يسقط الخائن… نور الشريف

9
يسقط الخائن... نور الشريف
يسقط الخائن... نور الشريف

افريقيا برسمصر. هكذا اتّهم الفنان الكبير نور الشريف في وطنيته، ورُمي بأقذع الشتائم، ودُبّرت له فبركات تطعن في كيانه وتصفه بالعمالة والخيانة. لم يقرب هذا الفنان أي شيء يشكك بوطنيته أو أخلاقه، إلا أنه قَدّم فيلماً عن رسام الكاريكاتير ناجي العلي، من إخراج عاطف الطيب، وتأليف بشير الديك.

من لا يعرف أو يقرأ عن ناجي العلي، الذي تميزت رسوماته بالنقد الصريح للأنظمة العربية؟ كان انتقاده الدائم والدائب لمنظمة فتح الفلسطينية سبباً رئيسياً لشهرته ومعاناته بآن واحد.

تجرأ ناجي أكثر وأكثر على نقد زعيم فتح ياسر عرفات. وقد أثار حفيظة الأخير. حاولت كثير من الأطراف ثني هذا الفنان المتمرد عن طريقه الذي اختطه بوصفه طريقاً تصادمياً عنيفاً، ويثير حفيظة الكثير من الأطراف ضده، بل ويؤلب عليه حتى من كان يتعاطف معه أيضاً.

لكن العلي، بعناد الفنان المتمرد، أبى أن يعدل من طريقته وتصرفاته، فكانت النتيجة، اغتياله في لندن من قبل مجهول، وطويت صفحة الفنان ناجي العلي ونهايته المأساوية.

بالطبع كان الصمت لمصلحة كل الأطراف، حتى ينسى الناس ما كان يقدمه هذا الفنان الثائر. إذاً نستطيع أن نتفهم الحملة الضارية التي شُنّت على نور الشريف عندما أقدم على تقديم فيلم ناجي العلي.

لنعد إلى مرحلة إنتاج الفيلم، فنظام مبارك وقتذاك كان قد قرر معاقبة نور الشريف. انبرت كبريات الصحف القومية، بقيادة الكاتب إبراهيم سعدة في الهجوم الضاري على نور الشريف لمدة ستة شهور متوالية، واصفة إياه بـ “العميل الخائن”، الذي بنظرهم، باع نفسه من أجل حفنة دولارات.

الحملة هدفت للإشارة إلى تولي نور الإنتاج التنفيذي للفيلم في لبنان. اتُهم نور بأنه لم يبال بالشتائم التي كيلت ضِدّ ذلك “الرسام الوضيع”… هكذا وصفوه بسخرية في مصر. بالطبع الكلام الجارح والرديء ضِدّ الشريف لم يكن صحيحاً، ولكن أمام ماكينة الإعلام الرهيبة، بدأت الصورة الذهنية للفنان الرائع تهتز عند الجمهور المصري.

ووصل الأمر إلى إحجام شركات الإنتاج عن التعاون معه، حتى شركات تأجير معدات الإضاءة والتصوير أوقفت التعامل معه. وبالتبعية رفضت شركات التوزيع وضع اسمه على أي فيلم مزمع إنتاجه. هكذا نجحت تلك الحملة الممنهجة والمتلاحقة في لف طوق الحصار على نور الشريف.

الرسالة واضحة: نوع قاسٍ من تقليم الأظافر، وأيضاً إرسال رسالة لكل من يفكر في التغريد خارج السرب. استطاع الشريف بعناده وروحه القوية، أن يتجاوز تلك الأزمة، ويخرج في نهاية الأمر بأقل الخسائر، ويعود مرة أخرى إلى دائرة الضوء أقوى مما كان.

لكن يبقى السؤال: إلى متى نتهم من يختلف معنا أو يغرد خارج السرب بالعمالة والخيانة؟ ألا يقول المنطق إنه بهذا الأسلوب الفاشي، لا يمكن أن يُنتج سوى مجتمع مذعور، يحترف الديماموغية والشعبوية حياة له.

أدعو لأن ننبذ طريقة التفكير هذه في إدارة مجتمعاتنا، لأن كل المجتمعات والدول التي اختطت لنفسها هذه الطريقة من التفكير انتهت نهايات كارثية. أطمح وأحلم بتغيير هذا النهج الآن وليس غداً، من أجل مستقبل أجمل.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here