آدم يوسف
أفريقيا برس – مصر. خفض صندوق النقد الدولي، أمس الخميس، مجدداً، توقعاته لنمو اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تشمل مصر، لتصل إلى 2.6% فقط في عام 2025 بسبب تأثر دول المنطقة بالضبابية الناجمة عن الحرب التجارية العالمية وانخفاض أسعار النفط. ويمثل هذا التوقع الجديد خفضا حادا عن توقعاته في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي أشارت لتوقع نسبة نمو 4%، وذلك بسبب التوترات السياسية والحروب الاقتصادية وتراجع الطلب الخارجي وتقلب سوق النفط، بحسب وكالة “رويترز” في مطلع مايو/ أيار الجاري.
واستثنى صندوق النقد الدولي، في آخر تحديث لتقرير “آفاق الاقتصاد العالمي”، مصر من انخفاض النمو الاقتصادي ورفع توقعات نمو الاقتصاد المصري 0.2% ليسجل 2.8%، كما رفع توقعات النمو الاقتصادي لـ3 دول أخرى، هي الجزائر بنسبة 0.5% ليسجل نموها ارتفاعا بنسبة 3.5%، وقطر بنسبة 0.5% إلى 2.4%، والمغرب بنسبة 0.3% إلى 3.9%.
وأرجع جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، هذا التراجع الجديد، في حديث لـ”رويترز”، إلى “عدم اليقين والضبابية” التي تُخيم على الاقتصاد وتؤثر على الاستهلاك والاستثمار، مؤكدا أن “كل هذه العوامل قادت إلى تقليص توقعاتنا”. وفي مقابلة أخرى مع وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، أمس الخميس، حذر أزعور مصر ودعاها إلى أن “تتوخى الحذر في ما يتعلق بمسار خفض أسعار الفائدة”، وأرجع هذا لـ”مخاوف عودة التضخم للصعود مع استمرار حالة عدم اليقين الناجمة عن سياسة الرسوم الجمركية التي تنتهجها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب”.
وقال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي إنه من الضروري أن تدرس مصر بعناية أي تخفيضات إضافية لأسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة، إذ من المتوقع أن تعود الضغوط التضخمية في ظل الصدمات الحالية. وكانت مصر قد خفضت أسعار الفائدة الشهر الماضي للمرة الأولى منذ نحو خمس سنوات، بعدما تراجع معدل التضخم السنوي إلى 13.6%، وهو أقل من نصف مستواه القياسي المُسجل في سبتمبر/ أيلول 2023.
سر استثناء مصر
وكان صندوق النقد الدولي قد خفض، في تقريره حول “آفاق السياسات الاقتصادية في العالم”، الصادر 20 إبريل/نيسان الماضي، توقعاته للاقتصاد العالمي ككل، بما فيه إسرائيل، جراء الرسوم الجمركية، لكنه استثنى مصر، في مفارقة غريبة، حيث رفع توقعاته لنمو اقتصادها خلال العام الجاري، رغم ما يعانيه الاقتصاد المصري من تراجع في الموارد وتدهور الجنيه، وخسائر قناة السويس وزيادة التضخم وأسباب أخرى.
وأرجع رئيس فرع أحد البنوك المصرية الخاصة السبب، إلى الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيراً إلى أن مصر سوف تستفيد من هذه الرسوم المخفضة عليها (10% مقارنة بـ40 و50% على دول أخرى)، في زيادة الصادرات، كما أنها سوف تستفيد من اتفاقية التجارة الحرة مع أميركا واتفاقية “الكويز” مع إسرائيل وأميركا في زيادة صادراتها، والتي تسمح بنفاذ المنتجات المصرية إلى الأسواق الأميركية وهي معفاة من الجمارك.
وقال رئيس البنك، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن تقرير صندوق النقد الدولي حول تقييم السياسات الاقتصادية في العالم، قائم على المقارنة بين الدول بعد رسوم ترامب، ولأن هذه الرسوم عالية على كل الدول باستثناء مصر ودول الخليج، فسوف تستفيد منها مصر، وتوقع أن يشهد الطلب الأميركي على المنتجات المصرية ارتفاعاً نتيجة الرسوم المنخفضة وزيادة في تصدير الملابس المصرية بصورة تنافسية مقارنة بالواردة من دول الصين وفيتنام وبنغلاديش التي فُرضت عليها رسوم أعلى بكثير من مصر، وحتى إسرائيل التي فرض عليها ترامب رسوما بنسبة 17%.
وحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن صادرات مصر للولايات المتحدة بلغت 2.2 مليار دولار خلال عام 2024، بنسبة نمو سنوي 12.3%، وأبرزها الملابس بقيمة 739.9 مليون دولار، والخضر والفواكه بقيمة 113.8 مليون دولار، والسجاد وأغطية أرضيات بقيمة 123.3 مليون دولار، والحديد والصلب بقيمة 227.7 مليون دولار. وأوضح الخبير المصرفي المصري، أن مصر سوف تستفيد أيضا من تراجع الدولار الأميركي في العالم بنسبة 10% بسبب سياسات ترامب التي دفعت دول العالم للتكالب على شراء الذهب بدلا من حيازة الدولار، مشيرا إلى أن هذا سبب تحسن الجنيه المصري بعد تراجعه أمام الدولار.
لكن الخبير المصرفي المصري أشار إلى مظاهر خلل أخرى في الاقتصاد وحالة فوضى بسبب استمرار تدخل شركات الجيش في الاقتصاد بصورة كبيرة وفي كافة المجالات ومزاحمة القطاع الخاص، وعدم التحرك بجدية في بيع الشركات العسكرية في البورصة والقيام بإصلاحات يطالب بها الصندوق، وأوضح أن هذا الخلل ربما هو السبب في عودة الصندوق لإعادة تخفيض توقعه لنسب النمو في دول من بينها مصر. ورجح أن يكون بيان الصندوق السابق، الذي يتوقع نمو اقتصاد مصر لا تراجعه، متأثرا بقرارات رفع أسعار الوقود حيث استجابت مصر لمطالب الصندوق في هذا الصدد، لكن استمرار الأزمات السياسية والاقتصادية وتأثر مصر بها يعيد ترتيب الأولويات، وأشار لتوقع “مطبات” محتملة بسبب ما يحيط الاقتصاد العالمي من مخاطر نتيجة الحروب التجارية والسياسات الحمائية.
مشكلات أخرى لمصر
وكان خبراء مصريون قد توقعوا فى ندوة موسعة لمناقشة تأثيرات رسوم “ترامب” الجمركية على مصر، عقدها “المركز المصري للدراسات الاقتصادية”، في الثامن من إبريل/نيسان الماضي، أن تتضرر مصر من الرسوم من أوجه أخرى، مشيرين إلى أن مواجهة “تسونامي ترامب” تتطلب إصلاحات مؤسسية شاملة وعميقة وسريعة لتحسين بيئة الاستثمار والتنافسية وزيادة الصادرات، وأكدوا أن التعرفة الجديدة (10%) ستؤدي إلى تآكل القدرة التنافسية لصادرات الملابس الجاهزة المصرية وصعوبة استغلال الإمكانات التصديرية في القطاعات الأخرى، وشددوا على أن التعرفات الجمركية ستضر الاقتصاد العالمى بأكلمه بما فيه الولايات المتحدة، وهو ما رصده تقرير صندوق النقد الدولي الأخير حول آفاق الاقتصاد العالمي.
وقالت عبلة عبد اللطيف، المديرة التنفيذية ومديرة البحوث بالمركز، إن “مصر تعاني أصلا من ضعف التنافسية وعدم القدرة على الاستفادة من الجمارك الصفرية على صادراتها لأميركا قبل فرض الرسوم الجديدة”، وأوضحت أن مصر تمتلك إمكانات تصديرية ضخمة غير مستغلة في السوق الأميركي، منها الأسمدة بنسبة 81% من الإمكانات المتاحة، والآلات بنسبة 98%، والفواكه، والبلاستيك، بينما حصة الاقتصاد المصري في سوق الملابس الأميركي قليلة جدًا.
بدوره، قال طارق توفيق، نائب رئيس اتحاد الصناعات المصرية ورئيس غرفة التجارة الأميركية، إن الاقتصاد المصري يعاني من خلل، وعلى الحكومة تعزيز دور القطاع الخاص ودعم الاستثمار والإنتاج والتوقف عن الاعتماد على الاقتصاد الريعي. ورفع تقرير صندوق النقد الدولي (آفاق الاقتصاد العالمي) توقعاته لنمو الاقتصاد في مصر خلال العام الجاري بنسبة 0.2 نقطة مئوية مقارنة بتوقعاته السابقة في يناير/ كانون الثاني الماضي، لتصل الآن إلى 3.8%، بدلا من 3.6%.
كما رفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد في العام المقبل بنسبة 0.2 نقطة مئوية أيضا، ليصل إلى 4.3% على أساس سنوي. وتوقع صندوق النقد الدولي أيضا في تقريره حول اقتصاد مصر أن يستمر التضخم في الانخفاض خلال العام المالي الحالي، إذ يتوقع أن يبلغ المتوسط الشهري 19.7% على أساس سنوي بعدما كان 22.8% على أساس سنوي، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
لكن صندوق النقد توقع أن يتسع العجز في الحساب الجاري لمصر إلى 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي الجاري، صعودا من 5.4% في العام السابق، قبل أن يتراجع إلى 3.7% في 2026، بحسب التقرير. ومن المتوقع أيضا أن يسجل معدل البطالة زيادة طفيفة من 7.4% في العام المالي الماضي إلى 7.7% في العام المالي الحالي والعام المقبل، بحسب التقرير.
انخفاض نمو الاقتصاد الإسرائيلي وخسائر مليارية
وبينما يتوقع الصندوق أن يصل النمو عموما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 2.6% في عام 2025، قبل أن يتسارع إلى 3.4% في عام 2026، توقع أن ينخفض في إسرائيل رغم تصنيفها ضمن الشرق الاوسط. وهذه التوقعات الجديدة للشرق الأوسط، أقل من توقعات الصندوق التي أصدرها في يناير الماضي، حيث توقع انخفاض النمو في الشرق الأوسط 0.9 نقطة مئوية بالنسبة للعام الجاري، و0.5 نقطة مئوية للعام 2026.
وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الإسرائيلي، مؤكدا أنه سيبلغ 3.2% في 2025 و3.6% في 2026، وهي نسب أدنى من تقديرات المؤسسات الإسرائيلية ومنخفضة عن التقديرات التي قدمتها كل من وزارة المالية وبنك إسرائيل. وبحسب التقرير، فإن معدل التضخم في إسرائيل سيبلغ 2.7% في عام 2025، أعلى بقليل من تقديرات بنك إسرائيل (2.6%)، في حين يتوقع أن ينخفض إلى 2% في 2026، مقارنة بـ2.2% في التقديرات المحلية.
ويُرجح أن يبقى معدل البطالة منخفضًا خلال العامين المقبلين، بمعدل 3%، ارتفاعًا طفيفًا عن النسبة الحالية البالغة نحو 2.6%. لكن التغيير الأبرز في التوقعات يتعلق بالفائض في الحساب الجاري لإسرائيل، وهو مؤشر يعكس الفارق بين ما يدخل من عملات أجنبية عبر التصدير والخدمات، مقابل ما يخرج منها. وكان صندوق النقد قد توقع في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 فائضًا بنسبة 4.4% من الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل، لكنه عدل هذه النسبة إلى 2.8% فقط، ما يعادل خسارة تقديرية بنحو 32 مليار شيكل، يُعتقد أنها نتيجة تراجع كبير في الصادرات بسبب تداعيات “حرب الرسوم الجمركية” التي أطلقها ترامب.
انهيار النمو في العالم
توقع صندوق النقد الدولي أن يكون للرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والإجراءات التي اتُخذت ردا على ذلك تأثير كبير على الاقتصاد العالمي هذا العام، متحدثا عن تباطؤ مرتقب في النمو. ففي ما يخص دول العالم ككل، توقع صندوق النقد الدولي أن يسجل النمو العالمي 2.8% في عام 2025، بانخفاض 0.5 نقطة مئوية عن تقديراته السابقة، حسبما ذكر في تقريره بشأن “آفاق السياسات الاقتصادية في العالم”.
وتوقع أن يرتفع النمو العالمي إلى 3% في عام 2026، وهي نسبة أقل من توقعات صندوق النقد الدولي السابقة البالغة 3.3%. وأرجع الصندوق تقديراته لتراجع النمو في العالم باعتباره نتيجة مباشرة لـ”التدابير التجارية الجديدة وآثارها غير المباشرة، المتمثلة في تداعيات الروابط التجارية، وزيادة عدم اليقين، وتدهور المعنويات”.
وحذر التقرير من أن استمرار تصاعد التوترات التجارية، وغياب اليقين حول سياسات التجارة الأميركية، قد يؤديان إلى اضطرابات إضافية في الأسواق، وإلى إعادة تقييم الأصول المالية، بل وحتى إلى تقويض استقرار النظام النقدي العالمي. وأشار التقرير إلى أن الآثار السلبية لحرب الرسوم قد تشمل أيضًا تقلبات شديدة في أسعار صرف العملات وحركة رؤوس الأموال، لا سيما في الدول التي تواجه بالفعل أزمات ديون.
وفي تحذير اجتماعي غير معتاد، ختم التقرير بالتنبيه إلى أن “استمرار أزمة غلاء المعيشة، بالتزامن مع تراجع أدوات التدخل المالي والنقدي، وتباطؤ النمو المتوقع، قد يعيد إشعال موجات من الاحتجاجات الاجتماعية حول العالم”. وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصاد الولايات المتحدة إلى 1.8% في عام 2025، بانخفاض نقطة مئوية واحدة تقريبا عن توقعاته السابقة، مشيرا إلى أن “زيادة عدم اليقين بشأن السياسات، والتوترات التجارية، وتوقعات الطلب الضعيفة” تؤثر على الاستهلاك.
كما توقع خفض النمو في اليابان بمقدار 0.5 نقطة إلى 0.6%، بسبب المخاوف التي خلفتها التعرفات الجمركية، كما خفض الصندوق توقعاته للنمو في كندا بمقدار 0.6 نقطة مئوية، وفي المملكة المتحدة بمقدار نصف نقطة. وقال الصندوق إن الصين والهند ستتحملان العبء الأكبر، حيث خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الصين لعام 2025 بمقدار 0.6 نقطة إلى 4.0%، مشيرا إلى أن القيود التجارية “تعوض التأثير الأقوى المُرحَّل من عام 2024 والتوسع المالي في الموازنة.
وفي الوقت نفسه، خفض صندوق النقد توقعات النمو لاقتصاد الهند بمقدار 0.3 نقطة مئوية إلى 6.2%. أيضا خفض الصندوق النمو في منطقة اليورو “بشكل طفيف” إلى 0.8% هذا العام. ومع ذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي نموا أقوى بنسبة 1.2% العام المقبل، مدفوعا بتحسن الاستهلاك وارتفاع الأجور مع تحفيز إصلاحات “كبح الديون” في ألمانيا النمو.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس