أزمات “مفتعلة” تزيد متاعب المصريين المعيشية… شح في السلع

3
أزمات
أزمات "مفتعلة" تزيد متاعب المصريين المعيشية... شح في السلع

عادل صبري

أفريقيا برس – مصر. تزيد الأزمات المعيشية المتصاعدة في مصر منذ عدة أسابيع، أوجاع المواطنين، إذ لم تعد معاناتهم تقتصر على زيادة فترة انقطاعات التيار الكهربائي والغلاء الذي يكوي جيوبهم، وإنما باتوا يواجهون شحاً في بعض السلع الأساسية في بلد كثيف الإنتاج.

وباتت الأزمات اليومية تتعدد بطريقة يراها مراقبون “مفتعلة” وتحديداً منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، فبعد انقطاع متكرر للكهرباء وشح بعض السلع الغذائية على رأسها السكر، تصل الأزمة إلى خدمات الإنترنت والمياه، فضلاً عن صعوبة شراء السجائر والدخان.

يرى وليد مدبولي، الخبير في مجال إدارة الأزمات المالية، أن عدم وجود بعض السلع الحيوية في الأسواق بمثابة أزمات مفتعلة من جانب “تجار جشعين” يستغلون الظروف التي تمر بها الدولة، في حجب السلع أو زيادة أسعارها.

ويقول مدبولي إنه “من غير المقبول أن تشهد دولة منتجة للسكر، بكميات تكاد تكفي الاستهلاك المحلي أن يظهر بها أزمة مفاجئة إلى درجة أنك لا تجد كيلو واحد في الأسواق، رغم ارتفاع سعر الكيلوغرام من 37 جنيهاً إلى 55 جنيهاً دفعة واحدة”.

يبدي تعجبه من أن تصل الأزمات إلى سوق الذهب، الذي أصبح يعرض الغرام بأعلى سعر على مستوى العالم، ويحمل مسؤولية تفاقم الأزمات على 3 أطراف، الدولة، التي يجب أن يجب أن تخطط لتوفير احتياجات المواطنين من كافة السلع وخاصة الرئيسية وتحدد سقف لإنتاجاً وتسعير كل سلعة، وتراقب عمليات البيع ثم التاجر الذي لا يلتزم بضوابط السوق، والمستهلك الذي يستطيع الامتناع عن شراء السلع التي يغالي أصحابها في التسعير، وإن كان مضطراً في ظل صعود أسعار جميع السلع، فعليه أن يختار الأرخص، لمواجهة الاحتكارات.

يضيف خبير إدارة الأزمات أن الغرف التجارية وغيرها أصبحت تعمل لصالح أعضائها، بينما أغلب التجار ليسوا على درجة عالية من الأمانة، ما يدفعهم إلى الالتفاف على الأسعار وتخزين السلع بكميات هائلة وحجبها عن المستهلكين، والمضاربة بتسعير المنتجات وفقاً لسعر الدولار في السوق السوداء.

ويأتي نقص الدولار على قمة الأزمات اليومية والمحركة للأسواق، في ظل تراجع الجنيه في السوق الموازية (السوداء) وأسواق المشتقات الدولية. وكسر الدولار حاجز الـ 50 جنيهاً في السوق الموازية على مدار الأسبوع الماضي، بفارق 60% عن سعر الصرف الرسمي المستقر عند 30.95 جنيهاً منذ مارس/ آذار من العام الجاري 2023.

ومن المتوقع أن يتعرض الجنيه إلى مزيد من التراجع خلال الفترة المقبلة، وسط ضغوط صندوق النقد الدولي على الحكومة المصرية لدفعها إلى تعويم جديد للعملة الوطنية، مقابل زيادة القرض المقرر بنحو 3 مليارات ليصل إلى 5 مليارات دولار مطلع عام 2024. وتتأثر قيمة الجنيه بارتفاع فاتورة الفوائد لخدمة الدين العام التي أصبحت تمثل ضعف إيرادات الدخل العام، واتساع عجز الموازنة.

أسعار السكر تغضب المستهلكين

تكشف أزمة السكر التي تشهدها مصر عن حالة الانفلات التي تمر بها الأسواق. وبطريقة مريبة اختفت هذه السلعة الحيوية رغم تضاعف سعرها خلال شهر واحد. وارتفع سعر الكيلوغرام من المصانع من مستوى 14 جنيهاً إلى 36 جنيهاً، فيما يباع لدى تجار التجزئة بما يصل إلى 55 جنيهاً.

كما تتعدد أسعار البيع في الأسواق، حيث يباع كيلو واحد لكل أسرة، على بطاقات التموين بسعر 12.6 جنيهاً، التي يحوزها نحو 70 مليون شخص، وبمعارض وزارة التموين والجيش والشرطة بــ 27 جنيهاً وما بين 50 و55 جنيهاً بباقي المحلات.

وأثار شح السكر غضباً لدى الجمهور الذي يعتبره إحدى السلع الغذائية اليومية المهمة، في تحلية الشاي والمشروبات والمأكولات الشعبية. ويرجع حازم المنوفي عضو اتحاد الغرف التجارية، أزمة هذه السلعة إلى وجود احتكار في التصنيع وتراجع الإنتاج بالمصانع القائمة، التي تتبع أغلبها الجهات الحكومية. ويشير المنوفي في بيان صحافي أخيراً إلى أن المصانع الحكومية والخاصة توقفت منذ شهر عن تسليم الحصص المقررة، بواقع 250 طناً للموزعين، لافتاً إلى طرح تلك الجهات السكر في محلات تجارية كبرى بسعر 48 جنيهاً للكيلوغرام.

يؤكد المنوفي قيام بعض التجار باستغلال ضعف الرقابة على الأسواق بتخزين كميات ضخمة من السلع لـ”تعطيش السوق” وبيعها بضعف سعرها الرسمي. ويضيف أن إعلان وزارة التموين عن وجود احتياطي من السكر يكفي احتياجات البلاد، لمدة تصل إلى عدة أشهر يتعلق بالكميات الموجهة لحاملي بطاقات الدعم فقط.

وتنتج المصانع المحلية نحو 2.8 مليون طن سنوياً من 15 مصنعاً لسكر القصب والبنجر (شمندر)، ويصل الاستهلاك إلى ما بين 3.3 إلى 3.5 ملايين طن.

ووعد وزيرا الزارعة والتموين بعودة أسعار السكر إلى معدلاتها الطبيعة خلال أيام، مع بدء موسم جني قصب السكر وتشغيل مصانع الإنتاج بجنوب البلاد، واستيراد 400 ألف طن سكر خام على مرحلتين، وتوفيره للجمهور بأسعار مخفضة بمجمعات وزارة التجارة الداخلية، على دفعات مستمرة حتى مارس/آذار 2024.

وأصدرت وزارة التموين قراراً يلزم شركات تعبئة السكر بوضع الوزن وسعر البيع وتاريخ الإنتاج والصلاحية على العبوات، مع مطالبة الموردين والموزعين بإرسال بيانات أسبوعية، عن الكميات المستوردة وأسعار، والمخزنة وأسعار البيع، بينما لم يؤثر القرار على كميات العرض، حيث يندر وجود السكر في المعارض الرسمية.

وفي جولة لـ مصادر اعلامية بالأسواق لم يتم العثور على السكر لدى الموزعين داخل العاصمة وحولها طوال اليومين الماضيين. ويشير بقالون إلى انتظارهم استقرار سعر بيع السلعة، في ظل مخاوفهم من التعامل في سلعة تتبدل أسعارها بين لحظة وأخرى، فتسبب لهم مشاكل مع الجمهور أو يصعب تأمين وجودها في ظل هيمنة المحتكرين.

نقص في الأدوية

وتشهد الأسواق نقصا حاداً أيضا في الأدوية، تختفي أدوية محلية الصنع، وتحجب الأدوية المستوردة عن المرضي بالصيدليات، بينما تباع عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات التوزيع الخاصة بعيداً عن سلطة الرقابة الدوائية، بأسعار باهظة.

وتعتمد 180 شركة أدوية محلية على شراء نحو 90% من مكونات إنتاجها من الخارج، فتجد صعوبة في توفير حصتها لسوق الأدوية التي تغطي 80% من احتياجات المرضي، وتتلهف شركات استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية على الدولار، لتدبير احتياجاتها من الشركات الدولية التي تورد 20% من أدوية أمراض الأورام والفيروسات والمناعة وتصلب الشرايين والقلب والجراحات الدقيقة بالكبد والكلى والعيون.

ووافقت الحكومة على رفع أسعار 200 صنف دواء منذ فبراير/ شباط 2022، لدعم قدرات الشركات على مواجهة غلاء مكونات الإنتاج بعد خفض قيمة الجنيه، ما أدى إلى تحميل أعباء هائلة على المواطنين، مع ذلك تسعى الشركات إلى مزيد من رفع الأسعار، بعد التراجع الشديد في قيمة الجنيه، وعدم وجود سقف لسعر الدولار على مدار عشرين شهراً، وفق مراقبين.

تبحث شركات الأدوية عن اتفاق مع الحكومة، على توفير جزء من إنتاجها الشهري لتصديره إلى الخارج، مقابل الحصول على سعر عادل، يمكنها من تدبير العملة الصعبة للازمة لشراء مكونات الإنتاج من السوق الدولية. وترفض الحكومة المساس بحصة السوق المحلية من الدواء، وطالبت الشركات بزيادة الإنتاجية بهدف التصدير وخاصة للسوق الأفريقية والخليج، حيث يرتفع الطلب على الدواء المصري لجودته، وانخفاض السعر، بينما تفضل الشركات عدم زيادة الإنتاج، مع ارتفاع تكاليف التشغيل، التي فاقت 100% لأغلب الأصناف خلال عام واحد، وفقا لتصريحات مسؤولين في شركات الأدوية.

ارتفاع أسعار الدخان

كذلك واصلت أسعار السجائر ارتفاعها للشهر السادس على التوالي، وشملت الزيادات الأنواع الشعبية والمستوردة ومنتجات الدخان. وتضاعفت أسعار جميع المنتجات العام الحالي، وتخطت تلك المعدلات في الأصناف المستوردة، مع ترشحها لمزيد من الارتفاعات خلال الأيام المقبلة، مع فرض الحكومة ضريبة جديدة على كافة منتجات السجائر والدخان.

ويبحث 18 مليون مدخن عن السجائر، فيجدونها بأسعار متعددة. ويبرر صغار الموزعون الأزمة إلى تحكم كبار التجار في كميات العرض بالسوق، ورفضهم البيع بنظام الآجل. وتحصل الحكومة على 88 مليار جنيه كضرائب على مبيعات الدخان سنوياً، وبمعدل 50% من قيمة سعر بيع العلبة للمستهلك، لتدبير نحو 10% من إيرادات الموازنة العامة.

ودفعت الأزمة المالية الحكومة إلى بيع نحو 54% من الشركة الشرقية الحكومية المحتكرة لسوق إنتاج السجائر، إلى شركة غلوبال للاستثمار القابضة الإماراتية، لتصبح أكبر مساهم منفرد في الشرقية للدخان. وفي دولة يدخن 33% من عدد ذكورها البالغين، ونسبة ضئيلة من السيدات، تحول التدخين إلى أزمة شعبية، إذ يعتبرها البسطاء كما يقول مواطن وسيلتهم الوحيدة للتنفيس عن غضبهم في مواجهة صعوبات الحياة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here