من رسالة الشافعي إلى الوقائع.. إهمال وسرقات غامضة تهدد أرشيف مصر القومي

8
من رسالة الشافعي إلى الوقائع.. إهمال وسرقات غامضة تهدد أرشيف مصر القومي
من رسالة الشافعي إلى الوقائع.. إهمال وسرقات غامضة تهدد أرشيف مصر القومي

أفريقيا برس – مصر. أثارت واقعة اختفاء 6 مجلدات نادرة من مجلة الوقائع المصرية من دار الكتب والوثائق القومية مخاوف وتساؤلات عدة حول تأمين ثروة مصر التاريخية والثقافية ومقتنياتها النادرة الموجودة في دار الكتب وغيرها من المكتبات والمتاحف ودور المحفوظات.

المجلدات المفقودة من أهم وأندر الدوريات الموجودة في دار الكتب، إذ إن مجلة الوقائع المصرية التي أصدرها محمد علي باشا عام 1828 هي أول صحيفة رسمية محلية والأقدم بالعربية في الشرق الأوسط، وكانت توزع على موظفي الدولة وضباط الجيش وطلاب البعثات.

متى اختفت المجلدات؟ وكيف تختفي مقتنيات بهذه الندرة وهذا الحجم بسهولة؟ وهل خرجت من الدار؟ ولماذا لم يعلن مسؤولو الدار عن الواقعة إلا بعد أن كشفتها مصادر إعلامية نهاية الأسبوع الماضي؟

أسئلة حائرة تنتظر تحقيقات داخلية إلى جانب تحقيقات النيابة العامة، وذلك وفق تأكيدات المسؤولين المصريين.

وأكدت وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه من وصفتهم بالمقصرين في الواقعة، موضحة -في تصريحات متلفزة- أن هناك بعض الموظفين محتجزون بالفعل على ذمة التحقيقات التي يتم إجراؤها، مشيرة إلى صدور قرار بجرد المخازن التي اختفت منها المجلدات، ومراجعة الإجراءات التأمينية للدار، بما في ذلك خروج المستندات من إدارة المخازن للتصوير وعمل كاميرات المراقبة.

الغموض الذي أحاط باختفاء المجلدات رغم أهميتها البالغة أعاد إلى الأذهان حالات مماثلة اختفت فيها مئات الوثائق والكتب والمخطوطات النادرة من دار الكتب، أشهرها سرقة مخطوطة “الرسالة” للإمام الشافعي.


اختفاء غامض

لم يحدد المسؤولون على وجه التحديد متى اختفت مجلدات “الوقائع”، لكن رئيس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية نيفين موسى قالت في تصريحات صحفية إنه تم إخطارها في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي باختفاء المجلدات الستة.

ورغم ذلك أشارت المسؤولة المصرية إلى أن التحقيقات لم تبدأ إلا بعد تقديم مذكرة رسمية بفقدان المجلدات في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لتبدأ الشؤون القانونية في إجراء تحقيقات داخلية ما زالت مستمرة، وإبلاغ مباحث الأموال العامة التي شرعت في تحقيقات انتهت بتحويل القضية إلى النيابة العامة.

ونفت موسى ما نقلته مواقع إخبارية محلية أن آخر ظهور لهذه المجلدات في الدار كان مع مسؤولي سفارة أجنبية يقومون بتصوير بعض الصفحات منها لاستخدامها في مناسبة ثقافية مقبلة. ولفتت إلى أن آخر استخدام لهذه المجلدات كان عام 2020 خلال إعداد الدار كتابا تذكاريا عن مشاركة مصر في المعارض الدولية استعدادا للمشاركة في معرض إكسبو دبي 2021، أُرفقت فيه بعض الصور من أجزاء “الوقائع المصرية”. وأضافت أن المجلدات انتقلت إلى قسم التصوير عالي الجودة منذ عام 2020، وظلت في ذلك القسم حتى اختفائها، حيث رصدت كاميرات المراقبة خروج المجلدات وفق قولها، دون توضيح مزيد من التفاصيل.


صفحات مفقودة

وتمكنت وسائل إعلام من الحصول على نسخة إلكترونية من الكتاب التذكاري الذي احتوى على صور من المجلدات المفقودة ويحمل عنوان “مصر في المعارض الدولية.. 170 عاما من التأثير والإبهار 1851-2021′′، وتظهر فيه صور من مجلة الوقائع المصرية للأعوام بين 1867 و1875. وتضمنت الصور المأخوذة من المجلدات المفقودة خبرا عن وصول السفينة المصرية المحملة بالمعروضات للمشاركة في معرض باريس في 30 مايو/أيار 1867، وآخر بتاريخ التاسع من مايو/أيار 1875 عن تشكيل قومسيون برئاسة محمد توفيق باشا ناظر (وزير) الداخلية ورياض باشا ناظر الخارجية لتجهيز الجناح المصري في معرض فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأميركية عام 1875.

ودخل البرلمان المصري على الخط، وتقدم أمين سر لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب عبد المنعم إمام بطلب إحاطة بشأن اختفاء المجلدات النادرة، وطالب بالتحقيق السريع ومراجعة مدى جودة عمل وزارة الثقافة ودار الكتب، ومراقبتها للوثائق التاريخية التي تضمها.


إهمال وتقاعس

رواية أخرى عن اختفاء المجلدات ذكرها الشاعر والكاتب الجميلي أحمد تشير إلى أن المجلدات الستة فقدت منذ أكثر من عام ونصف تقريبا، ولم يتم اكتشاف اختفائها إلا عن طريق الصدفة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقال الجميلي -الذي عمل سابقا في دار الكتب وكان عضوا بمجلس إدارة اتحاد كتاب مصر- إن هذه الدوريات خرجت من المخازن قبل عام ونصف تلبية لطلب من رئيس الإدارة المركزية لدار الكتب وقتها مصطفى عبد السميع بصفته باحثا، وتم تسليمها له خارج قاعة الاطلاع على خلاف ما هو متبع في هذه الحالات.

وفي مقطع مصور قبل أيام من كشف الواقعة في الإعلام، أضاف الجميلي أن إدارة المخازن تقاعست عن متابعة مصير الدوريات حتى منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي حين توجه باحث آخر إلى دار الكتب وطلب الاطلاع على الدوريات نفسها لتفاجأ الإدارة باختفائها.

وفجر الجميلي مفاجأة بأن الموظف المسؤول عن تسليم هذه الدوريات كان يعمل في دار الكتب بشكل مؤقت (بنظام اليومية)، وتقدم باستقالته وترك العمل في الدار بعد أسبوعين من استلام المجلدات لتوصيلها إلى رئيس الإدارة المركزية.

وأشار عضو اتحاد الكتاب المصري إلى أن هناك الكثير من الأوراق والمستندات الحكومية المهمة الموجودة في دار الكتب لا تتم أرشفتها، ويُلقى الكثير منها في طرقات المؤسسة المسؤولة عن حفظ التراث المصري من الوثائق الحكومية والكتب وأوائل المطبوعات والدوريات والمخطوطات.

“الرسالة” المفقودة

المجلدات الضائعة أعادت إلى الذاكرة العديد من الحوادث المماثلة التي فقدت فيها دار الكتب بعض كنوزها، وكان أشهرها سرقة مخطوطة “الرسالة” للإمام الشافعي، والتي تعد أقدم المخطوطات المكتوبة على الورق في العالم، وأول كتاب أُلف في علم أصول الفقه، ويرجع تاريخها إلى أواخر القرن الثاني الهجري.

المخطوطة التي تم اكتشاف سرقتها عام 2002 كتبها الربيع بن سليمان تلميذ الشافعي في حياة الإمام خلال إقامته في مصر التي وفد إليها عام 199 هجري.

وبحسب المعلومات التي نشرت لاحقا بشأن المخطوطة النادرة، فقد تمت سرقتها خلال احتفالية يوم الوثيقة العربية في أكتوبر/تشرين الأول 2002، ورغم التحقيقات والاستجوابات الأمنية والبرلمانية لم يعثر على أثر للمخطوطة.

لكن في عام 2018 نقلت صحيفة الوطن المصرية عن عضو هيئة المخطوطات الإسلامية بجامعة كامبردج البريطانية فيصل الحفيان قوله إن مخطوطة الإمام الشافعي ظهرت قبل سنوات في أحد مزادات لندن وبيعت لمشتر مجهول، لتختفي إلى الأبد.

أجرت دار الكتب جردا بعد اكتشاف اختفاء “الرسالة”، ليتضح اختفاء نحو 300 مخطوطة أخرى، بينها 109 مصاحف بخط اليد، لكن المسؤولين قرروا إخفاء الأمر، واكتفوا بتقرير عن فقد مخطوطة الرسالة فقط خشية التعرض للمساءلة، بحسب ما ذكره الرئيس السابق لقسم الترميم اليدوي في دار الكتب بكري سلطان في تصريحات سابقة لصحيفة “الوطن”.

وكان سلطان من مؤسسي “رابطة ثوار دار الكتب والوثائق” بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، ودعا وقتها للقيام بعمليات جرد لمخطوطات الدار وكشف المفقود منها، محذرا من الإهمال الذي يتعرض له أرشيف مصر الوطني المتمثل في آلاف الوثائق والدوريات وطبعات الكتب الأولى التي تواجه خطر التلف أو الفقدان.

بدوره، أكد أحمد عبد الباسط الباحث في مركز تحقيق التراث والمشرف السابق على قسم المخطوطات والبرديات والمسكوكات في دار الكتب في تصريحات صحفية سابقة أن مئات المخطوطات نهبت من دار الكتب، وفق ما أظهرته عمليات الجرد التي أجريت أعوام 1976 و1985 و1998 و2002.

عملية إنقاذ

مصير رسالة الإمام الشافعي كاد يلحق بمخطوطة “المختصر في التاريخ” التي ألفها محيي الدين الكافيجي المتوفى سنة 879 هجرية، ويعالج فيها الجانبين النظري والتطبيقي لعلم التاريخ، والتي اكتشفت سرقتها من دار الكتب عام 1976.

ظلت المخطوطة التي كانت تحمل رقم “528 تاريخ” في دار الكتب المصرية مختفية لنحو 42 عاما حتى ظهرت ضمن معروضات أحد مزادات دار بونهامز عام 2018، لتتدخل السلطات المصرية وتتمكن من إثبات ملكية المخطوطة لدار الكتب المصرية، لتعود مجددا إلى مصر.

وفي العام نفسه، نجحت مصر في وقف بيع مخطوطة نادرة للسلطان المملوكي قنصوة الغوري سرقت من دار الكتب وهرّبت إلى الخارج منذ حوالي 130 عاما، وكان مقررا عرضها للبيع في صالة “سوثبي” للمزادات بلندن.

وقالت السلطات المصرية وقتها إن المخطوطة كانت مثبتة في سجلات دار الكتب المصرية منذ عام 1884، وحتى عام 1892 ثم اختفت بعد ذلك قبل ظهورها في المزاد العالمي.


نزيف مستمر

ولا تتوقف سرقة الكتب والمخطوطات النادرة على دار الكتب وحدها، وإنما تمتد إلى العديد من المكتبات الجامعية والعامة ودور المحفوظات.

وكثيرا ما أعلنت السلطات المصرية خلال السنوات الماضية عن إحباط محاولات لتهريب كتب ووثائق ومخطوطات نادرة خارج البلاد، وفي المقابل تخرج مئات أخرى ويتم بيع بعضها في مزادات عالمية.

وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وافقت لجنة الإعلام والثقافة في مجلس النواب على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 8 لسنة 2009 بشأن حماية المخطوطات.

وتنص التعديلات على إنشاء لجنة دائمة من الخبراء في الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية تختص بوضع المعايير التفصيلية الخاصة بالمخطوطات وصيانتها وحفظها وترميمها ورقابتها، مما يكفل المحافظة عليها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here