مصريون يأكلون بقايا الدجاج لمواجهة الغلاء الحاد

5
مصريون يأكلون بقايا الدجاج لمواجهة الغلاء الحاد
مصريون يأكلون بقايا الدجاج لمواجهة الغلاء الحاد

أفريقيا برس – مصر. تتسارع معدلات التضخم الأساسي في مصر لتتجاوز 41% نهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي، وهي أعلى مستوى لها على الإطلاق، يشعر بها المواطنون قبل أن يصدر جهاز الإحصاء الحكومي مؤشراتها دورياً في اليوم العاشر من الشهر. يسحق الغلاء “أم بركة” الموظفة الخمسينية في الإدارة الصحية بحي الدقي غرب العاصمة.

تظهر آثار الغلاء على مشتريات” أم بركة” التي انتهت من عملها القريب من السوق، فتوجهت إلى محل بيع الطيور بسوق سليمان جوهر. ترتاد السوق الطبقة المتوسطة، في يوم ما كان هذا السوق للعائلات الميسورة من بقايا برجوازية العصر الملكي والتي انتقلت من قلب القاهرة لبناء فيلات وبيوت واسعة على الجانب الغربي من نهر النيل.

تراجعت قدرة الأثرياء في عصر التأميم، بستينيات القرن الماضي. أصبحت المنطقة ملاذا لطبقة جديدة من كبار الموظفين بالدولة وأعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة وأصحاب مشروعات متوسطة، هذه الفئة تدهور وضعها هي الأخرى، وأصبحت على حافة الفقر.

وتمثل ” أم بركة” كما يطلق عليها عبده الصعيدي، صاحب محل الدواجن، نموذجا لحال هذه الأسر، التي تتمسك بأهداب الحياة، وتسعى إلى طلب العيش بكرامة. فاجأت ” أم بركة” من حولها من مشتري الدواجن، بطلبها “كارتة” من البائع.

ومكونات” الكارتة”، تشمل رأس الدجاجة وعنقها محاطا بقطعة الجلد، وعظمة بين وركي الدجاجة يطق عليها المصريون “زلمكة” وأسفل القفص الصدري، لا هي باللحم ولا العظم، تسمى “القرقوشة”. جذبت الكلمة أسماع الحاضرين حولها، فهناك مشترون جدد كثرت أعدادهم بالمنطقة، من السودانيين واليمنيين الفارين من هول الحرب الدائرة في بلديهم، أدخلوا مصطلحاتهم الجديدة ومنها “الكارتة”.

جذب طلب ” أم بركة” أحد العملاء الواقفين بجوارها، يشرح لها، أن البائع، يعرض بيع الدجاج الحي وقطعه الشهيرة التي أصبحت تباع بالغرام، فقالت الحاضرة، إن البائع يعلم ما تريده. سكت الجميع وصوبوا النظر في العرض الذي قدمه البائع، قائلا كيلو “الكارته” بـ 25 جنيهاً ومن أجل خاطرك 20 جنيهاً.

أعطاها البائع كيلو “الكارتة” واختفت على عجل، بعد أن حرصت على أن يكون الطلب أفضل مما عنده. انخفضت أسعار الدجاج، عن شهري مايو/ أيار وإبريل/ نيسان الماضيين، وعاودت الارتفاع نهاية يونيو/ حزيران، مع ذلك لم تقدر “أم بركة” على شراء أي من القطع العادية من الدجاج، حيث إن كيلو الدجاج الحي بسعر 80 جنيهاً، وقطع الأوراك بـ 85 والصدور واللحم البانيه بسعر 165 جنيهاً.

اعتاد البائع الشهير بالمنطقة، تدبير ” الكارتة” وكذا ما يسمى بـ “العفشة” التي تحتوي على هيكل الصدور والأرجل، ووجبة ثالثة تضم قطع أعناق الدجاج فقط. أصبحت الوجبات الثلاث، متوافرة بكثرة لدى باعة الدواجن، بعد أن كثر مبيع الدجاج بالقطعة والغرام أيضاً، ويضعون لكل قطعة سعرا مختلفا.

يقول البائع إن الغلاء يقتلنا جميعا، وما علينا إلا مساعدة بعضنا البعض لتسيير الحياة، ويلمح لما حدث مع “أم بركة” بأن هذه السيدة وأمثالها ممن اكتسحهن غول الأسعار وأصبحن غير قادرات على شراء ما اعتدن عليه، من متجره ومن غيره، فلم يتبق أمامها إلا البحث عن تحلية الطعام لأبنائها بأية وسيلة ممكنة.

ذهبت “أم بركة” من المتجر، وبقيت أنباء التضخم تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع تسجيله ارتفاعا جديدا في شهر يونيو، بمعدل 2.1 في المائة عن مايو الماضي حين سجل 2.7 في المائة، وزيادة المعدل السنوي للتضخم على مستوى الريف إلى 36.8 في المائة، و35.7 في المائة بالحضر، عن نفس الشهر من عام 2022، حين بلغ 14.7 في المائة، وهي ذروة تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا على ورادات البلاد من القمح والزيوت ومستلزمات الإنتاج كافة.

تكشف أرقام الجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة عن ارتفاع هائل بأسعار الدواجن واللحوم بنسبة 92.1 في المائة، والأسماك 83.9 في المائة، والجبن والبيض 67 في المائة، والسكر 53.6 في المائة، والحبوب والخبز 58.9 في المائة، والخضروات 53.6 في المائة.

يؤكد الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب على أن تراجع قدرة “أم بركة” الشرائية وأمثالها من ملايين المصريين، وراءه التدهور في قيمة الجنيه، مع الزيادة الضئيلة بالدخول، الذي يفقد الأسر ثرواتها ومدخراتها، وسط تآكل الودائع التي يعيش عليها الكثيرون.

يشير عبد المطلب إلى أن تصاعد التضخم الأساسي إلى معدلات تزيد عن 40 في المائة، يلتهم العوائد على المدخرات، التي لا تزيد عن 50 في المائة من التضخم الرسمي. فقد الجنيه أكثر من 50 في المائة من قيمته خلال عام حيث تراجع من 15.7 جنيهاً إلى 31 جنيهاً مقابل الدولار رسميا، تزيد بنسبة 12 في المائة في السوق الموازية حيث يباع ويشترى في حدود 40 جنيها مقابل الدولار.

تعكس حالة التضخم الحادة الأزمة التي يمر بها اقتصاد نظام مأزوم لم يستطع الخروج من نفق التعويم بتخفيض مستمر في قيمة العملة بدأ منذ عام 2016، حيث فقد الجنيه أكثر من 75 في المائة من قيمته، ومازال مهددا بمزيد من التراجع، في ظل شح العملة الصعبة وعدم القدرة على إعادة هيكلة الاقتصاد بما يمكنه من توليد عملة صعبة وتخفيض العجز بين الواردات والصادرات المتوقع أن تصل إلى 50 مليار دولار خلال العام المالي الجاري.

وعد النظام المصري بوقف تدهور العملة، مؤكدا أن “مصر لا تستطيع تحمل المزيد من ارتفاعات في الأسعار بعد تعويم الجنيه”. بقيت الوعود وعوداً، حتى بدأت موجات جديدة من الغلاء، يرجعها أعضاء الغرف التجارية والصناعية إلى عدم قدرة الدولة على توفير الدولار لشراء مستلزمات الإنتاج التي يحتاجها السوق المحلي والمخصص للتصدير.

تدفع الأزمة الأسعار للتصاعد، بفعل ندرة الخامات والمنتجات، وزيادة تكلفة شراء الدولار من السوق السوداء ومخاطر التحويل والتشغيل، مع تعثر الحكومة في خفض نفقاتها لإداراتها أسوأ أزمة للعملة المحلية والأجنبية خلال السنوات الماضية. رفعت الحكومة أسعار الأزر والسكر والوقود، الفترة الماضية، وستظهر آثار ارتفاعات جديدة بالتضخم من زيادة أسعار الكهرباء والغاز مع فواتير أغسطس/ آب المقبل، وفق المصادر.

يؤكد اقتصاديون أن التضخم سيزداد توحشا. وعدت الحكومة بتدبير احتياطي نقدي كاف قبل تخفيض جديد بقيمة الجنيه، والانتقال لسعر صرف مرن، وفق اتفاق مسبق مع صندوق النقد الدولي، وقعته نهاية العام الماضي. يرى الخبير الاقتصادي إلهامي المرغني أن الغلاء سيظل مستمرا خلال الفترة المقبلة، مبينا أن الحكومات مازالت تحاول معالجة العرض، بينما تترك المرض يستفحل في جسد الاقتصاد.

يشير الميرغني في دراسة اقتصادية حول “الغلاء في مصر وبرنامج لمكافحته” إلى أن الارتفاع المستمر في قيمة الدولار مقابل الجنيه، لأسباب محلية. يؤكد الميرغني أن الحكومة وجهت الاقتصاد المنتج إلى اقتصاد خدمات، وبدلا من الاعتماد على قوة الاقتصاد الزراعي والصناعي وقيمة الصادرات، تبني الجسور والأنفاق والمونوريل والقطار السريع وأكبر مسجد وبرج، فأصبح ما يحدث من غلاء لا علاقة له بالخارج، وإنما يرتبط ارتباطا وثيقا بالسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية المتبعة وانحيازاتها الاجتماعية واعتمادها على الخارج في ظل ندرة مصادر النقد الأجنبي.

يكشف مؤشر منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” الصادر نهاية الأسبوع الماضي، تراجعا في أسعار الغذاء إلى أدنى مستوى له مسجل في إبريل/ نيسان 2021، وانتهاء تبعات أزمة الحرب الروسية ووباء كورونا على أسعار كافة الحبوب والسكر والزيوت ومنتجات الألبان.

بلغ متوسط مؤشر الأغذية الذي يتتبع التغيرات الشهرية في الأسعار الدولية، 122.3 نقطة، بانخفاض 1.4 في المائة عن مايو الماضي، و23.4 في المائة عن ذروته المحققة في مارس/ آذار 2022. أكدت “فاو” تراجع أسعار السكر واللحوم بينما شهدت أسعار الدواجن ارتفاعا طفيفا متأثرة بانتشار وباء انفلونزا الطيور في أهم أسواق إنتاجها عالمياً.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here