مبادرات أهلية لمواجهة الارتفاع الصادم في أسعار الكتب الخارجية

5
مبادرات أهلية لمواجهة الارتفاع الصادم في أسعار الكتب الخارجية
مبادرات أهلية لمواجهة الارتفاع الصادم في أسعار الكتب الخارجية

أفريقيا برس – مصر. مع اقتراب العام الدراسي، تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، تفاصيل مبادرات أهلية لتوفير الكتاب التعليمي الخارجي بالمجان، أو بأسعار مخفضة، تخفيفاً عن كاهل أولياء أمور التلاميذ، في ظل ارتفاع فاحش لأسعار تلك الكتب، وبالتزامن مع أعباء معيشية أخرى تحل أولاً في قائمة أولويات غالبية الأسر التي تعاني من ارتفاع أسعار الأغذية والخدمات، وعدم كفاية مدخولها لتأمين الاحتياجات الأساسية.

وتعد “الكتب الخارجية” أكثر أهمية من تلك المدرسية لدى غالبية تلاميذ مصر البالغ عددهم نحو 25 مليونا، إذ تتمتع بالبساطة والجاذبية وسهولة الشرح والاختزال، فيما يعاني الكتاب المدرسي من الحشو وانعدام الجاذبية، ما يدفع الطلاب إلى البحث عن بديل، حتى باتت تلك الكتب مع الوقت تجارة رائجة تدر مليارات الجنيهات على منظومة متداخلة من أصحاب المطابع والموزعين والمكتبات، مع اتهامات للحكومة ووزارة التعليم بتجاهل الظاهرة، وأحياناً التواطؤ معها.

وليس ارتفاع أسعار الكتاب الخارجي المشكلة الوحيدة، إذ تزامنت مع ندرته في ظل الإقبال الهائل على اقتنائه، حد قيام الطلاب بحجزه لدى أصحاب المكتبات، ودفع المال مقدماً للحصول عليه.

وبدت المبادرات الأهلية المنتشرة محل جدل هي الأخرى، إذ يعتمد بعضها على تصوير الكتاب الخارجي الجديد، وإتاحته عبر مواقع التواصل بالمجان، ما يدفع أصحاب دور النشر لاعتبارها قرصنة محرمة دينياً ومجرمة قانوناً، فيما تعد الكتب المتاحة بالمجان عبر “بنك المعرفة” الإلكتروني شرعية، وهو منصة تعليمية رسمية تتيح تنزيل الكتب للطلاب بأكواد خاصة، غير أن طلاباً يقولون إن بنك المعرفة لا يتضمن كل الكتب المطلوبة.

واعتمدت مبادرات أخرى على قيام جمعيات خيرية وأفراد متطوعين بجمع الكتب المستعملة من الطلاب، وتوصيلها لمن يريد من غير القادرين على الشراء.

تضاعفت أسعار الكتب الخارجية في مصر نظراً لزيادة الإقبال على اقتنائها

وبلغت أسعار بعض الكتب الخارجية أرقاماً فلكية، من بينها مجموعة كتب شهيرة في مادة الرياضيات للثانوية العامة، يبلغ سعرها الجديد 850 جنيها (نحو 60 دولارا)، بنسبة ارتفاع تجاوزت 300 في المائة مقارنة بأسعار العام الماضي، فيما بلغت أسعار ملخصات خاصة بالصف الأول الابتدائي 150 جنيها (خمسة دولارات). بينما يبلغ الحد الأدنى للأجور في مصر 3000 جنيه، ما يعني أقل من 100 دولار.

ومع تزايد الإقبال على اقتناء الكتب الخارجية، قرر أصحاب محال بيع الكتب المستعملة رفع أسعارها بنسب تتراوح بين 50 و100 في المائة، معللين ذلك بمبدأ “النسبة والتناسب”، إذ إن أسعار الكتب الجديدة تضاعفت استعداداً لحلول العام الدراسي المقرر أن يبدأ رسمياً في أكتوبر/تشرين الأول القادم.

يعمل محمود عليفي بوزارة الصحة، ويقول: “في كل عام أبحث عن طريقة لتوفير الكتب الخارجية بأسعار مناسبة، وعادة يكون الحل بالتوجه إلى (سور الأزبكية) لضمان الحصول على الكتب الخارجية المستعملة، تلبية لاحتياجات أبنائي الأربعة، فدخلي لا يسمح بشراء الكتب الخارجية الجديدة، والتي تتجاوز أسعارها حالياً عدة آلاف من الجنيهات، بعدما كانت لا تتجاوز ألفي جنيه خلال السنوات الأخيرة”.

وتبدو حالة أغلبية الكتب الخارجية المستعملة سيئة نتيجة كثرة استخدامها من قبل أصحابها، ما يشكل نوعا من النفور منها من قبل كثير من الطلاب. تقول هناء سعيد، وهي معلمة وأم، إنها تبحث عن سبل أخرى لاقتناء الكتب الخارجية بأسعار أرخص كبديل عن تلك المستعملة التي يتأثر أبناؤها نفسياً في حال استخدامها.

وتوضح: “إنها معادلة صعبة تشبه المشي على الحبل، فلا غنى لنا عن تلك الكتب، والمستعمل منها يجعل أطفالي يشعرون بأنهم أقل شأنا من زملائهم. أتابع مع المكتبات ودور النشر المرتجع الفائض من العام السابق، وهي الكتب التي لم يتم بيعها. إنه حل وسط، إذ تبدو الكتب جديدة، لكنها تكون رخيصة، فسعرها يزيد عن سعر الكتب المستعملة بنسبة نحو 25 في المائة فقط”.

أما سماح، وهي أرملة وأم لطفلين، فلم تجد وسيلة غير اللجوء إلى الكتب المستعملة، مع محاولة إرضاء ابنيها نفسياً، قائلة إنها عجزت عن إيجاد الكتب الجديدة في المكتبات لأنها نفدت. وتقول: “أنا أبذل مجهوداً مضاعفاً ليبدو الكتاب الخارجي المستعمل مفيداً، إذ أستخدم أقلام التصحيح لإزالة الإجابات من الكتب، حتى يمكن لابني حل الأسئلة بنفسهما”.

يؤكد أصحاب دور النشر أن تصوير الكتاب الخارجي نوع من القرصنة

إلى جانب مبادرات الجمعيات الخيرية ومؤسسات العمل الأهلي، قامت بعض مكاتب خدمات المواطنين التابعة لأعضاء مجلس النواب المصري بنسخ الكتب الخارجية عبر آلات تصوير، وإعادة تهيئتها وتغليفها، ثم توزيعها على أبناء الدائرة بسعر تكلفة التصوير، وهو ما سهل اقتناء آلاف من الطلاب لتلك الكتب. يقول خالد إيهاب، وهو طالب بالثانوية العامة في القاهرة: “التصوير يفقد الكتب الخارجية جاذبيتها بفعل فقدانها لطابعها الملون والورق المصقول. الشكل مهم أيضاً لفتح الشهية للمذاكرة”.

ويرى أمين الصندوق بجمعية المدينة المنورة الخيرية، أحمد عبد الصمد، أن الأوضاع المالية شديدة التردي لقطاعات واسعة من المصريين دفعت عشرات الجمعيات الخيرية للتفكير خارج الصندوق، والقيام بتصوير الكتب الخارجية، وتقديمها بالمجان للحالات الأكثر معاناة، أو بأسعار رمزية لمن تبدو أوضاعهم المالية أفضل نسبياً”.

ورغم تقديره لقضية الملكية الفكرية وحقوق الطبع والنشر، يؤكد عبد الصمد، أن “هذه الصورة من التكافل تخفف العبء عن الأغلبية من محدودي الداخل الذين يجدون صعوبة في توفير الكتب الجديدة لأولادهم في ظل الارتفاعات القياسية في الأسعار الكتب. هناك تجاوب كبير مع جهود تخفيف العبء عن محدودي الدخل، وضمان أن تحقق الكتب المصورة فائدة تربوية، فالكتب المستعملة قد لا تتوافق مع التعديلات الجديدة التي أدخلت على المناهج، فضلاً عن كونها لا تشكل جذباً للطلاب. لكن هناك جانبا آخر مهما للمشكلة، فبعض المعلمين يقومون بإلزام طلابهم بالحصول على كتب خارجية بعينها، حتى لو لم تكن هناك حاجة ملحة لاقتنائها”.

وانتقل الإقبال على الكتب المستعملة من العاصمة القاهرة والمدن الكبرى إلى أرياف المحافظات، وبات من المعتاد مشاهدة المركبات ذات الثلاث عجلات “تروسيكل” تجوب الشوارع محملة بالكتب الخارجية المستعملة، وأحياناً يفترش الباعة الأرصفة، في ظاهرة كانت مقتصرة على المدن الكبرى.

يؤكد محمود، وهو بائع كتب في “سور الأزبكية”، الارتفاع الهائل في أسعار الكتب الخارجية المستعملة، حتى بلغت الزيادة مقارنة بالعام الماضي الضعف، ويبرر ذلك بـ”الإقبال المتزايد عليها، والذي طاول أبناء الطبقة المتوسطة الذين يتحرجون من الفصال في السعر، مضيفاً أن “ارتفاع الأسعار جعل سور الأزبكية الوجهة الأولى لعشرات آلاف المصريين الذين يعجزون عن شراء الكتب الجديدة”.

ويرى الخبير في شؤون التعليم، مجدي حمزة، أن ارتفاع أسعار الكتب الخارجية يعود إلى انعدام المنافسة بين تلك الكتب والكتب المدرسية التي توزعها وزارة التعليم، إذ يقدم الكتاب الخارجي المعلومات في قالب شيق، وتضم عدداً كبيراً من التمارين وأسئلة الامتحانات، على عكس كتاب الوزارة الممل.

وينبه حمزة إلى أن “زيادة اللجوء إلى الكتب الخارجية ترجع إلى كون المدرسة لم تعد تقوم بدورها التربوي، فمعظم الطلبة لا يذهبون إلى المدارس، والمعلم لا يقوم بدوره في الصف، وبالتالي يكون البديل هو مراكز الدروس الخصوصية والكتب الخارجية. حتى أن أسعار (الملازم) والملخصات التي يعدها المدرسون في تلك المراكز التعليمية ارتفعت هي الأخرى، ما يجعل التعليم عبئاً على كاهل أولياء الأمور”.

ويشدد في تصريحات صحافية على أهمية قيام وزارة التعليم بجهد أكبر لتطوير الكتاب المدرسي، وجعله مماثلاً في الجودة والجاذبية للكتاب الخارجي، بما يخلق نوعاً من المنافسة، ويقلل بالتالي من الإقبال على الكتب الخارجية، ما يؤدي إلى تراجع أسعارها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here