أفريقيا برس – مصر. في مشهد أثار الكثير من التساؤلات داخل الأوساط السياسية والإعلامية، غابت الأحزاب السياسية المصرية، لا سيما المعارضة منها، عن التعاطي مع التظاهرات التي نُظمت في مدينة رفح الحدودية يوم الثلاثاء الماضي، بالتزامن مع زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مدينة العريش. وفي الوقت الذي كانت فيه الأنظار متجهة إلى مدينة العريش، حيث كان السيسي وماكرون، شهدت مدينة رفح الحدودية تظاهرات نظّمتها “جهات رسمية” تحت شعار التضامن مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. إلا أنه كان لافتاً في هذا المشهد غياب أحزاب المعارضة المصرية عن أي تفاعل مع تلك الفعاليات، سواء من خلال المشاركة أو حتى التعليق. هذا الغياب، الذي مرّ بدون أي تفسير علني من القوى المدنية، أعاد إلى الواجهة أسئلة قديمة متجددة حول موقع المعارضة في المشهد السياسي المصري، وحدود حركتها، وطبيعة إدراكها لدورها في قضايا تعتبرها تقليدياً من الثوابت الوطنية، مثل دعم الشعب الفلسطيني.
صمت أحزاب المعارضة المصرية
يقول قيادي في أحد الأحزاب ذات التوجه اليساري، طلب عدم ذكر اسمه، إن “التظاهرات جرى التحضير لها أمنياً، ولم تكن هناك دعوة حقيقية مفتوحة للمشاركة، بل جرت الأمور ضمن سياق مغلق، وموجّه من فوق”، مضيفاً: “لم نرغب في أن نكون جزءاً من استعراض سياسي يُوظّف لصالح السلطة، حتى ولو كانت اللافتات المرفوعة تتحدث عن فلسطين”.
اللافت أن حتى الأحزاب التي عادة ما تُصدر بيانات رمزية عند وقوع أحداث تخص القضية الفلسطينية -من باب الحفاظ على خطابها التاريخي- التزمت الصمت هذه المرة، ما يشير إلى ما هو أبعد من مجرد التريث أو التحفظ، ليصل إلى حدود العزوف الكامل عن التفاعل. ويعزو مراقبون ذلك إلى حالة التقييد المستمرة التي تعاني منها الحياة الحزبية في مصر، وغياب الحد الأدنى من حرية الحركة والتعبير، لا سيما في ما يتعلق بالملفات ذات الحساسية السياسية والأمنية.
“لا توجد أي ضمانة بأن الموقف المختلف سيتم تقبّله، أو حتى سماعه”، يقول أحد السياسيين الشباب، مضيفاً: “حتى التضامن مع غزة يمكن أن يُحوّل إلى تهمة، إن لم يكن في إطار ما ترسمه الدولة”.
وتكشف هذه الواقعة، مرة أخرى، عن الهوة القائمة بين السلطة من جهة، وأحزاب المعارضة السياسية من جهة أخرى. كما تسلّط الضوء على مفارقة أن تكون هناك “تظاهرات شعبية” تُنظم بدون أي حضور حزبي أو مدني مستقل، ما يعكس واقعاً سياسياً مأزوماً تتقلص فيه المساحات إلى حدود غير مسبوقة.
وفي السياق، يقول رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، إن “الأحزاب التي دُعيت للمشاركة في تظاهرات رفح كانت في معظمها من الأحزاب الموالية، المطلوب منها الحشد وتقديم صورة داعمة للرئيس عبد الفتاح السيسي، وليس التعبير عن رفض التهجير أو التضامن الخالص مع غزة”. ويضيف السادات: “نحن، كحزب له مواقف معروفة، لم نتلقّ أي دعوة للمشاركة، وأعتقد أن هذا هو الحال أيضاً مع عدد من الأحزاب المعارضة الأخرى”.
وفي تفسيره الأوسع للمشهد، يشير السادات إلى أن “المصريين، بمختلف انتماءاتهم، يشعرون اليوم بقلق حقيقي تجاه ما يحدث في غزة، ليس فقط على المستوى الإنساني، بل لما قد يمثله ذلك من تهديد للأمن القومي المصري. هناك إدراك عام بأن مصر أصبحت، بفعل هذه التطورات، في مرمى النيران، سواء من أعداء أو حتى من أصدقاء قد يُلحقون بها الضرر”. ويتابع: “رغم صعوبة الأوضاع المعيشية التي يمر بها المواطنون، إلا أن اهتمام الناس بات منصبّاً على ما يجري في غزة، من دمار وقتل وتجويع. المشهد مؤلم، وهناك حالة من الحزن العام والتعاطف الكبير مع الفلسطينيين، الذين تحمّلوا ما لا طاقة لبشر به”. ويضيف: “ماكرون لم يأتِ إلى مصر بصفته رئيساً لفرنسا فقط، بل بصفته ممثلا للاتحاد الأوروبي، والرسالة كانت ضرورية للعالم، لإظهار وجود دعم دولي للمبادرة المصرية العربية الإسلامية الهادفة إلى التهدئة، والإعمار، والاستقرار في غزة والضفة الغربية”.
ويرى السادات أن “الدعم الشعبي المصري لهذا التوجه، سواء من خلال الأحزاب أو القوى المدنية، يجب أن يكون حقيقياً، وليس مجرد مظاهر شكلية. هناك أحزاب معارضة مصرية أظهرت تضامنها من خلال وقفات رمزية، أو ندوات سياسية، لكن في المجمل، الجميع متفق على ضرورة وقف التهجير -سواء كان قسرياً أو طوعياً- وعلى ضرورة السعي إلى تسوية عادلة وشاملة تفضي إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود ما قبل يونيو/حزيران 1967”.
فعالية تحت إشراف الأجهزة الأمنية
من جهته، يعلّق منسق تيار الأمل علاء الخيام على غياب أحزاب المعارضة المصرية عن التظاهرات التي نُظّمت في مدينة رفح، قائلاً إن “ما حصل لم يكن تظاهرات بالمعنى الحقيقي، بل فعاليات معدّة سلفاً، تكرّرت بنفس الشكل، بنفس اللافتات، ونفس الأشخاص، وكأننا أمام حدث تنظمه شركة، لا موقف سياسي نابع من تضامن مع شعب يُباد على الطرف الآخر من الحدود”. ويضيف الخيام: “حتى بعض الأحزاب المحسوبة على المعارضة والتي شاركت في فعاليات سابقة، يبدو أنها أعادت حساباتها هذه المرة، بعدما اتضح أن ما يُنظَّم ليس تعبيراً حرّاً عن دعم القضية الفلسطينية، بل فعالية مصنوعة بالكامل تحت إشراف الأجهزة الأمنية، وبمشاركة أحزاب الموالاة، هدفها دعم الرئيس وليس رفض الحرب أو التهجير أو الإبادة الجماعية بحق المدنيين في غزة”. ويتابع: “لا يوجد أي حزب عنده تاريخ أو احترام لفكر سياسي يحب المشاركة في مشهد مثل هذا”.
وفي تقييمه الأوسع للمشهد السياسي، يقول منسق تيار الأمل: “لا أعتقد أننا نعيش لحظة فيها أحزاب معارضة حقيقية. حتى الحركة المدنية تحوّلت إلى صيغة بالغة الهشاشة، وأصبح الصوت المعارض غائباً بالكامل، في ظل سيطرة الأجهزة الأمنية على كل مفاصل القرار في البلد”. ويختم حديثه قائلاً: “الوضع السياسي في مصر هو الأسوأ منذ سنوات. الإحباط كبير، لكن لا نملك سوى الدعاء أن يكون القادم أفضل، وأن نستعيد صوتاً حقيقياً يعبّر عن الناس بصدق”.
من جهته، يقول المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور عمرو هاشم ربيع، إن “نوعية الأحزاب التي شاركت في التظاهرات كانت محددة بدقة، وهي تلك الأكثر طواعية وولاءً للسلطة، وتقبلاً لتوجيه التعليمات”.
المصدر: العربي الجديد
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس