تغلغل إماراتي في موانئ مصر… امتيازات طويلة الأمد

0
تغلغل إماراتي في موانئ مصر... امتيازات طويلة الأمد
تغلغل إماراتي في موانئ مصر... امتيازات طويلة الأمد

أفريقيا برس – مصر. في خطوة مثيرة للجدل، أعلنت مجموعة أبوظبي للموانئ بالتعاون مع الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، عن توقيع عقد حق انتفاع طويل الأجل، لتطوير وتشغيل منطقة صناعية ولوجستية بالقرب من مدينة بورسعيد، على مساحة تقارب 20 كيلومتراً مربعاً، عند مدخل أحد أهم الممرات المائية العالمية، قناة السويس.

العقد المبرم، والذي يمتد لخمسين عاماً قابلة للتجديد، يفتح الباب أمام استثمارات إماراتية مزمعة بقيمة 120 مليون دولار في مرحلته الأولى، تشمل دراسات سوقية وفنية، ويمنح الجانب المصري فقط 15% من العائدات بدون أن تكون هذه النسبة محسوبة من صافي الأرباح.

هذا الاتفاق أثار موجة عاتية من التساؤلات حول مغزاه الاستراتيجي، وجدواه الاقتصادية لمصر، ومآلاته على المدى الطويل، خاصة في ضوء سوابق الاستثمارات الإماراتية في الموانئ المصرية، والجدل المتنامي بشأن تأثير هذه الشراكات على الأمن القومي والاقتصادي المصري.

تغلغل إماراتي في موانئ مصر

من الناحية التشغيلية، لا يمكن إنكار مدى تغلغل الإمارات في قطاع الموانئ المصري خلال العقدين الأخيرين. فشركة “موانئ دبي العالمية” تسيطر اليوم على 90% من ميناء العين السخنة، وتمتلك حصة تصل إلى 32% من ميناء الإسكندرية، كما تشارك بنسبة 49% في عدد من مشروعات هيئة قناة السويس، فضلاً عن نفوذها المتنامي في ميناءي دمياط وسفاجا، وحتى الموانئ الجافة كميناء العاشر من رمضان.

هذه السيطرة، التي اتسعت رقعتها بهدوء وتدرج، باتت اليوم موضع تشكيك في دوافعها، لا سيما في ظل ما يراه بعض الخبراء تعطيلًا ممنهجًا لفعالية هذه الموانئ، لصالح المناطق الاقتصادية التابعة للإمارات، خصوصاً جبل علي، حسب مراقبين.

على سبيل المثال، ميناء العين السخنة لم يشهد أي تطوير يذكر منذ 25 عامًا، حيث كان من المقرر أن تصل سعته إلى 5 ملايين حاوية، لكنه ظل قابعًا عند حدود 250 ألف حاوية سنويًا فقط، ما يثير تساؤلات مشروعة حول مدى التزام المستثمر الإماراتي بتعهداته، ومدى قدرة الدولة المصرية على فرض شروطها في مثل هذه التعاقدات.

اتفاق كيزاد

الاتفاق الأخير بشأن تطوير منطقة كيزاد اللوجستية يندرج ضمن هذه الخلفية المشحونة. الاتفاق يمنح مجموعة أبوظبي سيطرة تشغيلية على مساحة ضخمة عند مدخل قناة السويس، من دون أن يتضمن، وفق ما هو مُعلن، أي ضمانات ملزمة بتحقيق نسب نمو أو تطوير محددة ضمن أطر زمنية واضحة.

وعبّر الخبير الاقتصادي أحمد خزيم عن قلقه الشديد من طبيعة هذا التعاقد، معتبرًا أن منح حق الانتفاع بهذه المنطقة الحيوية لشريك أجنبي- خصوصا من دون مزايدة عالمية- يُعد تفريطًا في سيادة الدولة على أحد أهم مفاصلها الاقتصادية. وأوضح خزيم أن المشروع، لو طُرح في مناقصة دولية، لكان من الممكن أن يُدر على مصر أكثر من 40 مليار دولار على مدى عمر المشروع.

ويضيف خزيم: “الأخطر أن الإيرادات التي ستحصل عليها مصر لا تتجاوز 15%، وهي نسبة غير محسوبة من صافي الأرباح، مما يترك الباب مفتوحًا أمام الشركات لإنشاء كيانات فرعية أو التلاعب بالحسابات لتقليص الأرباح المعلنة”. كما أعرب المتحدث عن خشيته من أن يُستخدم المشروع وسيلة لتعزيز مكانة ميناء جبل علي في دبي، على حساب الموانئ المصرية المطلة على البحرين الأحمر والمتوسط.

رفض صفقة صينية

التشكيك في أهداف الإمارات بشأن تنامي استثماراتها في قطاع الموانئ المصرية لا ينفصل عن سياق أوسع من التنافس الجيوسياسي حول قناة السويس. فبحسب ما كشفه عدد من المطلعين، كانت الصين قد أبدت اهتمامًا كبيرًا بالحصول على امتيازات في ميناء العين السخنة، إلا أن ضغوطًا أميركية حالت دون إتمام الصفقة، بسبب مخاوف واشنطن من أن تضع بكين قدمًا لها عند مدخل قناة السويس.

بل إن المشروع الروسي في شرق بورسعيد- في المنطقة الحرة- يعاني بدوره من تجميد تام، على الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على إعلان انطلاقه. وأكدت مصادر تعمل في المشروع أن الأعمال لم تبدأ فعليًا، مستدلة على ذلك بأن الحديد الخاص بأساسات المشروع لم يتم تركيبه حتى الآن، ما يثير الشكوك حول تدخلات خارجية تعرقل أي تواجد غير مرغوب فيه من قبل الولايات المتحدة.

تحجيم الدور الرقابي

أعرب الأكاديمي المصري وأستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أحمد ذكر الله، عن استيائه مما وصفه بغياب الشفافية حول تفاصيل العقد المبرم مع مجموعة أبوظبي، مشيرًا إلى أن الاتفاق لم يُعرض على البرلمان، ولا يمكن الطعن عليه قضائيًا بسبب القوانين الصادرة مؤخرًا، التي تُحصّن مثل هذه الاتفاقات الاقتصادية من أي مراجعة قانونية.

ويقول ذكر الله: “كيف تتنازل مصر عن منطقة استراتيجية بهذه الحساسية، بعقد ممتد لخمسين عاماً من دون أي ضمانات واضحة أو بنود تسمح بفسخ العقد في حال الإخلال بالالتزامات؟”. وأضاف: “كان بإمكان مصر- لو أرادت- فرض غرامات صارمة على عدم الالتزام، وتحديد مدد للتنفيذ وضخ الاستثمارات، بدلًا من ترك الأمور للتقدير الذاتي للمستثمر”. كما انتقد بشدة منح المشروع مباشرة للإمارات من دون مزايدة، متسائلًا عن السبب وراء إقصاء عروض محتملة من دول كالصين أو فرنسا، وما إذا كانت الاعتبارات الجيوسياسية تطغى على الأولويات الاقتصادية لمصر.

فوائد كبيرة

في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي طارق متولي أن المشروع يحمل في طياته فوائد كبيرة لمصر، مؤكدًا أن البلاد تمر بظروف اقتصادية بالغة الصعوبة تتطلب جذب استثمارات خارجية بأي ثمن. ويشير متولي إلى أن تكلفة خلق فرصة عمل واحدة في مصر تتجاوز 300 ألف جنيه (الدولار = نحو 50.6 جنيهاً)، في حين أن المشروع الإماراتي سيوفر الآلاف من فرص العمل، إلى جانب ما سيدفعه من ضرائب وتأمينات اجتماعية.

ويقول متولي: “العالم كله- من أميركا إلى الصين- يخوض حرب استقطاب للاستثمارات. ونجاح مصر في توقيع مثل هذا العقد يُعد خطوة إيجابية، خاصة أن البنية التحتية والتشريعات لدينا لا تزال تفتقر إلى مقومات جذب المستثمرين العالميين”. لكنه يقر بضرورة فرض ضوابط صارمة، تضمن التزام الطرف الأجنبي بوعوده، وتحفظ حقوق الدولة المصرية، عبر آليات رقابة شفافة وتحديد واضح لمراحل التنفيذ والعوائد.

الأمن القومي

في جانب الأمن القومي، يرى الخبير الاستراتيجي العقيد حاتم صابر، أن المخاوف المثارة بشأن تنامي الاستثمارات الإماراتية في قطاع الموانئ المصرية مبالغ فيها، مؤكدًا أن المنطقة التي يُقام عليها المشروع ستبقى مصرية بالكامل، ولا تمس بسيادة الدولة، لا قانونًا ولا عمليًا، كون العقد بنظام حق الانتفاع وليس البيع. ويضيف صابر أن قناة السويس محمية بالدستور والقانون، ولا يمكن المساس بها من قريب أو بعيد.

كما قلل من أهمية المشروع الإماراتي في ممر مومباي – أوروبا، مشيرًا إلى أن تفريغ سفينة واحدة في هذا الممر يتطلب نحو 300 شاحنة، ويستهلك وقتًا وجهدًا غير عمليين، مما يجعل هذا البديل غير مجدٍ اقتصاديًا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here