد لنظام التقسيم الذي كان ساريا خلال الحقبة الاستعمارية ويقضي بأن يحصل الغربيون على نصف ما يتم اكتشافه من آثار مقابل تمويلهم عمليات التنقيب.

غير أن مصر القديمة فُصِلت نتيجة ذلك عن مصر الحديثة، وبات يُنظر الى «الحضارة المصرية القديمة على أنها حضارة ملك العالم بأسره، لكن هذا العالم كان متمركزا في الغرب» حسب ما تقول هبة عبد الجواد.

وبقى توت عنخ آمون في مصر، لكن «أرشيف عملية التنقيب» الضروري لأي نشر أكاديمي وعلمي ذهب الى كارتر واعتبر من مقتنياته الخاصة، وفق حنا.

وأضافت «كنا لا نزال مستعمَرين، ولذلك تركوا لنا القطع لكن أخذوا منّا القدرة على إنتاج المعرفة عن مقبرة توت عنخ آمون».

وعندما قررت ابنة شقيق هوارد كارتر أن تتبرّع بهذا الأرشيف بعد وفاته في عام 1939 اختارت أن تهبه لجامعة أوكسفورد وليس الى مصر.

وتنظم جامعة أوكسفورد في الوقت الراهن معرضا باسم «توت عنخ آمون: تنقيب في الأرشيف» لكي تلقي الضوء على «المصريين المنسيين غالبا من الفرق الأثرية».

مومياء في البيت

في القرنة، يتذكر أحمد عبد الراضي (73 عاما) أنه عثر عندما كان طفلا على رأس مومياء قرب أساسات المنزل الذي كبر فيه والذي شُيّد فوق واحدة من مقابر جبانة طيبة حيث كبر.

ويقول إن أمه انفجرت باكية وهي تتوسل إليه أن يعامل «هذه الملكة» باحترام. لكنها كانت في الوقت ذاته، حسب عبد الراضي، تخزّن البصل والثوم في تابوت من الغرانيت.

اليوم، لا توجد في قرية القرنة إلا الأنقاض التي تنتصب بينها، بين المقابر والمعابد، أعمدة ممنون التي بنيت قبل 3400 عام وكأنها تسهر على رعاية الأحياء والموتى.

في عام 1998بدأت جرافات تابعة للحكومة بتدمير المنازل الصغيرة المشيدة بالطين والحجر والتي تأوي 10 آلاف من سكان القرنة وتوجد أسفلها مقابر يعود معظمها الى الحقبة ما بين العامين 1200 و1500 قبل الميلاد.

وفي اشتباكات مع الشرطة، قتل أربعة من السكان الذين رفضوا إخلاء منازلهم.

ويقول عبد الحميد درملي أن سكان القرنة احتجوا على إزالة بيوتهم بسبب ارتباطهم الكبير بالتراث الفرعوني.

تمّت المعركة من أجل كشف التاريخ القديم على حساب المصريين، ما أثار انتقادات من اليونسكو.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here