أفريقيا برس – مصر. تشهد السوق المصرية طفرة غير مسبوقة في أسعار الفضة خلال أكتوبر 2025، بعد أن تجاوزت وتيرة صعود أسعار المعدن الأبيض نظيرتها في الذهب لأول مرة منذ عقود، متأثرة بتراجع الدولار أمام سلة العملات، وزيادة الطلب الصناعي والاستثماري على الفضة، في مقابل انخفاض معدل الإنتاج العالمي للمناجم، وتوجّه المستثمرين المصريين والهواة إلى المضاربة في شراء الفضة التي أصبحت ملاذاً جديداً للاستثمار السريع الأقل كلفة والأكثر ربحية مقارنة بالذهب.
سجلت أسعار الفضة خلال الأسبوع المنتهي الخميس في مصر أعلى مستوياتها منذ أكثر من 40 عاماً، إذ بلغ سعر غرام الفضة النقية نحو 93 جنيهاً للشراء و95 جنيهاً للبيع، مقابل نحو 51 جنيهاً فقط في مطلع العام، أي بنسبة ارتفاع تتجاوز 80% خلال عشرة أشهر، وهي نسبة تفوق معدل ارتفاع الذهب في الفترة نفسها الذي تراوح بين 35 و40% وفقاً لبيانات شعبة المعادن الثمينة بالاتحاد العام للغرف التجارية.
تأتي القفزة امتداداً لصعود عالمي في أسعار الفضة، إذ ارتفع سعر الأونصة في بورصة لندن إلى نحو 52 دولاراً، مقابل أقل من 29 دولاراً في يناير/ كانون الثاني الماضي، في ظل نقص المعروض من المناجم الكبرى في أميركا اللاتينية وزيادة الطلب الصناعي من قطاعات الطاقة المتجددة وبخاصة الشمسية وشركات التكنولوجيا والإلكترونيات الدقيقة.
أسباب ارتفاع الأسعار
يرى خبراء المعادن أن أحد أهم محركات ارتفاع الفضة هو تراجع الدولار عالمياً مع تباطؤ الاقتصاد الأميركي وعودة التوقعات بخفض أسعار الفائدة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي في مطلع 2026، وهو ما رفع شهية المستثمرين للاتجاه نحو الملاذات الآمنة، التي تشمل الذهب والفضة والمعادن النادرة والنفيسة. وبلغ سعر الدولار لدى البنك المركزي، الخميس، 47.57 جنيهاً للشراء و47.76 للبيع، وفي البنوك التجارية تراوح ما بين 47.66 و47.75 جنيهاً.
يقول الخبير جورج ميشيل، رئيس نقابة الصاغة بالقاهرة، إنّ الفضة استفاد من ضعف الدولار أكثر من الذهب لأن الفضة سلعة صناعية أيضاً، فارتفاعه مدفوع بمزيج من المضاربة والاستعمال الفعلي، ما يجعله أكثر حساسية تجاه حركة العملات العالمية، مشيراً إلى أنه بعد سنوات من التراجع في الاهتمام الشعبي بالفضة، عادت لتتألق من جديد في السوق المصرية، لا كحُليّ نسائية فقط، بل كأداة استثمارية تُنافس الذهب في العائد.
يتنافس تجار الصاغة بالقاهرة على بيع السبائك الفضية بأوزان مختلفة تبدأ من 10 غرامات إلى 1000 غرام مختومة من مصلحة الدمغة والموازين المصرية، وعرض منتجات سويسرية ومشغولات محلية الصنع وأخرى إيطالية جاذبة للجمهور. يتوقع محللون في سوق الصاغة أن يرتفع سعر أونصة الفضة إلى مستوى 100 دولار بزيادة تقترب من الضعف حالياً، وذلك خلال فترة وجيزة، متأثرة باستمرار ارتفاع الأسعار عالمياً، وتراجع الدولار، وتنامي الطلب الصناعي. يقول ميشيل: “يبدو أن الفضة يخوض عامه الذهبي فعلياً، ليؤكد أن المعدن الأبيض لم يعد ظلّ الذهب، بل أصبح أحد أبرز نجوم أسواق المال والمعادن في عام 2025”.
وفقاً للخبير في سوق المشغولات الفضية والسبائك بالقاهرة، فإن السوق المصرية تشهد تحول الفضة من معدن ثانوي إلى وجهة استثمارية ناشئة. ومع اشتداد الضغوط على الجنيه وتذبذب سعر الدولار في السوق الموازية، بدأ عدد متزايد من المستثمرين الصغار والهواة في شراء الفضة، سواء على شكل سبائك صغيرة أو عملات فضية، باعتبارها وسيلة للتحوط من التضخم وحفظ القيمة.
ارتفاع الإقبال
يؤكد أحد تجار الفضة في حي الحسين بقلب العاصمة أنّ الإقبال على الشراء تضاعف خلال الشهرين الأخيرين، موضحاً أن الطلب الأكبر يأتي من فئة الشباب الذين يرون الفضة استثماراً في متناول اليد، إذ يمكن شراء سبيكة وزن 20 غراماً بمبلغ لا يتجاوز 1800 جنيه، بينما لا يمكن البدء في الذهب بأقل من عشرة آلاف. ويضيف أن الطلب يتركز حالياً على السبائك والقطع الخام أكثر من المشغولات الفضية، نظراً لأنّ الأخيرة تتحمل مصنعية مرتفعة تقلل من الربحية عند إعادة البيع، بينما السبائك تُباع وتُشترى بفارق بسيط بين السعرين.
رصدت “العربي الجديد” إقبالاً كبيراً من صغار المستثمرين من الطبقة الوسطى وهواة جمع العملات على شراء العملات الفضية من مصلحة الدمغة والموازين، التي أعادت إنتاج بعض العملات القديمة بأوزان تصل إلى “أونصة” ومضاعفاتها، مستفيدة من زيادة سعر الفضة في ترويج المنتجات الفضية القديمة والمضاربة على سعر العملات التذكارية الخاصة بافتتاح قناة السويس وإنشاء السد العالي وانتصارات أكتوبر، المسجّلة على عملات تذكارية خاصة، فاقت أسعار بعضها 20 ألف جنيه، بزيادة 15 ألف جنيه عن وقت الإصدار.
يقول محمد السيد، أحد هواة جمع العملات الفضية القديمة وحديثة الإصدار، إنه يجمع تلك الأعمال بهدف ادخار المال شهرياً، حيث يخصص جزءاً من المرتب لاقتناء أي كمية، كملاذ آمن للثروة، وبيع العملة النادرة منها لهواة جمع التراث والعملات القديمة عبر مزادات خاصة. ويذكر السيد أنه وفقاً لحسابات السوق، فإن من اشترى غرام الفضة في يناير 2025 بسعر يقارب 51 جنيهاً، يحقق اليوم ربحاً يقارب 40 جنيهاً في الغرام الواحد، أي نحو 78% مكسباً صافياً في عشرة أشهر فقط. ويرى السيد أن هذه المكاسب السريعة جعلت الفضة مضماراً جديداً للمضاربة الفردية في مصر، على غرار ما شهدته سوق الذهب العام الماضي.
ويقول السيد إن صعود الفضة في مصر مدفوع بثلاث قوى: ارتفاع السعر العالمي، وضعف الجنيه، وزيادة الطلب المحلي غير الاستهلاكي، مضيفاً أن الربح السريع أغرى الكثيرين بالشراء لتخزينها في المنازل أو المتاجر الإلكترونية، بينما بدأت بعض الورش الصغيرة في عرض منتجات فضية للاستثمار، وليست للزينة فقط.
وعلى الرغم من أن الذهب لا يزال يحتفظ بمكانته كأبرز أداة للتحوط من التضخم في مصر بالتوازي مع الاستثمار في العقارات، فإن الفضة تفوق عليه من حيث نسبة الارتفاع خلال 2025، فبينما ارتفع الذهب بنحو 40% فقط منذ مطلع العام، صعد الفضة بنسبة تقارب 80%، لتتضاعف جاذبيتها للمستثمرين الذين يبحثون عن هوامش ربح أعلى.
تضاعف المبيعات
يقول صاحب متجر إلكتروني لبيع الفضة الاستثمارية على أحد التطبيقات المشهورة بين المصريين على وسائل التواصل الاجتماعي إن المبيعات تضاعفت ثلاث مرات منذ يونيو/ حزيران الماضي، بعد أن لاحظ العملاء أن الفضة يرتفع أسرع من الذهب، مضيفاً أن كثيراً من المشترين من الطبقة المتوسطة يعتبرونها خطوة أولى في طريق الاستثمار الآمن.
ويرى خبراء المعادن النفيسة أن الصعود المتزامن للذهب والفضة ليس تناقضاً، بل نتيجة مشتركة لتراجع الدولار وتزايد القلق الجيوسياسي، لكن الفضة يبقى أكثر ديناميكية نظراً لتأثرها أيضاً بعوامل الإنتاج الصناعي، وهو ما سبق أن تنبهت إليه “العربي الجديد” مطلع العام الجاري، بنشر تقرير حول تألق الفضة وتوقعات بزيادة أسعارها إلى أرقام قياسية خلال العام.
تُظهر بيانات التجار أن أكثر المنتجات طلباً حالياً هي السبائك السويسرية عيار 999 والأوقيات الصغيرة (31 غراماً تقريباً)، إلى جانب العملات الفضية التي تلقى رواجاً لدى هواة الجمع. كما اتسع نشاط البيع الإلكتروني عبر منصات محلية وعربية، حيث يشتري المستخدمون سبائك فضية بوزن يتراوح بين 10 غرامات و100 غرام تُسلَّم للمنازل، في ظل سهولة التخزين مقارنة بالذهب.
المصدر: العربي الجديد
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس