حكاية توأم منفصل متصل.. مصر وتونس

11
حكاية توأم منفصل متصل.. مصر وتونس
حكاية توأم منفصل متصل.. مصر وتونس

نعيمة عبد الجواد

أفريقيا برس – مصر. مصر وتونس دولتان ساحليتان، تطل كلاهما على البحر الأبيض المتوسط، وإن كانت بلدان أخرى تفصلهما. واللافت في الأمر وجود دول عدَّة تقع على البحر المتوسط، وأن التوأمة لا تقتصر عليهما فقط؛ إلا أن نقاط الالتقاء بينهما عدَّة سواء على الصُّعد السياسية، أو الأدبية، أو الثقافية. وهذا الالتقاء ليس حديث العهد، بل وليد عصور سحيقة، فبحكم الموقع الجغرافي لمصر وتونس، أصبحت الدولتان ليس فقط ميناءين، لكنهما أيضا مهدا للمهاجرين من دول العالم المختلفة، ما أثَّر في الحياة الثقافية وجعل منها مزيجا من ثقافات شعوب تنتمي للشرق والغرب. أمَّا الالتقاء الحقيقي فبدأ بالتبادل الثقافي الناشئ من كون مصر المعبر الرئيسي لحجاج آل البيت من تونس وبلاد المغرب، ما ترتب عليه تبادل ثقافي وتفاعل إنساني بين الحجيج والشعب المصري، وظهرت على إثره هجرات من تونس إلى مصر، وبالعكس. ويذكر التاريخ هجرة «بني هلال» و»بني سليم» من مصر إلى تونس، التي تحدَّثت عنها السير الشعبية العتيقة، وعرفت باسم «السيرة الهلالية» في مصر، و«الجازية الهلالية» في تونس.

أمَّا الجانب الطريف في تلك التوأمة الأدبية هو، أن أعلام الأدب والفن، اتخذوا من مصر ليس فقط وطنا ثانيا، بل وطنا أمّاً. ونخص بالذكر شاعر العامية الفذَ بيرم التونسي (1893-1961) الذي ولد في مصر لعائلة تونسية تعيش في مدينة الإسكندرية في مصر، وكان تأثير بيرم التونسي في حركة شعر العامية في مصر ذا صدى واسع؛ لاستخدامه تراكيب لغوية دارجة وصادمة مصدرها مفردات الحياة اليومية، التي جعلت الشعراء المخضرمين يخشون من تأثيره الواسع في اللغة العربية الفصحى. ومن الجدير بالذكر، أنه تقابل مع الموسيقار الثوري سيد درويش، الذي وجد معه ضالته في التعبير عن سخطه على العائلة المالكة. وبناء على طلب من سيد درويش، ألَّف أوبريت «شهرزاد» التي عرّض فيها بالاستعمار الإنكليزي والأسرة الحاكمة بطريقة مستترة، تلهب حماسة المصريين من خلال عمل فني يمجّد مناقب الشعب المصري؛ لتتأجج نيران الحماسة في صدورهم، ما يدفعهم لمقاومة الإنكليز. ومن ناحية أخرى يفنّد بها سيد درويش وبيرم وصف المستعمر للشعب المصري بالخانع الضعيف. ولم تكن تلك المرَّة الأولى التي يستخدم فيها بيرم التونسي أشعاره منبرا سياسيا؛ ومن ثمَّ، نفته العائلة المالكة إلى وطنه الأم تونس، ولقسوة القرار على نفسه، جاهد بيرم ليعود لما يعتبره وطنه الحقيقي (مصر).

والحديث عن العمق الثقافي والفنّي بين البلدين طويل، ويكفي فخرا معرفة أن العلّامة عبد الرحمن بن خلدون قدم إلى مصر وتولَّى منصب قاضي قضاة المالكية في القاهرة. وكذلك الكاتب التونسي محمود المسعدي (1911- 2004) كان كاتبا ومفكّرا وسياسيا يتلاقى إنتاجه الأدبي والثقافي لحد بعيد مع الكاتب والمفكّر المصري طه حسين (1889-1973). وبالنظر للفنانين التونسيين، يلاحظ أن مصر قد فتحت لهم ذراعيها، حكومة وشعبا، بل اعتبرتهم جزءا أصيلا في فاعلياتها القومية المهمة.

وبالنظر للثقافة الشعبية، يلاحظ أن تلك التوأمة أصبحت صريحة لحد بعيد، ففي سالف العصر، عندما أرادت الدولة المهدية أن تنتقل من تونس وتجد مستقرا آخر يحتويها، كانت مصر قبلتها، وقد أرست بها قواعد الدولة الفاطمية، التي نقلت معها العمارة والآثار الفاطمية من تونس إلى مصر. وعلى هذا الأساس، تم بناء جامع الأزهر في مدينة القاهرة، على غرار جامع الزيتونة في تونس العاصمة، ليصبح كلاهما منارة للإسلام الوسطي المستنير، وجامعة كبرى لتدريس العلوم الإسلامية.

والأطرف من ذلك، ما يحيط بكلا الجامعين من أسواق؛ فيوجد سوق للعطَّارين وسوق «الِبركة» لبيع المشغولات الذهبية، الذي يشابه سوق «الصاغة» في مصر، وسوق «الياي» الذي يبيع السجاد والأقمشة الحريرية والملابس، تماما مثل «سوق الأزهر» في مصر. وغيرها من الأسواق، مثل «سوق الجديد» الذي تم تأسيسه في منطقة أثرية ليشابه سوق «شارع المعزّ» في مصر. وهناك أيضا سوق «البلاط» و»سوق الكتبية» الذي ينشط فيه بيع الكتب والأدوات المدرسية، تماما كما هو الحال في مصر في سوق «الفجالة» الذي يتجاور فيه سوق بيع الكتب والأدوات المدرسية مع سوق بيع السيراميك والأدوات الصحية. ويجب أن لا ننسى في هذا الشأن سوق «الكبابجية» في تونس، الذي يشبه محلات بيع الكباب والمشويات في مصر في منطقة الحسين.

ويتبرَّك المصريون بالعديد من الأولياء الصالحين من الصوفيين وآل البيت، ويتخذون من زياراتهم للأضرحة وسيلة للتخلُّص من الهموم والمشكلات، ويصاحب الزيارة الوفاء بالنذور، أو ربط شريط قماشي أو خصلة من الشعر بالضريح كوسيلة للوصول لغايتهم. ومن أشهر الأضرحة في مصر ضريح وجامع «السيّد البدوي» في مدينة طنطا. وعلى الغرار نفسه، توجد في تونس أساطير وحكايات عن الأعمال الخارقة التي يقوم بها أهل البركة والمرابطون ذوو القداسة، ومن أشهر المرابطين «سيدي قضي الحوايج» واسمه الحقيقي أبو حفص عمر بن الصافي، وقد اكتسب كنيته هذه لاعتقاد الناس أنه يحقق أمنياتهم مهما كانت. ولا يكتفي التونسيون بالتبرُّك به، بل يقدمون له الهدايا والنذور. ويعتقد البعض في قدراته عند طلب أمنية، ويقومون بعمل عقدة قوامها قطعة قماش رفيعة، وحينما تنفك العقدة تزول المشكلات وتتحقق الأمنيات.

والطريف أيضا مظاهر الاحتفال بالأعراس التونسية، ففي مصر «ليلة الحنَّة» يقابلها في تونس ما يسمى «الوطية» التي يرتدي فيها الشاب والفتاة ملابس تقليدية جميلة كـ«الجبة» للشاب و«القفطان» للفتاة ويعقد القران في أجواء احتفالية مميزة وتزيَّن موائد طعام المهنئين بالأكلة التونسية المشهورة الكسكسي والطاجين والسلطة المشوية. وفي اليوم الأخير من الاحتفال بالزواج، يقصد الشاب والفتاة صالونات للحلاقة والتجميل، ثم يصطحب العريس عروسه إلى منزل والديها ثم إلى قاعة الأفراح لينتهي الاحتفال البهيج بقصد أحد الفنادق لقضاء شهر العسل، تماما كما يحدث في مصر باستثناء طعام الكسكسي. ولم يقتصر الأمر عند ذلك، فكما يحتوي الزفاف في مصر على طقس «قرص» المهنئات العروسة كفأل حسن للزواج السريع، ويصاحبها قول «أقرصك في ركبتك لأحصلك في جمعتك (أي الأسبوع نفسه)» تقوم العروس في تونس بعمل ما يسمى بـ«بربورة التظريفة» والتي تخرج فيها ليلا بمصاحبة أخوانها وصديقاتها، وتختفي خلف شجرة زيتون. ثم تجتث منها فرعا تضرب به المارة كفأل حسن لزواج المضروب في أسرع وقت.

ما تم سرده سابقًا من مظاهر توأمة بين الحضارتين والبلدين، هو أقل القليل؛ فمظاهر التوأمة تفرد لها مجلَّدات كبرى.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here