صدمة الديون تهدّد مصر.. وتحذيرات من تفاقم الغلاء والبطالة

14
صدمة الديون تهدّد مصر.. وتحذيرات من تفاقم الغلاء والبطالة
صدمة الديون تهدّد مصر.. وتحذيرات من تفاقم الغلاء والبطالة

عادل صبری

أفريقيا برس – مصر. يخطو الاقتصاد المصري المتباطئ نحو عام جديد، وسط صدمات خارجية تنذر بأوضاع قاتمة، وأجواء محلية تدفعه إلى مزيد من التراجع والركود والبطالة، مع ندرة مستلزمات الإنتاج، وتضخم يتوقع أن يبلغ ذروته، عام 2023، ويستمر حتى منتصف عام 2024.

فقد الجنيه 58% من قيمته عام 2022، وارتفع معدل التضخم الأساسي إلى 21.5%، نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ويتوقع خبراء أن يتراوح ما بين 25% إلى 27%، مع زيادة الفائدة على الجنيه، وتصاعد تقديرات الدين الخارجي إلى 200 مليار دولار، نهاية العام.

تبذل الحكومة جهودا مضنية، لإعادة إنعاش اقتصاد أوقعته في فخ “إدمان الديون” التي أنفقتها على مشروعات لا تدر عائدا سريعا أو عديمة الجدوى، ساعية إلى إقناع المواطنين، بقدرتها على تجاوز أزمة مالية حادة، صنعتها بأيديها، فدفعتها إلى بيع الأصول العامة بسعر بخس، مقابل مشروعات لا يستفيد منها الجمهور.

طرقت الحكومة أبواب العام الجديد، بإعلان “وثيقة ملكية الدولة”، وتسليم مجلس النواب مشروع موازنة العام المالي 2023/ 2024، بعد أيام من توقيع اتفاق ثالث، مع صندوق النقد الدولي، يستهدف تحريرا كاملا للعملة وإصلاحا ماليا وهيكليا، مصحوبا بـ”خطة إنفاق عامة، تدعم الشرائح الاجتماعية الأكثر تضررا من الأزمة الاقتصادية الحالية”.

وعد وزير المالية المصري محمد معيط، في بيان موجه للبرلمان، الأسبوع الماضي، بأن تحقق الحكومة نموا في الناتج المحلي بنسبة 5.5%، وفائضا 2%، مع خفض العجز في الموازنة إلى 5%، على المدى المتوسط. يقول معيط إن مشروع الموازنة، يأتي في ظل ظروف استثنائية ناجمة عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات، واستمرار اضطرابات سلاسل التوريد وارتفاع تكلفة الديون”.

يلقي معيط، ومن قبله رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، باللائمة حول حالة الاضطراب الاقتصادي، على وباء كوفيد -19، ومن بعده الحرب الروسية الأوكرانية. يكرر الطرفان: أن الحرب أضرت بالسياحة، المصدر الرئيسي للعملة الصعبة، ورفعت أسعار الطاقة والغذاء بما أدى إلى رفع الدعم بنسبة 50% للوقود، وبزيادة سلع التموين و11%، لنفقات الدعم العام.

بشر الوزير المواطنين بزيادة العجز في الموازنة إلى 558.2 مليار جنيه، حيث سترتفع الإيرادات العامة إلى 1.52 تريليون جنيه، بنسبة 11%، عن العام الجاري. تجاهل الوزير ذكر وسائله لتمويل العجز، في ظل حالة الانكماش التي تمر بها المصانع، والركود الحادث بالأسواق، وزيادة معدلات البطالة، بما سيؤثر على حصيلة الضرائب العامة.

يشير تقرير الأداء السنوي للموازنة العامة الصادر منذ أيام، عن البنك المركزي للعام المالي 2021-2022، إلى وجود شهية شرسة للحكومة للاقتراض، وطلب معونات من دول ومؤسسات مالية إقليمية وعالمية، من شتى بقاع الأرض، بما “أبقي الدولة رهينة بقدرة الحكومة على الاقتراض واستمرار المعونات”، من أجل تمويل العجز الدائم والمستمر في الموازنة.

وشكلت ودائع دول الخليج بالبنك المركزي نحو نصف الديون، حتى نهاية يونيو/ حزيران 2022، بعد أن ارتفعت وديعة الإمارات إلى 5.7 مليارات دولار، والسعودية إلى 5.3 مليارات، وقطر إلى 3 مليارات ومقايضة اليوان الصيني قيمتها 2.7 مليار دولار.

وتجرع المصريون الدواء المر، مع الخفض المستمر للجنيه، وأنفق البنك المركزي 25 مليار دولار من أرصدة البنوك والقروض الدولية، والأموال الساخنة، لدعم استقرار سعر الصرف من يونيو/ حزيران 2020 حتى مارس/ آذار 2022، بما أدى إلى وضع مالي غير مستقر، مع هروب 25 مليار دولار أخرى من التدفقات الأجنبية، بعد زيادة الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة على الدولار، فانخفض تصنيف مصر الائتماني إلى سالب B، مع توقع “فيتش” عدم قدرة الدولة عن سداد ديونها.

يدافع رئيس الوزراء عن سياسة الحكومة بالتوسع في الاقتراض، ويعتبرها ساهمت في إقامة مشروعات عملاقة، داعمة للبنية التحتية.

يجابه رجال الأعمال والخبراء تفاؤل المسئولين عادة، بوابل من الانتقادات، فيؤكدون أن الحكومة “ليس لديها القدرة على تغيير الطريقة التي تعمل بها في إدارة الاقتصاد”. وكشف أحمد جلال وزير المالية الأسبق، والمكلف من مؤسسة الرئاسة بإدارة الملف الاقتصادي في “الحوار الوطني” الذي بدأ أغسطس/آب الماضي، لبحث خروج مصر من الأزمة الاقتصادية، أن “الحكومة تمشي في المسار نفسه الذي جربته مرارا وتكرارا وثبت فشله، حيث تصر على التشدد النقدي، وتخفيض قيمة العملة، دون أن تبحث عن الوسائل الأخرى التي توقف إهدار المال العام، واستغلال الطاقات المتاحة، في المؤسسات القائمة، دون الحاجة إلى إهدار المزيد من الأموال المقترضة، لبناء أخرى، لا حاجة للدولة بها”.

يشير جلال إلى أن أغلب المباني العامة والمصانع، تعمل لفترة واحدة، بينما يمكن رفع طاقتها الإنتاجية، لتعمل على مدار الساعة، مبينا أن تمويل الاستثمار العام بالقروض، يجب أن يتوقف، إلا في أضيق الحدود، وأن تمتنع الحكومة عن إنشاء صناديق خاصة، لتتحول إلى جيب من الجيوب الغائبة عن الموازنة العامة.

وأكد جلال أن اللجنة الاقتصادية للحوار الوطني، أعدت تقريرا، حول المشاكل الحيوية التي تجابه الاقتصاد والمستثمرين، مشددا على أنه طلب أن تتحول المناقشات إلى حوار مجتمعي موسع، يحضره ممثلو الأحزاب والمجتمع المدني، وشخصيات علمية وعامة بارزة، من التيارات السياسية كافة، كي تشارك في وضع صورة حقيقية عن الاقتصاد، تدفع الحكومة إلى العمل به، في إطار رؤية جماعية من كل الأطياف.

وأشار خبراء إلى دعوة النظام لمؤتمر اقتصادي موسع في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مواكبا للحوار الوطني، في نهاية المطاف انتهى إلى توصيات لم يقبلها “نظام أحادي عنيد يصر على السيطرة الكاملة على إدارة الاقتصاد وتوجهاته المستقبلية، في اتجاه يمثل كارثة على المصريين، حسب خبراء اقتصاد”.

وأدرك الخبراء أن المؤتمر الاقتصادي الذي حضره 1200 رجل أعمال وخبير عالمي ومحلي، انتهي “بالفشل، بعد أن حدد رأس النظام اتجاه الاقتصاد وحدوده الحمراء، مع تمسكه بدور الجيش في إدارة الاقتصاد والأعمال، وتشككه في القطاع الخاص وقدرات المدنيين، ومن بينهم نائب رئيس وزراء سابق داعم للنظام”.

وأشار أعضاء بجمعية رجال الأعمال، إلى دهشتهم من موقف الحكومة من حلول طرحوها لزيادة الإنتاج الصناعي والزراعي والصادرات لمواجهة الأزمة الاقتصادية، وتقدموا بها لمجلس الوزراء منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، ولم يُلتفت إلى خططهم ولا مشاكلهم إلا بعد اتفاق الحكومة مع صندوق النقد على إخراج الواردات من الجمارك.

وأوضح عضو مجلس إدارة الجمعية حسن الشافعي أن الحكومة أطاحت بأهم الخطط المقدمة لها للنهوض بالصناعة، والتي تستهدف الوصول إلى صادرات بقيمة 100 مليار دولار، حيث ألغت فجأة الدعم عن قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ورفعت سعر الفائدة بالبنوك، نهاية ديسمبر، والتي تستوعب نحو 250 ألف منشأة ومشروع يعمل بها ملايين الأسر بالمحافظات.

ويطالب رجال الأعمال بضرورة الاستماع إلى القطاع الخاص، الذي تراجع دوره بصورة غير مسبوقة، في الناتج الإجمالي من 16% إلى 6.5% في العقد الأخير، وتحسين بيئة الأعمال، وإزالة المعوقات التي تجبرهم على وقف الأنشطة أو تحجيم الاستثمارات والهروب للخارج.

وتؤكد مديرة مؤسسة التمويل الدولية، ياسمين الحيني، أهمية الشفافية داخل مؤسسات الدولة، وبناء جسور الثقة مع القطاع الخاص، والتي يظهر جديا أثرها عند تطبيق السياسات العامة. ويحذر الرئيس التنفيذي لمجموعة صافولا، سامح حسن، من التعويم المتكرر للجنيه، الذي يربك المستثمرين ويدفع إلى تآكل الأرباح ورؤوس الأموال، بما يفقد السوق المصري جاذبيته للاستثمار المحلي والأجنبي المباشر.

ويرفض سياسيون توسع الحكومة في الاقتراض للإنفاق على مشروعات العاصمة الجديدة، والمشروعات التكميلية المرتبطة بها، ومنافسة القطاع الخاص في مشروعات يمكنه الاستثمار بها وخاصة الخدمية، كالمطاعم والفنادق والمحلات، ومحطات الوقود. وتقدمت النائبة البرلمانية مها عبد الناصر، بطلب لتأجيل التعاقد على قرض لإنشاء خط سكة حديد داخل العاصمة، مع سيمنز الألمانية بقيمة 8.7 مليارات دولار، وتأجيل القطار السريع. وكشف برلمانيون عن قروض غير مسجلة في تقرير البنك المركزي حول الديون المستحقة لروسيا والتي تبلغ 25 مليار دولار، قيمة إنشاءات المفاعل النووي بالضبعة، رغم ضمانها من وزارة المالية، وأخرى، تمثل معا 19.9% من الناتج المحلي الإجمالي.

كما شدد نواب من أحزاب “المصري القومي” و”التجمع الوحدوي” و”الكرامة” و”المصري الديمقراطي” و” الوفد” عن دعمهم مبادرات داخل البرلمان تستهدف الحد من الديون الخارجية.

وأكدت مصادر حزبية أن تحركات النواب ستكون جماعية، لتعيد للنواب حقهم في الرقابة على أموال الشعب، و”مواجهة إضعاف النظام السلطوي أحزاب المعارضة، والصحف المستقلة”، ومعالجة قصور “برلمان يفتقر إلى الكفاءات وأغلبية قادرة على مراقبة السلطة التنفيذية، لا تتحرك بدون أوامر من الجهات الأمنية التي جاءت بها إلى مقاعدها”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here