أفريقيا برس – مصر. بين ضفتي النيل في جنوب مصر، يخطف معبد فيلة الفرعوني الشاهق أنظار الزوار، خاصة السياح الذين يتوافدون سنويًا لاكتشاف أسرار التاريخ المصري القديم المنحوتة على جدران المعبد.
مقابل نحو 800 جنيه مصري (ما يعادل 16 دولارًا)، خاضت “الأناضول” رحلة ربيعية عبر النيل بمركب تقليدي انطلق من ضفاف محافظة أسوان، وصولًا إلى معبد فيلة، الذي بدأ بناؤه في عهد الملك بطليموس الثاني (285 – 246 ق.م)، واستكمله عدد من ملوك البطالمة، وخصص لعبادة الإلهة إيزيس، إحدى أشهر المعبودات في التاريخ المصري القديم.
عشرات السياح في ذلك التوقيت الربيعي كانوا يتجهون إلى مراكب معدّة مسبقًا للوصول إلى المعبد، الذي يُعرف بأساطيره المرتبطة بالمعبودة إيزيس.
دقائق قليلة على متن المركب كفيلة بأن تشعل فضول الزائر، إذ يبدو معبد فيلة من الخارج كصرح شاهق يطل من قلب النيل، ويخفي بين جدرانه الكثير من الأسرار.
أساطير “المحبوبة”
ويقول مجدي شاكر، أحد أبرز خبراء الآثار في مصر، إن “معبد فيله يُعد من أروع المعابد في تاريخ مصر القديم، إذ يقع في قلب نهر النيل وتتم زيارته عبر المراكب، ولا يختلف اثنان على الطاقة الإيجابية التي يشعر بها الزوار وهم يعبرون بين مياه النيل وآثاره الشاهقة والمبهرة”.
ويضيف أن اسم “فيلة” يعني في اللغة الإغريقية القديمة “المحبوبة” أو “الحبيبة”، في إشارة إلى المعبودة الشهيرة إيزيس التي خُصص لها المعبد.
وأشار إلى أن المعبد الذي يعود للعصر اليوناني الروماني يحمل أساطير عديدة، منها ” أنه مكان مبروك ومقدس تنال منه البركة، وأيضا أسطورة تعود لمعبودته إيزيس التي قيل إن فيضان النيل ارتبط ببكائها على زوجها أوزيريس، باعتبار أنها كلما فاضت بدموعها الغزيرة عليها امتزجت بمياه النيل وحدث الفيضان، فضلا على أنها معبودة عالمية أيضا”.
وتقول تقارير صحيفة مصرية سابقة إن تقديس إيزيس انتشر من مصر إلى بلاد اليونان في القرن الرابع قبل الميلاد، ثم انتشر إلى صقلية في القرن الثالث، وإلى إيطاليا في القرن الثاني، ثم انتشر بعدئذ في جميع أجزاء الإمبراطورية، عثر على صورها المقدّسة على ضفاف نهرى الدانوب والسين، وكُشف عن آثار معبد لها في لندن.
وكانت إيزيس وزوجها أوزوريس وابنهما حورس أهم ثلاث شخصيات في الأساطير المصرية القديمة، تشابهت قصتهم مع واحدة من أكثر كتابات شكسبير مأساوية.
مثلت إيزيس إحدى أهم الشخصيات في العالم القديم، عُرفت كمعالجة، واهبة للحياة، وحاميةً للملوك! لم تشتهر أسطورتها فقط في زمن المصريين القدماء، لكنها انتشرت في جميع أنحاء اليونان والإمبراطورية الرومانية.
وشُيد لها لاحقاً معبداً خاصاً في لندن، بحسب ما ذكر تقرير نقلته شركة “الضوء والصوت” المعنية بعروض ضوئية بمناطق الآثار المصرية ليلا عن المعبد عبر موقعها الإلكتروني.
نقل تاريخي
ويستأنف الخبير الأثري مجدي شاكر حديثه، مشددًا على الأهمية التاريخية الفريدة لمعبد فيلة، إذ يُعد آخر المعابد الوثنية في مصر، وآخر معبد شهد ممارسة الطقوس الدينية للمصريين القدماء.
ويضيف أن قصة نقل المعبد من جزيرته الأصلية إلى جزيرة أخرى مجاورة، رغم ضخامته وتعقيد بنائه، تُعد إنجازًا هندسيًا فريدًا “يفوق الوصف”، وقد سُجّل ضمن أبرز المشاريع الأثرية في مصر، مؤكدًا أن هذه القصة “تستحق أن تُوثق في فيلم سينمائي يكشف تفاصيلها المبهرة للسياح والعالم”.
كان معبد فيلة، شأنه شأن الأهرامات الثلاثة، واحداً من أبرز المقاصد السياحية في مصر خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث توافد عليه الزوار من مختلف أنحاء العالم.
وقد حالف الحظ أولئك الذين زاروه آنذاك، إذ تمكنوا من رؤية جدرانه وأعمدته المزينة بألوانها الزاهية كما كانت في هيئتها الأصلية.
غير أن بناء السد العالي في ستينيات القرن الماضي أدى إلى غمر جزيرة فيلة بالكامل بمياه النيل، ما تسبب في اختفاء تلك الألوان الزاهية إلى الأبد، وفق ما ذكره تقرير صادر عن شركة “الضوء والصوت”.
في فترته الأولى، قبل أن يُنقل من موقعه الأصلي، وثّقت كاتبة السفر البريطانية الشهيرة أميليا إدواردز زيارتها الأولى إلى معبد فيلة عام 1873، ووصفت المشهد بعبارات شاعرية تفيض بالانبهار.
تقول إدواردز: “من مستوى قارب صغير، تبدو الجزيرة بأشجارها وأعمدتها وكأنها ترتفع من النهر كسراب. الصخور المكدسة كانت تحيط بها من كل جوانب الجبل الأرجواني الراقد في الجوار. ومع انزلاق القارب بجانب الصخور اللامعة، ارتفعت الأبراج المنحوتة في السماء. كانت تبدو صلبة، فخمة، وكاملة؛ لدرجة تجعل المرء ينسى كل شيء في تلك اللحظة”، وفق ما نقلته شركة “الضوء والصوت”.
وبالفعل، جرى نقل 4 آلاف و200 كتلة أثرية إلى إجيليكا، وفي 1977 انتهت عملية نقل وترميم وإعادة تركيب أجزاء المعبد بدقة، وجرى افتتاحه أمام الزوار في 1980.
ووفقًا لما ذكرته شركة “الصوت والضوء”، فقد أنقذ المشروع المشترك بين منظمة اليونسكو والحكومة المصرية معبد فيلة من الغرق في أعماق النيل، بعد أن غمرت المياه جزيرته الأصلية. ولا تزال الجزيرة القديمة ترقد اليوم في قاع بحيرة ناصر.
ورغم أن الزائرين لا يمكنهم مشاهدة المعبد بألوانه الأصلية كما كانت قبل الغمر، إلا أن هيكله لا يزال قائمًا في حالة مدهشة، تكشف بوضوح لماذا كان هذا المعبد يحظى بمكانة خاصة لدى المصريين القدماء.
تنوع أثري
ووفق وزارة الآثار المصرية، تشمل آثار فيله مبانٍ عديدة يعود تاريخها إلى العصر البطلمي (332-30 ق.م)، أبرزها معبد فيله.
فيما يُعتبر معبد إيزيس إسطوريا، لكونه أحد أكثر المعابد المصرية القديمة استمرارا، إذ ظل المعبد يؤدي دوره حتى عهد الملك البيزنطي جستنيان الأول (527 – 565 م)، الذي أمر بإغلاق المعابد الوثنية.
ومن أبزر مناظر هذا المعبد الرئيسي المنحوتة على جدرانه، المنظر المصور للمعبودة إيزيس على جدران الماميزي (حجرة الولادة) وهي تقوم بإرضاع طفلها المعبود حورس، وهي الحجرة التي كان يتم فيها الاحتفال بولادة هذا المعبود.
وبجوار معبد إيزيس يوجد آخر مكرس لحتحور، بناه بطلميوس السادس (180 – 145 ق.م)، وأغسطس أول إمبراطور لروما (30 ق.م. – 14م).
ولا تزال مقصورة تراجان (98 – 117 م)، المقامة أمام معبد فيله قائمة، على الرغم من أن سقفها لم يعد موجوداً. وعلى مر التاريخ جذب الترتيب المنتظم لأعمدتها أنظار الرحالة فقاموا بوصفها وتصويرها، حسب الوزارة.
وبخلاف تلك المناظر، “يمكن ليلا أن تشاهد عروض الصوت والضوء وهي تجربة شيقة حيث يعكس ضوء المباني والصخور البركانية علي المياه التي تحيط بالمعبد، بحسب ما تذكره محافظة أسوان التي تحتضن المبعد عبر موقعها الإلكتروني.
ترويج أكبر مطلوب
وينبه الخبير الأثري المصري الدكتور مجدي شاكر على أن المعبد أيضا به مناظر محفورة على جدرانه تبرز بشكل بارع كيف يتخيل المصريون القدماء للنيل وأنه يأتي من بين الجبال.
ويؤكد شاكر على أهمية الترويج لمعبد فيلة بشكل أوسع، ليأخذ مكانته التي يستحقها كأحد أبرز المزارات السياحية في مصر، مشيراً إلى أن موقعه الفريد في قلب النيل يمنحه سحرًا خاصًا ليلًا ونهارًا.
ويقترح إقامة حفلات موسيقية وعروض أوبرا تستلهم قصة حب إيزيس لزوجها أوزوريس ومصرعه، وما قامت به من أجل إعادته إلى الحياة، في أجواء درامية مشوقة من شأنها جذب أعداد كبيرة من السياح سنويًا، إلى جانب الترويج لقصة نقل المعبد نفسها باعتبارها إنجازًا تاريخيًا يستحق التوثيق والعرض.
المصدر: وكالة الأناضول
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس