مصر – افريقيا برس. نزع المواطن الأربعيني الكمامة وألقى بها على الأرض بعد أن رأى كومة من أجساد المتزاحمين على أحد محال العطارة التي تبيع المكسرات والفواكه المجففة ويطلق عليها المصريون ياميش رمضان قائلا “ملعون الياميش اللي يجيب كورونا”.
اقتربنا من حمدي للاستفسار عن سبب الغضب، فأطلق ضحكة تغلفها المرارة مشيرا إلى الزحام، وتساءل كيف تناسى هؤلاء الناس نصائح وزارة الصحة والمسؤولين ومنظمة الصحة العالمية من أجل الياميش.
وأضاف للجزيرة نت: بهذه الطريقة فإن كورونا سيقبع بمصر لسنوات ويحصد آلاف الأرواح، طالما تعاملنا بهذا الشكل. وأشار إلى أنه ذهب إلى أكثر من محل عطارة وأصابته الدهشة من تكرار مشهد ازدحام الناس بهذه الصورة.
وكشف تقرير صادر عن الحجر الزراعي التابع لوزارة الزراعة أن الواردات من الياميش أول خمسة أشهر عام 2019 بلغت قرابة ستين ألف طن.
وقدر أحمد شيحة الرئيس السابق لشعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية الفاتورة الاستيرادية لياميش رمضان الماضي بأربعين مليون دولار، مؤكدا أن فاتورة هذا العام يتم حصرها بعد انتهاء الشهر المبارك.
تلاصق نموذجي
محمد طلعت صاحب محل لبيع الدواجن أكد أن هذا المشهد يتكرر يوميا منذ بداية هذا الأسبوع، وربما بزحام أكثر مما نراه الآن على محال العطارة والجزارة والبقالة، وأبدى استغرابه من سلوك بعض المشترين الذي يلبسون القناع الواقي، وبعد ثوان معدودة يشعرون بالاختناق نتيجة الزحام فيقومون بخلعه.
وأبدى طلعت في حديثه للجزيرة نت دهشته الشديدة من أولئك الذين يلقون بأنفسهم وسط الزحام وبعد خروجهم تجدهم يستعملون مطهرات الأيدي لتنظيف أيديهم، متسائلا وماذا عن الأنفاس والتلاصق بهذا الشكل النموذجي لانتشار الفيروس؟
تواكل
“خليها على الله” كلمة أطلقها بكل طمأنينة علاء السعدني -حين سألناه فور خروجه من الزحام على الياميش- تعبيرا عن عدم خوفه من انتقال العدوى، مرددا آية “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا” لكنه تلاها بأحرف ناقصة أحيانا، وزائدة في أخرى.
وطرح السعدني على مراسل الجزيرة نت سؤالا وأجاب عنه “هل تعتقد أننا سالمون من العدوى بفيروس كورونا في كل هذه العشوائية التي نعيشها؟ فلو نجونا من السوق لن ننجو من المواصلات العامة أو الأبواب والحوائط”.
وواصل إجابته “لو نجونا من كل هذا فهل ننجو من الكحول المغشوش أو مواد التعقيم التي أصبحت تصنع تحت السلم، فلا تسمن ولا تغني من فيروس”.
الحظر هو السبب
“طالما معك كمامة ما الذي يخيفك” قالتها أم عمر وهي تشيح بيدها لشاب يبدو أنها تعرفه قال لها ممازحا “أين تذهبين مش خايفة من كورونا؟”.
أما العشريني المحمدي فقد دأب على بيع الياميش قبيل قدوم رمضان، مؤكدا أن صاحب العمل كان يتوقع تراجعا كبيرا لمبيعات هذا العام بسبب انتشار كورونا، لكنه فوجئ بهجوم على شراء السلع منذ أسبوع تقريبا.
وفسر سر التزاحم الشديد هذا العام بالحظر الذي فرض على المحال والإغلاق مبكرا، فضاق الوقت المتاح أمام المواطنين للشراء، وانحصر في ساعات قليلة.
وحول تراجع أسعار البلح والمكسرات هذا العام بشكل ملحوظ، قال المواطن إن هذا ما شجع شريحة كانت تكتفي بشراء البلح فقط دون بقية المكسرات الأغلى ثمنا خلال الأعوام السابقة.
رسائل خاطئة
يفسر أخصائي الطب النفسي سمير كمال ظاهرة التزاحم -التي يرى أنها تدل على طمأنينة غير مطلوبة في التعامل مع فيروس بشراسة كورونا- بأنها انعكاس للإجراءات غير الحازمة أو الحاسمة من قبل الدولة.
وأضاف كمال بحديثه للجزيرة نت أن إنقاص وقت حظر التجوال ليبدأ التاسعة مساء بدل من الثامنة، وتوسيع دائرة المستثنين من حظر التجوال، أوصلا رسالة خاطئة لدى المواطنين بأن أزمة انتشار الفيروس في طريقها للانحسار.
كما أشار إلى أن ما يخفف من قلق الناس واحترازهم ما يحدث يوميا داخل مترو الأنفاق والقطارات والمواصلات العامة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وما يرونه من عشرات الآلاف وسط هذا الزحام والتلاصق، في وقت لا تتجاوز (أرقام الضحايا) المعلن عنها العشرات، حسبما قال كمال.
المصدر : الجزيرة