تراجع النمو السكاني لأدنى مستوى منذ سنوات

17
تراجع النمو السكاني لأدنى مستوى منذ سنوات
تراجع النمو السكاني لأدنى مستوى منذ سنوات

أفريقيا برس – مصر. تشهد مصر انخفاضاً في معدلات النمو السكاني ونسبة المواليد لأسباب عدة، ليُثار جدال حول عدم قدرة مصر على التعامل مع الزيادة السكانية لرفد الإنتاج والتنمية، وسط استمرار الأزمة الاقتصادية

كشف تقرير صادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية عن تحقيق مصر نجاحات ملحوظة في خفض معدلات النمو السكاني بنسبة تصل إلى 4.6% خلال الفترة ما بين عامي 2017 و2023. وبحسب التقرير، انخفض معدل النمو السكاني بنسبة 1.7% بين عامي 2022 و2023، حيث بلغ 1.4% في عام 2023، وهو أدنى معدل زيادة سكانية خلال 50 عاماً. وبلغ عدد المواليد خلال عام 2023 حوالي مليوني مولود، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 1.5% مقارنة بعام 2018، وبنسبة 7% مقارنة بعام 2022. كما أشارت تقارير صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى انخفاض معدل المواليد، وصل إلى مولود واحد كل 16 ثانية، بعدما كان يُسجل مولوداً كل أربع ثوانٍ خلال العقود الماضية.

وأوضح التقرير أن عدد سكان مصر تجاوز 107 ملايين نسمة، مع تسجيل مليون و433 ألف مولود خلال الفترة من فبراير/ شباط 2024 حتى نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، بمتوسط 8.385 مولوداً يومياً، و224 مولوداً كل ساعة، و3.7 مواليد كل دقيقة. ومن المتوقع أن يصل انخفاض نسبة الخصوبة إلى 2.3 خلال العام الحالي، ما يعني أن عدد سكان مصر قد يصل إلى 117 مليون نسمة بحلول عام 2034، وليس 2030 كما توقعت بعض الجهات المحلية والدولية.

من جهتها، أكدت وزارة الصحة والسكان أن مصر سجلت أدنى معدل إنجاب خلال 17 عاماً، مرجعةً ذلك إلى جهود الوزارة والمبادرات الحكومية. في المقابل، يشكّك مستشار وزير الصحة والسكان المصري الأسبق عبد الحميد فوزي في دقة هذه الأرقام، مشيراً إلى أن الحديث عن تحقيق أدنى معدل إنجاب خلال 17 عاماً يقتصر فقط على شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، وليس على مدار العام بأكمله. يضيف أنه لا يمكن الجزم بتحقيق هذا الانخفاض السنوي إلا بعد صدور تقارير شاملة تغطي العام الماضي كاملاً. ويستبعد فوزي أن يكون لحملات وزارة الصحة والسكان دور كبير في خفض معدلات الإنجاب، مشيراً إلى عدم وجود حملات ملموسة ومؤثرة في هذا السياق.

يضيف أن حملات تنظيم الأسرة تقلص تأثيرها بشكل واضح منذ عام 2011، وباتت تستهدف الفئات الأقل تعليماً وثقافةً ووضعاً اقتصادياً، وهي الفئات التي تشكل نحو 20% من السكان، لكنها لا تستجيب لهذه الحملات، بل تنجب الأطفال لتحويلهم إلى أدوات إنتاج ومصدر دخل إضافي للأسرة. ويعزو فوزي تراجع معدلات الإنجاب والنمو السكاني إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر، موضحاً أن الغالبية الساحقة من المصريين لم تعد قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية أو الحد الأدنى من تكاليف المعيشة، ما دفع كثيرين إلى إعادة التفكير ألف مرة قبل خوض تجربة الإنجاب، ما أدى بشكل مباشر إلى انخفاض معدل الإنجاب. رغم ذلك، يرى فوزي أن الزيادة السكانية تحولت في مصر إلى “نقمة”، بسبب الفشل في مواكبتها بمعدلات تنمية كافية لتحويلها إلى “نعمة” تعزز الإنتاج، وبات لنموها تأثير سلبي على معدلات التنمية، مستشهداً بمقولة المفكر جمال حمدان في كتابه “وصف مصر”، التي أشار فيها إلى أن هذه المشكلة أخفقت الدولة في إيجاد حلول لها.

يتابع فوزي أن التخطيط الحكومي لا يواكب الزيادة السكانية؛ على سبيل المثال، إذا خططت الدولة لبناء أربعة مستشفيات خلال عامين لتخدم 100 ألف شخص، ثم فوجئت بأن عدد المترددين عليها تجاوز النصف مليون، فإن هذه المستشفيات لن تتمكن من تقديم خدمات صحية جيدة. وينطبق الأمر ذاته على المدارس والخدمات الأخرى. يضيف أن استمرار معدلات الزيادة السكانية الحالية ينتج ما يُعرف بـ”أطفال التكاتك”، أي أنهم لا يحصلون على تعليم جيد، ولا رعاية صحية مناسبة، ولا تغذية سليمة، ما يحولهم إلى عبء على المجتمع بدلاً من أن يكونوا طاقة إنتاجية تساهم في التنمية.

من جهته، يعزو أستاذ الاقتصاد في كلية التجارة في جامعة القاهرة رشاد عبده انخفاض معدلات النمو السكاني في مصر إلى أسباب اقتصادية بحتة، موضحاً أن تراجع معدلات الزواج بشكل غير مسبوق أدى بالضرورة إلى انخفاض معدلات الإنجاب. يضيف أنه مع ارتفاع نسب العنوسة وتراجع القدرة على الزواج، يصبح من الطبيعي أن تتراجع معدلات الإنجاب وفق المسارات المعتادة. يتابع عبده أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها مصر منذ سنوات، وارتفاع معدلات التضخم إلى أكثر من 30%، دفع حتى من تمكنوا من الزواج إلى الاكتفاء بطفل أو طفلين على الأكثر، ما ساهم في انخفاض معدلات الإنجاب بشكل ملحوظ. ويشير إلى أن معظم الأسر، خصوصاً في الدلتا والصعيد، كانت تحرص على إنجاب أربعة إلى خمسة أطفال في المتوسط، لكن هذا النمط شهد تغيراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة.

إلى ذلك، يقلّل الأكاديمي المصري من أهمية الدور المنسوب إلى حملات وزارة الصحة والسكان في خفض معدلات النمو السكاني، متسائلاً: “أين هذه الحملات؟ وهل يشعر بها أحد في وسائل الإعلام أو حتى في الوحدات الصحية والمستشفيات المركزية والعامة ووحدات طب الأسرة؟”، ويوضح أن برامج خفض معدلات الإنجاب تعتمد بشكل كبير على المنح الدولية، ما يتطلب مهارات إدارية عالية من وزارة الصحة والسكان، مشيراً إلى تراجع هذه البرامج خلال السنوات الأخيرة.

ويؤكد عبده أن الزيادة السكانية تُعد نعمة في العديد من دول العالم، مستشهداً، بما فعلته المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عندما فتحت أبواب ألمانيا للهجرة، في محاولة لتعويض النقص في معدل المواليد والتصدي للأزمة الديموغرافية التي تواجه البلاد، بالإضافة إلى نقص الأيدي العاملة، ويشير إلى أن دولاً أخرى، مثل الصين والهند وإندونيسيا، تمكنت من توظيف الزيادة السكانية من خلال سياسات اقتصادية وتنموية ناجحة، ما جعلها رافداً للإنتاج الاقتصادي الوفير. في المقابل، يرى عبده أن غياب الحكم الرشيد في مصر، وافتقارها إلى سياسات اقتصادية ناجحة، حوّل الزيادة السكانية إلى “نقمة”، وأصبح المواليد مستهلكين بدلاً من أن يكونوا منتجين، ويؤكد أن الدولة تستخدم الزيادة السكانية ذريعةً لتبرير الفشل الاقتصادي والتنموي بدلاً من العمل على استثمارها بشكل إيجابي.

من جهته، يؤكد رئيس هيئة الاعتماد والرقابة في وزارة الصحة أحمد طه أن التراجع الملحوظ في معدلات الإنجاب تحقق بفضل حملات التوعية التي تنظمها وزارة الصحة والسكان والمبادرات الحكومية، ويشير إلى أن هناك تقديراً دولياً كبيراً للدور الذي تلعبه مصر في خفض معدلات النمو السكاني، مشدداً على أن هذا النجاح لا يعود فقط إلى العوامل الاقتصادية، بل هو نتاج جهود حكومية متواصلة لتعزيز الوعي وتنظيم الأسرة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here