جنون الذهب: المصريون يتدافعون للشراء خوفاً من المجهول

5
جنون الذهب: المصريون يتدافعون للشراء خوفاً من المجهول
جنون الذهب: المصريون يتدافعون للشراء خوفاً من المجهول

عادل صبري

أفريقيا برس – مصر. في مشهد يعبّر عن حجم الارتباك الذي يسيطر على مختلف الأوساط الاقتصادية والاجتماعية في مصر، شهد سوق الذهب طفرات سعرية جنونية خلال الأيام الماضية، لتتوقف منصات التداول عن نشر حركة الأسعار، وسط اندفاع الكثيرين للوذ بالمعدن النفيس في مواجهة تآكل قيمة مدخراتهم، بفعل التراجع السريع في قيمة الجنيه خلال الأشهر الأخيرة، والذي يتوقع خفضه بشكل أكبر من جانب الحكومة خلال الأيام المقبلة، تمهيداً للحصول على شريحة من القرض الجديد المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.

لا صوت يعلو على صوت المضاربات، التي طاولت كل شيء في مصر في الأسابيع الأخيرة، بعد أن كسر الدولار حاجز 24.6 جنيهاً في البنوك، بينما قفز فوق 30 جنيهاً في السوق الموازية (السوداء)، ما فتح أبواباً خلفية للمضاربات طاولت المعادن النفيسة والسلع المعمرة (الأجهزة المنزلية) والسيارات وحتى السلع الأساسية.

وأوقفت بورصة الذهب لليوم الرابع على التوالي، تحديد أسعار بيع المصوغات الذهبية، بعد أن تدخلت “أياد خفية”، وفق وصف تجار، في تحريك الأسواق والتحكم في مبيعات أطنان من سبائك الذهب، أدت إلى تجاوز سعر الغرام عيار 24 نحو ألفي جنيه (81.3 دولارا)، وعيار 21 (الأكثر شعبية) 1830 جنيهاً منتصف الأسبوع.

بدأت رحلة الصعود غير المسبوقة لأسعار الذهب، منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيت ارتفع الغرام عيار 21 من 1240 جنيها، إلى 1300 جنيه. وعقب ذلك بثلاثة أيام، زاد إلى 1400 جنيه، ليصل في الرابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري إلى 1500 جنيه، ليواصل صعوده المفاجئ إلى 1800 جنيه ظهر الاثنين الماضي.

وصفت مصادر في شعبة الذهب، حالة الإقبال على شراء الذهب، بأنها غير عادية وغير مسبوقة، لأن الطلب على الشراء يستهدف سبائك الذهب بأحجام كبيرة، وبمبالغ مالية تفوق قدرات كبار التجار، مشيرين إلى تكرار عمليات الشراء خلال اليوم الواحد لحساب عملاء كبار، أضحوا وراء تغير سعر البيع بين لحظة وأخرى في اتجاه تصاعدي، وفقا لحجم الطلب المتزايد على مدار الساعة.

اطلعت مصادر اعلامية على معدلات الأسعار المتداولة بين كبار التجار في منطقة الصاغة، وسط العاصمة القاهرة، على الشبكة الخاصة بكبار الموزعين، بعد توقف إشهار الأسعار على موقع البورصة، ورصد التغييرات التي حدثت طوال اليومين الماضيين، بمعدلات غير مسبوقة يوميا.

فقد بلغت قيمة الزيادة للغرام الواحد نحو 100 جنيه صعوداً و70 جنيها عند الهبوط. وتراوح سعر بيع الغرام على مدار 24 ساعة مضت ما بين 1850 و1750 جنيها لعيار 21، بزيادة 100 جنيه للغرام عما كان سائدا الاثنين الماضي، و300 جنيه منذ مطلع الأسبوع الحالي.

إقبال على السبائك والجنيه الذهب

أكد متعاملون في سوق الصاغة، عدم إقبال المستهلكين على شراء المصوغات (المشغولات)، بينما يتزايد الطلب على الجنيه الذهبي والسبائك كبيرة الحجم، والذهب “الكسر” القابل للتحول إلى سبائك.

وأشاروا إلى أنه رغم ارتفاع الأسعار إلا أن المتاجر لا تشهد حالات بيع من جانب مواطنين إلا للاضطرار، مع عروض بسيطة من حائزي المشغولات الذهبية، الذين يتراجعون عن البيع، بعدما علموا أن الأسعار تتبدل من موزع لآخر وتتجه إلى أعلى، إذ يميل حائزو الذهب إلى الاحتفاظ به بعد تقدير سعره، أملا في تحقيق عوائد أعلى في المستقبل، مع انتشار حالة الفوضى السعرية في جميع أسواق الصاغة والذهب في أنحاء مصر.

يقول عضو في شعبة الذهب، إن “هناك قوى في السوق تلجأ إلى الذهب لاكتنازه كوعاء ادخاري، بديل للجنيه المتراجع، والدولار غير الموجود عبر القنوات الرسمية، وارتفاع قيمته في السوق السوداء”، مضيفا أن حالة الفوضى السعرية دفعت التجار إلى تحديد سعر الغرام على أساس سعر الدولار في السوق السوداء، الذي تراوح بين 31 و36 جنيهاً منذ بداية الأسبوع الجاري.

تذبذب أسعار الذهب وارتفاعه محليا، لا يعكس حجم أسعار الذهب عالمياً، فسعر الأوقية في البورصة العالمية، عند مستوى 1797 دولارا، ويتراجع منذ 5 أشهر عن المستوى القياسي الذي بلغه عند 1800 دولار للأوقية، ما دعا سعيد إمبابي، عضو شعبة المشغولات الذهبية، إلى القول في بيان صحافي أخيرا، إن هناك “تلاعبا فجا”، مشيرا إلى وجود مضاربات وتلاعب واحتكار في الذهب، بغرض رفع الأسعار بجانب التسعير على أساس دولار السوق السوداء.

بدوره، يقول خالد الصاوي عضو الشعبة، إن حالة الارتباك في السوق سببت خسائر فادحة لصغار الموزعين والتجار، لأن أرباحهم البسيطة من عمليات البيع تتآكل في لحظات، حيث يشترون الذهب بسعر من التجار أو الجمهور ويطرحونه للبيع، وعند عودتهم لشراء بضائع أخرى تكون الأسعار قد ارتفعت بمعدلات أعلى مما لديهم فيتآكل رأس المال.

يؤكد الصاوي أن سوق “الصاغة” وقع في حفرة المضاربات، التي تعطل الأعمال وتحول دون بيع المشغولات الذهبية والألماس والأحجار الكريمة التي يتكسب من ورائها العاملون في المهنة، وقد تقضي على صغار التجار والموزعين، في فترة وجيزة، لعدم قدرتهم على ممارسة البيع والشراء في ظل سوق مضطربة.

وفي مواجهة المضاربات العنيفة التي تسيطر على السوق، تبرر الحكومة قفزات الأسعار بالإقبال الكبير على الشراء. وأشار ناجي فرج، مستشار وزير التموين لشؤون الذهب، في تصريحات صحافية، قبل يومين، إلى أن حجم مبيعات المشغولات الذهبية يصل إلى 70 طناً سنوياً، مؤكد أن الارتفاع الكبير في أسعار الذهب حاليا، يرجع إلى الإقبال الكبير على عمليات الشراء، مع وقف الاستيراد أو التصدير للخارج، متوقعا أن تشهد الأسعار هدوءاً نسبيا خلال الفترة المقبلة، بعد انتهاء زيادة الطلب التي دفعت الأسعار إلى مستويات قياسية.

حماية المدخرات من التآكل

برر فرج زيادة الطلب بلجوء المستهلكين إلى شراء المشغولات الذهبية، في الوقت الحالي، لاتخاذها كمدخرات وملاذ آمن للثروة. بينما فسر عبد النبي عبد المطلب، الخبير الاقتصادي، رفع التجار لأسعار الذهب إلى استغلال تحوط الأفراد على مدخراتهم من التآكل عبر شراء المعدن النفيس، مع توقعهم انخفاض قيمة الجنيه.

كما أشار متعاملون إلى لجوء مستوردين يعملون في قطاعات إنتاجية مختلفة إلى شراء الذهب بغية تصديره ومن ثم الحصول على الدولار لاستيراد السلع الأولية اللازمة لتشغيل مصانعهم التي تعرضت للشلل بسبب شح الدولار لدى البنوك، فضلا عن قلق الكثيرين من انهيار قيمة أصولهم مع تعويم ثالث للجنيه، وفق توقعات خبراء اقتصاد ومؤسسات مالية دولية.

ويطبق البنك المركزي المصري سياسة لترشيد الاستيراد لمواجهة أزمة الفجوة في النقد الأجنبي، ولتحقيقها اعتمد نظام الاعتمادات المستندية منذ مارس/آذار الماضي، لتوفير الدولار لاستيراد السلع الأساسية.

وأظهر أحدث تقرير للمجلس التصديري للحراريات والمواد المعدنية، ارتفاع صادرات مصر من الذهب خلال أول 9 أشهر من 2022 بنحو 34%، مسجلة 1.2 مليار دولار، مقابل 939 مليون دولار خلال نفس الفترة من 2021، فيما تصدرت كندا قائمة الدول المستوردة بنحو 601 مليون دولار ثم الإمارات بـ 521 مليون دولار. وتستخرج مصر الذهب من حوالي 270 موقعًا، لكن معظمه يجري الحصول عليه من منجم السكري.

وتتعمق مشاكل القطاعات الإنتاجية، إذ عانت الشركات من انكماش ملحوظ في الأعمال خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بسبب ارتفاع سعر الدولار وتزايد الضغوط التضخمية، وفق بيانات مؤشر مديري المشتريات الصادر عن وكالة ستاندرد آند بورز، الأحد الماضي.

وانخفض الإنتاج بأعلى معدل منذ مايو/أيار 2020، إذ أدى الهبوط القوي في قيمة الجنيه إلى ارتفاع أسعار الشراء بأقصى معدل منذ أكثر من 4 سنوات. ووفق المؤشر، تراجع مؤشر مديري المشتريات على نحو كبير، من 47.7 نقطة في أكتوبر/تشرين الأول إلى 45.4 نقطة في نوفمبر/تشرين الثاني، لتمتد بذلك سلسلة الانكماش في الاقتصاد غير النفطي إلى عامين.

وذكرت وكالة بلومبيرغ الأميركية في تقرير، يوم الاثنين الماضي، إن مصر ستتجه إلى مزيد من خفض سعر الجنيه قبل أن تحصل على قرض صندوق النقد الدولي المقرر خلال ديسمبر/كانون الأول المقبل، متوقعة في الوقت ذاته مزيداً من الانخفاض خلال الـ12 شهراً المقبلة.

وأضافت أنه على الرغم من أن مصر خلال الربع الحالي من العام سمحت للجنيه بالهبوط بمعدل أكبر من كل العملات الأخرى تقريبًا في العالم، إلا أن المستثمرين يتساءلون عما إذا كانت السلطات ستخفف قبضتها تمامًا عن العملة إذا تعرضت لمزيد من الضغط، مشيرة إلى أن الإجابة عن تساؤلاتهم لن تتأخر طويلا.

تداعيات أزمة الدولار

وتعد مصر الاقتصاد الناشئ الأكثر عرضة لأزمة العملة على مدار الـ 12 شهرًا القادمة، وفقًا لمقياس بنك الاستثمار الياباني “نومورا” الذي توقع عمليات البيع السابقة.

كما أن بنك “اتش اس بي سي”، الذي توقع سابقًا أن يستقر الجنيه عند حوالي 24 جنيها لكل دولار، رفع توقعاته حاليا إلى تحرك سعر الصرف نحو 26 جنيها للدولار، ما يعني انخفاضاً بنسبة 5.5% تقريباً عن المستويات الحالية.

ولا يرى الكثير من المصريين بارقة أمل في انفراجة في الأمد القريب، لاسيما مع تعقّد المشهد الجيوسياسي عالمياً، على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا المستمرة منذ نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والعقوبات الغربية المتلاحقة ضد موسكو، الأمر الذي يشير إلى استمرار تداعيات هذا الوضع على الاقتصاد المصري العليل والمثقل بالديون.

وبجانب مشتريات الأفراد للذهب، تشير إحصائيات المجلس العالمي للذهب إلى ارتفاع مشتريات البنوك المركزية للمعدن الأصفر بنسبة 115%، في الربع الثالث من العام الحالي مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، لتقترب من 400 طن، مسجلة أعلى عمليات شراء ربع سنوي في آخر 22 عاماً.

وقال ميشيل جورج، رئيس اللجنة النقابية للعاملين في تجارة الذهب، إن هناك إقبالا غير عادي على شراء السبائك والجنيهات الذهبية، تخطت نسبته حاجز 70% منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، بسبب اتجاه الغالبية للاستثمار في الذهب عقب تحريك سعر الدولار.

وأشار جورج إلى أن هناك تناقصا في المعروض مقابل الطلب المتزايد، خاصة في ظل وقف عمليات استيراد خام الذهب أيضا، في ظل قيود البنك المركزي على الاستيراد.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here