أفريقيا برس – مصر. يطارد الحنين إلى الماضي كثيراً من الأسر المصرية في عيد الأضحى، ما يدفعها إلى التواصل مع الأقارب والأحباء حيثما كانوا لمشاركتهم فرحة “العيد الكبير”، كما يطلق عليه شعبياً
قبل حلول عيد الأضحى، تكون الأسواق الشعبية الملاذ الأرحب لشراء ألعاب الأطفال وأدوات الزينة ومستلزمات العيد المختلفة التي تحتاجها الأسر المصرية، فضلاً عن ساحات بيع الأضحية، ومع أول ضوء لنهار يوم العيد، تعلو التكبيرات في مصليات العيد في أنحاء مصر، وبعد الصلاة، تختلط روائح الذبح والشواء، وتتزيّن مداخل البيوت بالأنوار، ومجالسها بـ”لمة العائلة”، وتتغير الشوارع والميادين والساحات إلى ما يشبه مهرجانات الفرح.
ويفرح كثيرون من سكان القاهرة بهدوء المدينة خلال فترة العيد، إذ يغادر أكثر من ثمانية ملايين نسمة العاصمة إلى بلداتهم في ريف الدلتا والصعيد، ويتوقف دخول ملايين البشر الذين يتوافدون لقضاء مصالحهم يومياً، إذ لا يحضر أي منهم بسبب إجازة العيد، والتي تمتد على خمسة أيام، بحسب القرارات الرسمية، بينما تصل إلى أسبوع عند موظفي القطاع الخاص، وتمتد إلى أسبوعين لأصحاب المهن الحرة.
على مشارف “درب البرابرة” بمنطقة الموسكي في وسط العاصمة القاهرة، يقف البائع الشاب سمير حمدي، ليعرض مختلف أصناف الزينة والبالونات والألعاب، متحدياً منافسيه بأن لديه أرخص الأسعار وأجود المبيعات. يتزاحم المشترون على بضاعة حمدي الملقاة على قارعة الطريق لاختيار ما يريدونه، وتعقب ذلك المساومات على السعر، والذي يظل رخيصاً مقارنة بأسعار محال بيع الألعاب.
بدورها، تقول بثينة خليل (52 سنة) إن خبرتها الطويلة في الشراء تدفعها إلى زيارة تلك المنطقة الشعبية خلال المناسبات، إذ يتوافر فيها كل ما تحتاجه من ملابس ومفروشات وهدايا ولعب أطفال، فضلاً عن الحلوى. وتؤكد أن وجود الأسواق الشعبية، مثل “درب البرابرة” في وسط القاهرة، و”زنقة الستات” بمنطقة المنشية في وسط الإسكندرية، وما يماثلها في المحافظات، ضرورة لاقتناء مستلزمات العيد، وغيره من المناسبات، وهي توفر الكثير من متاعب البحث عما يحبه الأولاد والأحفاد، وبأسعار معقولة.
تظهر خليل اهتماماً بشراء سجادات الصلاة و”جلاليب” منزلية، وبخور، ومسابح، و”إسدال” نسائي للصلاة، وتخبر “العربي الجديد” أنها مكلفة من العائلة بشراء قدر كبير من الهدايا لتوزيعها عقب وصول كبير العائلة من الحج، في نهاية الأسبوع، كبديل عن شراء الهدايا من الأراضي المقدسة، كون الأمر مكلفاً، والهدايا تباع بأسعار باهظة هناك، كما أنها مرهقة في حملها خلال رحلة العودة، إذ تفرض الجهات المنظمة على الحجاج سرعة الحركة، وقلة المتاع المصاحب لهم.
وبينما تختلط في أسواق وسط القاهرة روائح البخور بروائح المأكولات الشعبية، تبحث فردوس النمرسي (48 سنة) عن الحلويات الشرقية، وتتوجه إلى محل شهير في شارع الجيش قريب من ميدان العتبة. تطلب النمرسي بضع كيلوغرامات من “المشبك” و”البسبوسة” و”البسيمة”، وهي حلويات شعبية يمكن تحضيرها بالمنزل، لكن لها نكهة خاصة لدى البائع الشهير، مؤكدة أنه “رغم أن عيد الأضحى يشتهر عند المصريين باللحوم و(الفتة) التي تصنع من الخبز والأرز وقطع اللحم، فإن الحلويات الشرقية تظل مهمة على المائدة. عيد الفطر معروف بالكعك والبسكويت والكنافة والقطايف، أما عيد الأضحى فالناس يفضلون فيه الحلويات الشرقية، ويقبلون على تناول الفاكهة الصيفية للتخفيف من الوجبات التي تحتوي على اللحوم، خصوصاً من استطاع ذبح الأضاحي، والذي تتوفر لديه كميات أكبر من اللحوم”.
تضيف النمرسي، وهي من أصول ريفية: “هذا عيد الأضحية، وهو مناسبة يتشارك فيها الأغنياء والفقراء أطباقاً أشهرها الفتة، والريش المشوية، والكبدة على الفحم، والتي يبدأ أكلها بعد صلاة العيد وذبح الأضاحي. لكل شخص في العائلة نصيب من طبق الفتة الشعبي المحمل بعبق التوابل وروح المحبة، ولا يبقى بيت تقريباً من دون نصيب من الأضحية”.
يهرول الخمسيني سيد الأسواني إلى “محطة مصر”، لحجز عدة مقاعد بالقطار المتجه إلى صعيد مصر جنوباً، لقضاء العيد مع عائلته، بعد فشله في الحصول على تذاكر سفر عبر نظام الحجز الآلي، ما اضطره إلى شراء التذاكر الورقية من محطة القطارات الرئيسية في ميدان رمسيس بوسط القاهرة.
يحرص الأسواني، وهو مراقب حسابات بإحدى الشركات الخاصة، على اصطحاب أبنائه الثلاثة وزوجته لقضاء نحو عشرة أيام بين الأهل، ويتكرر هذا مرتين كل عام، في عيد الفطر وفي عيد الأضحى، حرصاً منه على تشبع أولاده الذين ولدوا ويعيشون في العاصمة القاهرة بروح العائلة، وتبادل الذكريات النوبية مع العائلة التي تعيش منذ القدم بالقرب من منابع النيل في أقصى الجنوب.
في هذه المرة اكتشف الأسواني عدم قدرته على توفير قيمة تذاكر الأسرة في قطار الدرجة الثانية الذي يصل إلى بلدته بعد نحو 16 ساعة متصلة، إذ حالت الزيادة الهائلة في أسعار التذاكر دون قدراته على الدفع، فآثر أن يرسل الأبناء لمشاركة الأهل في العيد، وخصوصاً ابنه الطالب بالمعهد العالي للفنون التطبيقية بمدينة 6 أكتوبر غربي العاصمة، كي يكون في بيت خاله الذي توجه إلى السعودية لأداء فريضة الحج، فالابن مطالب بالمشاركة في تزيين بيت العائلة بالرسوم النوبية الزاهية، ورسم للكعبة ومواكب الحجاج، وهي رسوم ما زالت متوارثة في بلدته، ويحرص الناس على تزيين الحوائط المبنية بالطوب اللبن أو الأسمنت بها، وهي رسوم مزركشة يغلب عليها الألوان الأبيض والأحمر القاني والأزرق الزاهي.
من جانبه، يقول ابنه الطالب مصطفى الأسواني (21 سنة): “أدرك أن طرق الرسم الحديثة التي تعلمها في المعهد لا تصلح للبيوت النوبية المتشبعة بالتراث، والتي اعتاد أهلها على رسم الحجاج قادمين من الرحلة المقدسة على الجمال أو الطائرات والبواخر ذات الطرز القديمة، والكعبة التي لم تتغير معالمها في مخيلة الناس، بينما تبدل ما يحيط بها من مبان حديثة. كل هذا لا يلقى أي اعتبار في عيون سكان البلدة، والذين يحرصون على نقش الصورة القديمة على المدخل الرئيسي لمنزل العائلة، ابتهاجاً بعودة الكبار من رحلة الحج التي يشتاق البقية إلى القيام بها لاحقاً”.
يأمل الأسواني الأب أن يستمتع أبناؤه بلمة العائلة، مع منح نفسه فرصه لعمل إضافي خلال فترة العيد، يمكنه من توفير الالتزامات المنزلية التي تكبله بقيود مالية، خاصة أنه خطط دون علمهم لبقائهم فترة طويلة في بلدته بعد أن انتهوا من امتحانات نهاية العام، ليكونوا في ضيافة الأهل.
في الريف، لا تتوقف فرحة العيد لدى المصريين عند الأضحية، والتي تضاعفت أسعارها خلال العام الحالي، بل تشمل زفة الأطفال لخروف العيد يوم وقفة عرفات، والطواف بالأضحية في شوارع وأزقة البلدة، إلى أن يتعبوا، فيناموا، ويستيقظ الجميع على صوت التكبير الجماعي، ويتوجهون إلى المصلى لأداء صلاة العيد، والتي تعقبها مباشرة شعيرة الذبح.
وتمثل المشاركة في طقوس الذبح انتقالاً للأطفال من مرحلة البراءة إلى الصبا، إذ يشهدون الجزار وهو يشحذ شفرة الذبح، ويضعها على رقبة الخروف، فينسال الدم. ويراهن كبار العائلة على من يتحمس من الأطفال للمساعدة في الذبح، ولاحقاً يشارك الأطفال في توزيع لحوم الأضاحي على الأقارب والجيران والفقراء، قبل تجمعهم مع أهلهم أمام طبق “الفتة” الذي يضم لحم الخروف الطازج.
تحرص رقية الفقي على قضاء إجازة العيد على شاطئ البحر مع زوجها وابنها، وتخبر “العربي الجديد” أنها خططت قبل شهرين لرحلة إلى مدينة الغردقة على شاطئ البحر الأحمر، ما مكّنها من حجز فندق بسعر مقبول مقارنة بأسعار فترة العيد التي ترتفع بسبب الإقبال من المصريين والسائحين الأجانب. ورغم ارتفاع درجة الحرارة في الغردقة، تراهن الفقي على قضاء إجازة هادئة، على أن تجري اتصالات بالأهل للتهنئة بالعيد.
على مشارف ميدان السيدة زينب في القاهرة، يواصل شبان ترتيب “المراجيح” وألعاب السيرك الشعبي في الميدان الذي يضم المسجد الشهير ويحمل اسمه، استعداداً لاستقبال الأطفال وأسرهم خلال ليلة الوقفة، واليوم الأول من العيد، وعلى الجوانب تتراص عربات بيع “الترمس” وباعة مشروب “العرقسوس” وصناع الطائرات الورقية، والتي تجذب المشترين من كافة الأعمار، خاصة القادمين من الأرياف لزيارة مقام السيدة، وقضاء يوم ترفيهي في العاصمة.
المصدر: العربي الجديد
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس