عقارات مصر الفاخرة… مدن أشباح تبتلعها الصحراء

عقارات مصر الفاخرة... مدن أشباح تبتلعها الصحراء
عقارات مصر الفاخرة... مدن أشباح تبتلعها الصحراء

أفريقيا برس – مصر. فيما يكابد المصريون موجات تضخمية قاسية ممتدة منذ سنوات تحد من قدراتهم المالية، سجل سوق العقارات زيادة كبيرة في الأسعار، مواكبة لعروض هائلة من وحدات الإسكان الفاخر وفوق المتوسط، يقيمها مطورون محليون وأجانب، وسط حالة ركود واضحة في المبيعات تعكس تراجع القدرة الشرائية لمعظم المواطنين.

يشهد السوق العقاري مفارقة، حيث ارتفعت أسعار البيع بمعظم الشركات بنسب تتراوح ما بين 25% إلى 50% خلال الفترة من إبريل/ نيسان إلى سبتمبر/ أيلول 2025، وفقاً لتقديرات محللين عقاريين، خاصة بمشروعات العاصمة الإدارية والشيخ زايد والقاهرة الجديدة بالإضافة إلى الساحل الشمالي الممتد لأكثر من 500 كيلومتر الذي تحول إلى “مدن أشباح” وفقاً لأراء خبراء في القطاع ورصد ميداني.

امتدت الظاهرة لتشمل مشروعات العاصمة الإدارية وكثيراً من المجمعات السكنية “كمبوندات” المدن الساحلية والمحيطة بالقاهرة الكبرى، في ظاهرة يرجعها مطورون عقاريون إلى انخفاض مبيعات الوحدات الجديدة بنسب تتراوح ما بين 30% – 40% خلال العام 2025، مدفوعة بتراكم التأخير في تسليم مشروعات متفق عليها منذ سنوات، وتراجع القوة الشرائية للطبقة الوسطى، وتشدد شروط التمويل البنكي للقطاع العقاري وارتفاع الفائدة، والزيادة الكبيرة في تكلفة الإنشاء.

فزع المستثمرين والسماسرة

في جولات ميدانية رصد “العربي الجديد” حالة فزع تواجه المطورين (المستثمرين) والمشترين والسماسرة على السواء، حيث يواجه المطورون زيادة كبيرة في التكاليف وإتاوات مفاجئة تفرضها الحكومة على معظم الأراضي والمشروعات العقارية التي تنفذ حالياً والمستقبلية، ورغم خشيتهم من ارتفاع الأسعار المتراكم منذ عام 2022 الذي شهد انهياراً في سعر الجنيه، يرفضون خفض الأسعار، ويبالغون في بيع وحدات المشروعات الجديدة، وكأنهم في سباق جماعي لقفزات سعرية عالية.

يلقي السماسرة بمسؤولية زيادة الأسعار على المطورين والحكومة، بينما يحملهم الطرفان توابع المغالاة في الحصول على عمولات البيع والإنفاق البذخي على الدعاية لجلب المشترين، من دون داع أو إحراز نسبة عالية من المبيعات، والتي تحمل المشترين تكاليف يمكن الاستغناء عنها بسهولة.

أضاف كثير من المشترين ارتباكاً موازياً في السوق العقاري، مع زيادة المعروض من الوحدات في سوق إعادة البيع “ريسيل” لعدم قدرة الكثيرين منهم على استكمال أقساط الوحدات وشح السيولة، في الوقت الذي يرفض فيه المطورون استعادة أموالهم، بينما أغلب المشروعات تؤجل استلام الوحدات، بما يصعب على المشترين عرضها للبيع في السوق الفوري.

رغم حالة الارتباك والفزع التي رصدها “العربي الجديد” لدى الأطراف المهيمنة على السوق العقاري، تتحرك الأسعار صعوداً يرجعه مطورون إلى أن الشركات تضع أسعارها على أساس “تكلفة البناء المستقبلية” وليست الحالية، تحسباً لأي موجة تضخم جديدة أو تغير متوقع في سعر الصرف، بينما يرجعه رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس إلى زيادة تكلفة التمويل التي تحسب على أساس سعر الدولار عند 100 جنيه، عدا رسوم الفائدة التي تزيد عن 24% حالياً.

تظهر تقارير بورصة الأوراق المالية صعوداً في مؤشر الطلب على أسهم الشركات العقارية، وارتفاع قيمتها على مدار العام بنسب أعلى من القطاعات الأخرى. تعلن شركات عقارية عن عوائد مليارية، بينما تواجه شركات كبرى منها صعوبات هائلة في تنفيذ مشروعات تسببت في توقفها عن تسليم مشروعات معطلة لمدد تتراوح بين عام إلى 5 أعوام، بما يدعو المشترين إلى التظاهر مراراً أمام مقر الشركات للمطالبة بتسليم وحداتهم.

المضاربة والدولار

يقدر محللون عقاريون الطلب على العقار الفاخر وفوق المتوسط بنسبة 35% من المصريين العاملين بالخارج والمستثمرين العرب الراغبين في الاستثمار بمصر. يشهد الساحل الشمالي واحدة من أسرع الطفرات السعرية بالسوق، إذ تجاوز سعر المتر في أغلب المشروعات الجديدة 200 ألف جنيه (الدولار = نحو 47.3 جنيها)، في قيمة وحدات لا تستغل لأكثر من 3 أشهر في فصل الصيف.

يعزو محللون الزيادة السعرية إلى المضاربة وقدرة الشركات على تحويل العقار إلى “استثمار” وليس للبيع سكنا، الأمر الذي يجعل القطاع العقاري متأثراً بشدة بأي اضطراب اقتصادي أو تغير في مستوى الدخل الحقيقي للمشترين.

في اتجاه مغاير يشير مدير غرفة التطوير العقاري أسامة سعد الدين إلى تراجع معدلات طرح الوحدات الجديدة للإسكان الفاخر والمتوسط خلال العام الجاري 2025 عن مثيلاتها العام الماضي، مبيناً أن ذلك يرجع إلى إفراط الشركات الكبيرة والصغيرة في بيع كميات هائلة من الوحدات والمشروعات في 2024 وهي في مرحلة المخططات، بما تطلب منها التفرغ أكثر للتنفيذ خلال 2025 وإلا واجهت مشاكل من الحاجزين الذين ينتظرون تسليم وحداتهم في المواعيد المتفق عليها في العقود، مع وجود احتمالات قوية لزيادة التكلفة مع الارتفاع المستمر في مواد البناء ومستلزمات التشغيل.

يبين سعد الدين وجود خمس قوى تدفع أسعار العقار في أنحاء البلاد لأعلى رغم الركود، منها ندرة الأراضي المطروحة للتطوير، وشراء العقار للتحوط من تغير سعر الصرف فيما يسمى “الدولار العقاري”، وارتفاع تكلفة الإنشاء مع قفزات أسعار الأسمنت والحديد ومواد البناء التي فاقت 100%، مع زيادة الأجور والخدمات الفنية والهندسية، وامتداد أنظمة السداد التي تحمل المشترين زيادة السعر الاسمي للوحدة وعدم دفع “السعر الحقيقي” لها، مع زيادة الفوائد البنكية.

يذكر سعد الدين أن هناك شركات تخالف التعليمات الرئاسية الخاصة بعدم بدء طرح وحداتها للمشترين قبل تنفيذ 30% من المشروع وضمان امتلاكها ملاءة مالية، مبيناً أن أغلب الشركات تضع في حسابات المشروع قيمة الأرض وتكلفة المخططات بما يجنبها مخالفة التعليمات الرسمية، بينما المشروع لم يبدأ على أرض الواقع، بما يستدعي انتباه المشترين إلى هذه النوعية من المطورين وأخذ احتياطاتهم بمزيد من البنود الضامنة لحقوقهم المالية والتنفيذية في العقود.

نقص السيولة

في اجتماعات لجنة المطورين العقاريين بجمعية رجال الأعمال المصريين، أفصح مطورون يمثلون أكبر شركات عقارات مصرية عن تعرضهم لنقص حاد في السيولة، وعدم قدرتهم على الاقتراض من البنوك، التي وضعت القطاع العقاري ضمن قوائم حمراء فلا تمنحه قروضاً إلا بضمانات وفائدة مرتفعة تزيد من تكلفة التمويل وثمن الوحدات.

يذكر الخبير العقاري عبد المجيد جادو أن الأوضاع الاقتصادية تركت آثارها السلبية على القطاع العقاري، ودفعته إلى حالة من الركود، منوهاً بأن صناعة العقار تتجه إلى مزيد من التراجع خلال الفترة المقبلة لأنها أصبحت أكبر من قدرات الطبقة الوسطى، التي تمثل الأغلبية الباحثة عن شراء العقار بهدف الاستثمار أو تحسين الأوضاع المعيشية.

يؤكد جادو أن الأسعار المتداولة للوحدات في المدن الجديدة والقديمة أصبحت غير منطقية، وضغطت على معدلات الطلب التي أصبحت أقل من سنوات سابقة بسبب ارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أن لجوء الشركات إلى بيع الوحدات بالتقسيط على فترات تتراوح ما بين 10 – 12 عاماً مع بقاء الأوضاع الحاكمة للقطاع من زيادة التضخم والتكلفة، قد ينتهي بأن يسقط القطاع العقاري في الكساد، حيث يتوقف الطلب وتنعدم قدرة المستهلكين على شراء وحدات في حدود 80 متراً بقيمة تبدأ من 4 ملايين جنيه كما هو المعروض من كبرى الشركات حول العاصمة والمحافظات.

يشير الخبير العقاري إلى كثرة المعروض من وحدات فاخرة تروج لها الشركات دون أن تتنازل عن تخفيض الأسعار، بينما تتسابق في التسهيلات في الدفع وزيادة مدة الأقساط، مؤكداً أن الأسعار المعروضة لا تمثل قيمة المنشأة، بل يجري تحميلها بفوائد التمويل ومعدلات التضخم والزيادة المتوقعة في الأسعار طيلة مدة القسط، لتصل إلى تلك الأرقام الفلكية من دون إضافة حقيقية في نوعية العقار أو مساحاته.

فقاعة عقارية

يشدد جادو على أن المعادلات السعرية للعقارات في مصر حالياً تصنع فقاعة عقارية كبيرة تؤثر على الطلب وشغف المستهلكين بالشراء، وفي الوقت نفسه لا تؤثر على البنوك ومؤسسات التمويل لأن العقار في مصر يمول من جيوب الشعب والباحثين من الخارج عن فرص استثمار، ممن يتحملون دفع المقدمات والأقساط من جيوبهم أو يحصلون على تمويل بنكي بضمانات خاصة بهم تزيل عن البنوك والجهات الممولة أية مخاطر مالية مفاجئة.

أوضح جادو أن الاستثمار العقاري كان صمام الأمان للبنوك المصرية في الأزمة المالية العالمية عام 2008 بسبب سوء سياسات التمويل العقاري، بينما لم تتأثر مصر لأن حجم التمويل العقاري لم يزد عن 2.7 مليار دولار ساعتها، وكان حجمه في السوق محدوداً جداً بالنسبة لقيمة الاستثمارات التي تحملها المشترون في المشروعات الفاخرة والمتوسطة الواقعة تحت مظلة التمويل العقاري.

وحسب جادو، تأتي الطبقة المتوسطة أكبر الخاسرين من صدمات السوق العقاري، حيث توقفت أغلبها عن الشراء، واتجه بعضها إلى بيع ما يملكونه أو الإيجار بديلا للشراء دون الدخول في عبء تمويلي ضخم، بما يعمق ظهور “مدن الأشباح” مع استمرار السوق في “فقاعة عقارية” تتعاظم مع الوقت، مع صعوبة تراجع الأسعار وتراجع المعروض الجاهز من الوحدات.

يدعو جادو المطورين ومنفذي المشروعات العقارية إلى احترام قدرة المستهلكين المصريين على الشراء، مذكراً بأن المجتمع المصري له قدرة مالية سقفها داخل الطبقة الوسطى الأكثر إقبالاً على الشراء، والتي حدث لها نوع من التشبع حجّم معدل الطلب، بينما تواصل الشركات تحميل المستهلك تكاليف التمويل العالية وفوائد القروض الهائلة التي ترفع قيمة الوحدة إلى ما بين 3 إلى 4 أضعاف قيمتها الأصلية.

يلقي جادو بالمسؤولية على الحكومة التي احتكرت بيع أغلب أراضي البناء ومبالغتها في الأسعار، حيث أصبحت قيمة الأرض تمثل ما بين 40% إلى 50% من قيمة الوحدة، مطالباً بأن تنظر إلى السكن باعتباره حقاً لكل مواطن وليس سلعة للمضاربة لجني الأرباح بغض النظر عن تناسب ذلك مع القدرة الشرائية للمواطنين، وخاصة الشباب الذين يمثلون 60% من تعداد المجتمع وليس لأغلبهم القدرة المالية على الشراء وتعرضت ثروات عائلاتهم للانقراض بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة وتراجع الجنيه وصعوبة الحصول على فرص عمل ودخول تعوض التزاماتهم المالية والعائلية.

طالب الخبير العقاري الحكومة والمطورين بالبحث عن سبل لإعادة تقييم السوق العقاري قبل انهياره، بخفض تكلفة العقار وتقليل الهالك وإدخال مفاهيم العمارة البيئية والخضراء التي تقلل من استهلاك الطاقة والمياه، وتسهّل عمليات الصيانة وتخفض تكلفة المعيشة، مع تهيئة المواطنين للعيش في وحدات سكنية أصغر بالتوازي مع تحديث القوانين.

المصدر: العربي الجديد

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here