على رصيف محطّة مترو حدائق الزيتون (شرق القاهرة)، التقت الصديقتان سارة وهبة وتوجهتا إلى محل فساتين زفاف مالكه سوري. وحين وصلتا، استقبلهما شاب سوري عشريني قائلاً: “أهلين، مرحباً”. كان على علم مسبق بحضورهما، فجهز لهما مجموعة من فساتين الزفاف التي كانت قد لاقت إعجاب العروس هبة عبر صفحة المحل على موقع “فيسبوك”.
اختارت العروس فستانها من بين عشرات الفساتين المعروضة، على أن تتسلمه قبل موعد زفافها بأيام. محال فساتين الأعراس كثيرة، لكنّ هبة اختارت ثوباً أبيض اللون ومطرزاً بعناية وخفيف الوزن، كانت قد رأت صورته على موقع المحل على “فيسبوك” ضمن فساتين الزفاف السورية والتركية. تقول إنه “مختلف عمّا هو معروض في مصر، وسعره أرخص”.
ليست فساتين الزفاف وحدها التي لاقت استحسان هبة. تبحث أيضاً عن أثاث وثياب من محال سورية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. دخلت المنتجات السورية السوق المصري وعرف السوريون سريعاً طبيعة الشعب المصري الذي ينبهر بكل جديد.
من هنا، أحب المصريون الثياب السورية والعباءات الحلبية الريفية المطرزة والأكل الشامي (الدمشقي). وفي الكثير من الأحيان، تفوقت المطاعم السورية على المصرية، ونجح السوريون في بيع الفول والفلافل للمصريين عوضاً عن الفول والطعمية، الوجبة الشعبية الأشهر والأرخص على الإطلاق.
يقول رجل الأعمال السوري محمد إبراهيم (اسم مستعار)، إنه واجه الكثير من الصعوبات التي وصلت إلى حد الاستغلال منذ قدومه إلى مصر نتيجة “الأزمة السورية”. الرجل الستيني قدم إلى مصر بصحبة زوجته وابنتيه ونجله أواخر عام 2012، بناءً على نصيحة وترتيبات بعض الأصدقاء المصريين، الذين جمعته بهم التجارة سابقاً.
كان في صدد بدء شراكة مع أحدهم قبل أن يكتشف أن الأمر رهن زواج الرجل المصري من ابنته الكبرى، فتخلى عن الفكرة برمتها وبدأ عمله الخاص بما تبقى معه من مال. يقول إبراهيم: “ليس صحيحاً أن السوريين الذين جاؤوا إلى مصر أغنياء، بل هم من الطبقة المتوسطة والفقيرة. أغنياء سورية توجهوا إلى أوروبا”.
في سورية، كان تاجراً كبيراً، لكنه اضطر إلى بيع ما استطاع من ممتلكات لينجو بأسرته إلى مصر. وأنفق جزءاً كبيراً من مدخراته لتأمين منزل مريح وآمن لأسرته في حي الرحاب، أحد الأحياء الجديدة، واشترى مصنعاً صغيراً للملابس بالشراكة مع سوريين ومصريين آخرين. الدخل الشهري جيد، لكن قيمته تقل تدريجياً من جراء تقاسمه بين الشركاء. يقول: “كان كل همّي أن يسكن أولادي في مكان نظيف لا يختلف كثيراً عما كنا نعيشه في دمشق. أعمل أنا وابني ليل نهار لنعيش في أفضل وضع ممكن”.
هذا الجانب في الشخصية السورية “النزيهة” أربك بعض المصريين الذين شنّوا حملة مؤخراً بإيحاء من بعض رموز السلطة الإعلامية والقانونية، لإعادة النظر في تدفق أموال السوريين وكيفية إنفاقهم.
وكتب نبيل نعيم، القيادي السابق في تنظيم “الجهاد” المصري وأحد مؤسسي التنظيم في مصر، على صفحته على “فيسبوك”: “النشاط الاقتصادي للسوريّين في مصر من أموال التنظيم الدولي للإخوان وغسيل الأموال”. وتلقّف الإعلام المصري المؤيد للنظام هذا التصريح، وبنى عليه تقارير صحافية تحمل في طيّاتها الكثير من التحريض على ألسنة خبراء أمنيين واستراتيجيين.
ثمّ عمد المحامي المصري الشهير بموالاته للنظام، سمير صبري، إلى رفع دعوى قضائية لحصر أموال وممتلكات السوريين في مصر، مطالباً بإعادة النظر في الضرائب التي يدفعونها. وأشار إلى “توجه بعض أموال السوريين لدعم الإرهاب في سورية”، متسائلاً: “هل تخضع الأنشطة والأموال السورية في مصر لقوانين الضرائب والرقابة المالية”؟ ليتلقف الإعلام المصري هذا السؤال ويشن بعض الإعلاميين حملة ممنهجة ضد السوريين في مصر.
لم يصل الأمر بالمصريين إلى درجة تغيير معاملتهم للسوريين، من دون أن يلغي ذلك تأثر البعض. عدد من المصريين ما زالوا يحبون الطعام السوري لكن يكرهون وجودهم الاقتصادي ونجاحهم في عز الأزمة الاقتصادية المصرية.
ورداً على هذه الحملة، أطلق مصريون حملة مضادة ورحبوا بالسوريين على أرض مصر من خلال وسم “السوريين منورين مصر” الذي اجتاح وسائل التواصل الاجتماعي. ونجح كثير من السوريين في مصر في إنشاء مشاريع تجارية غالبيتها في قطاعات النسيج والمطاعم والأسواق المحلية منذ قدومهم إلى مصر في عام 2011، وتقدر استثماراتهم حالياً بنحو 800 مليون دولار أميركي بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الصادر في مايو/ أيار في عام 2017.
التقرير نفسه أشار إلى أن “السوريين استطاعوا الدخول إلى الاقتصاد المصري، والمشاركة في رأس مال قدر بالملايين خلال السنوات الماضية، على الرغم من أنهم واجهوا صعوبات مثل الحصول على تراخيص العمل، وإن كان من المحتمل أن يكون هذا التقدير أقل من الرقم الفعلي، لأن عدداً كبيراً من المشاريع التجارية السورية لا تكون مسجلة، أو تسجل تحت اسم مصري”.
على الرغم من ذلك، تشير الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن 54 في المائة من اللاجئين السوريين في مصر يعيشون تحت خط الفقر، و20 في المائة عاطلون من العمل. واللافت أن تلك الحملة تأتي بالتزامن مع حملات مماثلة في لبنان، لتُلقي بظلالها على تعاون الأجهزة الأمنية العربية، وسط مخاوف من أن تشكل تلك الحملة خطة جديدة للاستيلاء على الاستثمارات السورية في مصر، من خلال سنّ قوانين أو فرض ضرائب أو حتى تهديد وضعهم كلاجئين.
ومنذ نحو سبع سنوات، بدأت مصر استقبال آلاف الأسر السورية الفارّة من ويلات الحرب، بعد استحالة الحياة في بعض المناطق السورية محلّ النزاع. ومصر من الدول الموقعة على معاهدة جنيف عام 1951 التي تنص على أنه ينبغي منح اللاجئين المضطهدين الفارين من بلدانهم حق اللجوء، وينبغي عدم إعادتهم إلى أوطانهم إذا كانوا سيواجهون فيها ما يهدد حياتهم أو حريتهم.
وتقدر الأمم المتحدة عدد اللاجئين السوريين في مصر بأقل من 140 ألف سوري، بينما تقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عددهم بنصف مليون سوري، بينهم نحو 52 ألف طفل في الوقت الراهن، بحسب إحصائياتها الصادرة في إبريل/ نيسان في عام 2017. ويقدّر مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية السفير طارق القوني، عدد اللاجئين السوريين في مصر بنحو 500 ألف لاجئ، منهم نحو 120 ألفاً مسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وتشير الأرقام الصادرة عن المفوضية إلى أن مصر تسجل أعلى معدلات التحاق لأطفال اللاجئين السوريين في المدارس. ويبلغ عدد التلاميذ المسجلين في المدارس 39314 تلميذاً سورياً، وعدد الطلاب السوريين المسجلين في الجامعات المصرية نحو 14 ألف طالب عام 2015.