في ذكرى ميلاد عادل إمام الـ85: دروس في إدارة الموهبة

1
في ذكرى ميلاد عادل إمام الـ85: دروس في إدارة الموهبة
في ذكرى ميلاد عادل إمام الـ85: دروس في إدارة الموهبة

أفريقيا برس – مصر. ابتعد عادل إمام عن الساحة الفنية منذ سنوات، لتأتي ذكرى ميلاده الـ85، اليوم السبت، وتعيده إلى ذاكرة المجتمع وأهل الفن الذي افتقدوا أعماله، التي ظلت مهيمنة طوال نصف قرن على شاشات السينما والتلفزيون والمسرح.

امتلك عادل إمام الموهبة، لكنه انفرد دون غيره بقدرته على إدارة تلك الموهبة ليبقى طوال عقود في القمة. كثرٌ هم الموهوبون، لكن قليلون من يستطيعون التعامل مع الزمن والوجود والاستمرار على القمة. أجيال من ممثلي الكوميديا تراجع حضورها مع التقدم في السن، فإما غابت عن الشاشات، أو انتقلت من فشل إلى فشل بلا أي تطور. أما عادل إمام، فهو واحد من القلة التي حافظت على الاسم والوجود بقوة، متنقلاً بين الكوميدي والتراجيدي بسهولة، متفهماً تحولات الزمن ومتطلباته، حتى لحظة إعلان اعتزاله في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

في لقاء أجراه مفيد فوزي معه أثناء تصوير فيلم “المنسي”، صرّح بأن منافسه الوحيد هو الزمن، لهذا كان نجاحه في البقاء بطلاً رئيسياً على مدار نصف قرن تقريباً أمراً جديراً بأن يدرس. ومقارنة بنجوم فترة السبعينيات من القرن الماضي، لم يتخل عادل إمام عن الدور الرئيسي في أي عمل فني، بل استوعب الأجيال الجديدة في أعماله سواء على شاشة السينما أو التلفزيون.

البداية من المسرح

“الزعيم” مثالٌ للفنان الذي بدء مشواره الفني من الصفر معتمداً على موهبته فقط. كانت البداية حين شارك في مسرحية “أنا وهو وهي” مع العملاقين المخرج عبد المنعم مدبولي إخراجا والممثل فؤاد المهندس، لينطلق دسوقي كاتب المحامي بجملته الشهيرة “بلد شهادات صحيح” عام 1963. لاحقاً، شارك بأدوار ثانوية في عدة أعمال رسخت موهبته وجهاً من الوجوه الشابة المبشرة في الكوميديا مثل “إجازة بالعافية” (1966)، و”مراتي مدير عام” (1966)، و”لصوص لكن ظرفاء” (1968)، و”عفريت مراتي” (1968) وغيرها، لكنها لم تكن كافية للوصول إلى دور البطولة المطلقة لعدم تطابق ملامحه مع المواصفات السائدة آنذاك لنجوم الصف الأول.

قضى عادل إمام سبع سنوات في أداء أدوار مساندة، قبل انطلاقته المسرحية وتحقيقه شعبية كبيرة بدور بهجت الأباصيري في مسرحية “مدرسة المشاغبين” عام 1970. وعلى الرغم من أن المسرحية تنتمي لفئة البطولة الجماعية، فإنها أبرزت قدرات الممثل المسرحية، وحققت له شعبية ونجومية كبيرة، دفعت المنتج والمخرج سمير خفاجي لإعطائه أول دور بطولة مطلقة في مسرحية “شاهد ماشفش حاجة” عام 1976 التي حققت نجاحاً ساحقاً. لم يتجاوز عدد أعمال عادل إمام على الخشبة أربع مسرحيات، لكن عرض كل واحدة منها كان يستمر سنوات نتيجة الإقبال الجماهيري الكبير في مصر، أو حتى في الدول العربية.

“الزعيم” يدخل عالم السينما

كانت أول بطولة مشتركة للزعيم في السينما مع الممثل سمير صبري في فيلم “البحث عن فضيحة” الصادر عام 1973، والذي حقق نجاحاً كبيراً، وتحول العديد من جمله الحوارية إلى “إفيهات” على لسان الجمهور عابرة للزمن. طوال فترة السبعينيات، شارك عادل إمام في أفلام بارزة عدة، مثل “البحث عن المتاعب” (1975) و”البعض يذهب للمأذون مرتين” (1978)، إضافة إلى “إحنا بتوع الأتوبيس” (1979).

كان عادل إمام، إضافة إلى أحمد زكي (1946 ــ 2005)، من الممثلين الذين غيروا مواصفات البطل السينمائي السائدة في السينما المصرية آنذاك، والتي كانت تعتمد على الوسامة وملامح الرجولة الواضحة، مثل عمر الشريف ورشدي أباظة وكمال الشناوي وغيرهم.

مع تقدم “وحش الشاشة” الممثل الراحل فريد شوقي في العمر، لم يعد ملائماً لدور البطل الشعبي، وغابت هذه الشخصية عن الشاشة حتى أعادها عادل إمام، ممثلاً للطبقة المتوسطة، يشبهها في ملامحها المتعبة وصراعها اليومي مع الحياة. قصة شعر ثابتة لم تتغير طوال مسيرته، وبدلة “جينز” بسيطة من الأسواق الشعبية، اختفت لاحقاً مع تقدمه في العمر واتجاهه إلى نوعية أعمال مختلفة. انتقل الممثل من نجاح إلى نجاح، ووجد فيه الجمهور ضالته، فهو البطل القوي الذي يحقق له أحلامه على الشاشة من مواجهة الظلم والقهر والانتصار عليهما.

خلال الثمانينيات، لعب عادل إمام دور البطولة في العديد من الأفلام، مثل “الإنسان يعيش مرة واحدة” (1981)، و”حتى لا يطير الدخان” (1984)، و”الغول” (1983)، و”المشبوه” (1981)، و”حب في الزنزانة” (1983)، إضافة إلى “الحريف” (1984). وعلى الرغم من تحقيق الفيلم الأخير نجاحاً على المستوى النقدي، إلا أنه فشل تجارياً، ربما لأن الجمهور لم يتقبل شخصية “فارس” المنهزم المنسحق تحت وطأة الحياة ومصاعبها، وهو ما جعل الممثل الشهير يندم على مشاركته فيه.

مراحل مختلفة في مسيرة عادل إمام

رأت الناقدة فايزة هنداوي أن “عادل إمام ظاهرة فنية استثنائية ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على الصعيد العالمي أيضاً، إذ يُعد من القلائل الذين حافظوا على مركز البطولة طوال هذه السنوات الطويلة”. كما لفتت إلى أنّه يتميز، بالإضافة إلى موهبته الفذة، بذكاء حاد، حيث كان يختار بعناية شركاءه في كل مرحلة فنية. وذكرت هنداوي تعاون عادل إمام مع الكاتب الكبير وحيد حامد في أفلام حملت رؤى عميقة، ثم مع يوسف معاطي، وبعدها انتقل إلى التعاون مع جيل جديد من الكتاب الشباب، كما حرص على دمج الممثلين الصاعدين في أعماله. أضافت: “هذا الذكاء في اختيار العناصر الفنية، من كتاب ومخرجين وممثلين، جنباً إلى جنب مع شعبيته الجارفة، مكّنه من بناء جمهور عريض يضم جميع الفئات العمرية. كما ساهمت شعبيته الواسعة في العالم العربي في تعزيز توزيع أعماله. كل هذه العوامل جعلته يحافظ على مكانته نجماً أول حتى آخر لحظة في مسيرته الفنية”.

من جهته، قال السيناريست والناقد جمال عبد القادر، إن عادل إمام حرص على التجديد المستمر، خاصةً في أفلام الكوميديا التي اعتمد بعضها على اقتباسات من أفلام أجنبية، مثل “عريس من جهة أمنية” (2004) و”مرجان أحمد مرجان” (2007)، كتبها يوسف معاطي. كذلك، تميز إمام، وفقاً لعبد القادر، بإنتاجه أعماله من خلال شركة عصام إمام، ما منحه استقلالية في الاختيار، على عكس النجوم الآخرين الذين اعتمدوا على المنتجين في فتراتهم الأخيرة. أضاف: “توقف نور الشريف عن الإنتاج في مرحلة متأخرة من مسيرته، وواجه محمود عبد العزيز تحولات في سوق العرض والطلب، فيما حافظ عادل إمام على سيطرته على السوق من خلال إنتاجه الخاص”.

بالإضافة إلى ذكائه الفني وقدرته على التطور، ساعد تعاون عادل إمام مع كتاب ومخرجين مثل وحيد حامد ومخرجين مثل شريف عرفة في تجديد مسيرته. فقد ابتعد مؤقتاً عن السينما بعد فيلم “حنفي الأبهة” (1990) الذي لم يحقق النجاح، ليعود بعدها بأربعة أفلام ناجحة مع هذا الثنائي، انتقل بعدها بين الكوميديا كما في “بخيت وعديلة” (1995)، والأعمال السياسية، ما وفر له تنوعاً أسهم في استمراريته.

لكن في النهاية، مثل أقرانه، توجه عادل إمام للدراما التلفزيونية بعد تراجع أفلامه السينمائية مثل “زهايمر” (2010) و”أمير الظلام” (2002) و”بوبوس” (2009)، حيث قدم أربعة مسلسلات لم تحقق جميعها النجاح المطلوب. وهنا نجد تشابهاً في المسارات، فمحمود عبد العزيز توجه أيضاً للدراما التلفزيونية بعد “إبراهيم الأبيض” (2009)، كما قلّ إنتاج نور الشريف السينمائي في سنواته الأخيرة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here