هذه قصة انتحار وكيل النيابة الألفي على أثر تحقيق تأديبي

0
هذه قصة انتحار وكيل النيابة الألفي على أثر تحقيق تأديبي
هذه قصة انتحار وكيل النيابة الألفي على أثر تحقيق تأديبي

أفريقيا برس – مصر. كشفت مصادر قضائية تفاصيل جديدة بشأن وفاة وكيل النيابة العامة في مصر محمد صلاح الألفي، البالغ من العمر 31 عاماً، الذي عُثر عليه جثّة هامدة في منزله بمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية بعد إصابته بطلق ناري في الرأس، علماً أنّ التحقيقات بيّنت أنّه أقدم على الانتحار على خلفية أزمة نفسية مرّ بها إثر تعرّضه لضغوط شديدة في عمله، ولا سيّما أنّه خضع لتحقيق داخلي من إدارة التفتيش القضائي في النيابة العامة.

وأوضحت المصادر أنّ الألفي الذي كان يشغل منصب وكيل النائب العام لدى نيابة الخانكة الجزئية التابعة لنيابة شمال بنها بمحافظة القليوبية عانى من التوتّر والضغط النفسيَّين، بعد تحقيق معه في واقعة صُنّفت “مخالفة إدارية”، على الرغم من أنّ ما أتى به كان تنفيذاً مباشراً لتعليمات صادرة عن رؤسائه. وتعود البداية إلى محضر عرض على محمد صلاح الألفي، بشأن سيارة مخصّصة لذوي الاحتياجات الخاصة جرى التحفّظ عليها في حملة أمنية واسعة في مصر لضبط السيارات التي يُساء استخدامها من غير مستحقيها. وبحسب المصادر القضائية، فإنّ السيارة تخصّ عضواً في مجلس النواب، وقد أحال وكيل النيابة المحضر إلى المحامي العام المختصّ الذي وجّه بصرف السيارة، الأمر الذي التزم به وكيل النيابة من دون تجاوز صلاحياته.

لكنّ ما حدث لاحقاً شكّل صدمة كبيرة، إذ فوجئ الألفي بإحالته إلى التحقيق من جانب النائب العام المساعد ومدير إدارة التفتيش القضائي المستشار عمرو فاروق البدرماني، واتّهامه بارتكاب مخالفة إدارية تمثّلت في صرف السيارة من دون تحصيل الضرائب المستحقّة عنها. وقد مثل وكيل النيابة العامة أمام التحقيق، موضحاً أنّه تصرّف وفقاً لتعليمات صريحة من المحامي العام، الأمر الذي أقرّ به الأخير كذلك. وعلى الرغم من وضوح الموقف، استمرّت التحقيقات لفترة طويلة، وأُوقف وكيل النيابة عن العمل، قبل أن يُنقل لاحقاً إلى إحدى النيابات النائية في الأقاليم، الأمر الذي زاد من شعوره بالظلم والإحباط وأدّى إلى تدهور حالته النفسية. وبحسب المقرّبين منه، فإنّ وكيل النيابة الشاب الراحل شعر بأنّ مستقبله المهني يتهاوى، وأنّه تُرك من دون سند مؤسّسي يدافع عنه، وقد دفعه ذلك إلى اتّخاذ قرار مأساوي بإنهاء حياته.

انتقادات لاذعة لـ”نادي القضاة” في مصر

وأدّى إقدام محمد صلاح الألفي على الانتحار إلى حالة من الغضب في داخل أوساط النيابة العامة والهيئات القضائية، وسط انتقادات مباشرة وجّهها أعضاء في السلك القضائي إلى “نادي القضاة”، بسبب ما وصفوه بـ”الصمت الغريب” تجاه وفاة أحد أعضاء النيابة العامة في ظروف ترتبط بسوء بيئة العمل وانعدام الدعم النفسي والمؤسّسي لأعضاء الهيئة.

وفي منشور صادم على صفحة المجموعة الخاصة بالقضاة على موقع فيسبوك، كتب المستشار محمد عبد المنعم: “إلى متى يلتزم نادي القضاة الصمت!! انتحار وكيل نيابة… والشبهات تدور حول بيئة عمل غير مناسبة وتعامل غير طبيعي حطّ من شأنه وحطّم معنوياته ودفعه إلى ما صار”. وأضاف: “السؤال المطروح حالياً… هل تترفّع النيابة العامة وتطلب ندب (انتداب) قاضٍ للتحقيق”، وتابع أنّ “بالأمس القريب حصلت واقعة مشابهة بإدارة النيابات ووقتها طالبنا بندب (بانتداب) قاضٍ للتحقيق في الواقعة… بصراحة تكرار الموقف يثير لديّ تساؤلا عن مدى قدرة نادي القضاة حالياً على الدفاع عن أعضاء الهيئة القضائية… ماذا يحدث يا سادة؟”.

بدوره، كتب المستشار محمد الرويني على صفحة المجموعة نفسها: “ما مدى قدرة نادي القضاة في الدفاع عنا!! تحياتي للمستشار أحمد الزند – رئيس نادي القضاة الأسبق – لم ألتقِ به ولا أعرفه شخصياً، وطوال حياتي القضائية لم أستفد من أحد، والصراحة أني لم أذهب أصلاً لأي انتخابات لأصوّت له، ولكن كلمة حق تُقال كان مدافعاً عنّا بكلّ ما أوتي من قوة”.

جمع تبرّعات لأسرة وكيل النيابة المتوفّى

وفي لفتة إنسانية، أعلن رئيس نادي قضاة الشرقية المستشار إيهاب سرحان عن مبادرة لمساعدة أبناء وكيل النيابة الراحل محمد صلاح الألفي، الذي ترك خلفه أسرة صغيرة تعاني من الفقدان والحاجة. ودعا سرحان زملاءه القضاة وأعضاء النيابة العامة وكلّ من يستطيع إلى المشاركة في دعم أسرة الفقيد، مشدّداً على أنّ الواجب الأخلاقي وكذلك المهني يحتّم الوقوف إلى جانبها في هذا الظرف الصعب. وحرصاً على خصوصية الأسرة وكرامتها، أُنشئت قنوات رسمية وآمنة لتلقّي المساهمات، تحت إشراف نادي قضاة الشرقية، بما يضمن توجيه الدعم مباشرة للأسرة وتغطية احتياجاتها المعيشية والتعليمية في المرحلة المقبلة.

تحقيقات رسمية تُثبت الانتحار وتؤكّد الضغوط النفسية

وأفادت المصادر القضائية بأنّ التحريات التي أجرتها أجهزة الأمن، إلى جانب ما انتهى إليه الطبّ الشرعي، أكّدت أنّ الوفاة جاءت نتيجة طلق ناري وجّهه محمد صلاح الألفي إلى نفسه من مسافة قريبة في منزله، في غياب الشبهة الجنائية. وثبُت ذلك من خلال فحص البصمات على السلاح المستخدم، ومراجعة كاميرات المراقبة، واستجواب أفراد أسرته وجيرانه. وأضافت المصادر نفسها أنّ وكيل النيابة العامة لم يكن يعاني من أيّ مشكلات أسريّة أو خلافات شخصية، وأنّ كلّ المؤشرات دلّت على أنّ الضغط النفسي الناتج عن التحقيقات الداخلية والتعامل القاسي في بيئة العمل كانا السبب المباشر لانهياره.

في أعقاب هذه الواقعة، راحت تتعالى أصوات من داخل الوسط القضائي تدعو إلى مراجعة آليات عمل إدارة التفتيش القضائي، وتوفير آليات دعم نفسي فعّالة لأعضاء النيابة العامة، خصوصاً في ظلّ تزايد الضغوط المهنية وتعقيد الملفّات التي يتعاملون معها. كذلك، تطالب أصوات أخرى بضرورة استحداث وحدة دعم نفسي في المؤسسات العدلية، تكون مستقلة ومؤهّلة للتعامل مع حالات الضغط النفسي والانهيار العصبي، وضمان عدم تكرّر ما أصاب محمد صلاح الألفي مع أعضاء آخرين.

تجدر الإشارة إلى أنّ النيابة العامة لم تُصدر بياناً رسمياً حتى الآن بشأن الواقعة، لكنّ حالة الغضب في المؤسسة القضائية تتطلّب وقفة جادة، سواء على مستوى الإدارة أو الهيئات التمثيلية مثل “نادي القضاة”، لوضع حدّ لما وصفه قضاة بأنّه “نزيف المعنويات في سلك العدالة”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here