أحمد غربال.. مؤسس أول فرقة تونسية للكشافة الكفيفة

15

مع حلول الساعة العاشرة من صباح يوم الأحد، فُتح باب مقر فوج بوعصيدة للكشافة بمحافظة صفاقس (عاصمة الجنوب التونسي) ليستقبل أشباله وزهراته وجوالته، يتقدمهم القائد الكفيف أحمد غربال يمشي واثق الخطى ليشرف على نشاط “فرقة لويس برايل للكشافة الكفيفة” فوج مركز بوعصيدة.

وقبل التحية الصباحية المعتادة، حرص أحمد -بمساعدة قائدين في فرقته- على التأكد من ارتداء جميع الأفراد زيهم الكشفي حسب الرتب، ثم أعطى إشارة انطلاق النشاط مرددين نشيد الكشاف “كشاف هيا طلق المحيا، أد إلى الهدى رسالة الفداء.. بأيد سفرة كرام بررة، كشاف هيا هيا يا كشاف”.

وتسبب خطأ طبي بعد أشهر من ولادة أحمد في فقدانه حاسة البصر، لكنه واجه الأمر ببسالة مستعينا في ذلك بوقوف عائلته بجانبه حتى تمكن من تجاوز محنته وتحصيل العلم وتكوين شخصية قوية ومسؤولة.

الأب المحب وكشافة الكفيف
أراد والد أحمد أن يضم ابنه عام 2012 إلى المخيم الكشفي الصيفي مع شقيقه بمدينتهم، فتلقى منه إجابة مترددة باعتباره غير قادر على القيام بأنشطة الكشافة، إلا أن إصرار الأب المحب والواثق في قدرات فلذة كبده أقنعته بالموافقة.

ووافق أحمد بعد مدة قصيرة من التفكير مدفوعا برغبة منه في اكتشاف عالم الكشافة الغريب عنه بأنشطته ومبادئه وكثافة أعداد المشاركين فيه واختلاف شخصياتهم، ولم تمر سوى ثلاثة أيام تمكن خلالها من تكوين قاعدة جماهيرية كبيرة، ومن الفوز بمحبة واحترام الجميع.


ومكنت سرعة البديهة التي يتميز بها أحمد، وذكاؤه الحاد، وتحمله المسؤولية؛ من تنظيم فريق الطليعة الذي كان فيه حينها، فكان مع نهاية كل يوم وحلول الظلام يجتمع بأعضاء فريقه، ويقيّم معهم أداءهم ونقاط ضعفهم وقوتهم.

وجذبت سرعة اندماجه في المخيم الكشفي أنظار القادة الذين اقترحوا عليه في نهاية المخيم الانضمام إليهم بصفته قائدا، فوافق أحمد بعد مدة من التفكير، ونجح بفضل تميزه المستمر في وقت قصير في بناء مسيرة كشفية ناجحة، وتدرج في القيادة من ابتدائية لتمهيدية حتى حمل الشارة الخشبية الحالية، فكان من بعض قادة فوج كشافة بوعصيدة أن اقترحوا عليه تأسيس وقيادة فرقة كشافة الكفيف.

فرقة لويس برايل
شجعت ثقة القادة الكبيرة في إمكانات أحمد ودعمهم له في قبوله الاقتراح، فتأسست “فرقة لويس برايل للكشافة الكفيفة بصفاقس” بصفة رسمية في مارس/آذار 2017، وقرر أحمد أن تكون الفرقة مختلطة تضم كشافة مكفوفين وعاديين حتى لا يشعر الأطفال المكفوفون بالنقص والعزلة، ولتحقيق الهدف الرئيسي منها، وهو إدماجهم في الحياة الاجتماعية.

واختار الشاب التعامل مع الأطفال من سن 12 إلى 17 سنة، يعلمهم مبادئ الكشافة، ويخلصهم من شعور الوحدة الذي يعيشونه، ويساعدهم على تكوين علاقات صداقة متينة، ومن ثم التعويل على ذواتهم والثقة في أنفسهم.


ولاقت مبادرة أحمد استحسان أولياء الأمور والأطفال على حد السواء، غير أنه لاقى في المقابل صعوبة في تحصيل العدد المطلوب من المكفوفين، نظرا لمستويات عيش أسرهم الصعبة، وعدم قدرتهم على التكفل بمصاريف أبنائهم، لافتقار فرقته إلى دعم الدولة.

ويؤكد أحمد أنهم يصطدمون أيضا بنظرة المجتمع المغلوطة للكفيف، التي تعتبره عاجزا عن الفعل والاندماج، وهو ما يسعى من خلال فرقته إلى تغييره، وعدم ترك مجال للشك والأفكار السلبية للسيطرة على نفسية المكفوفين.

وتهددهم مشكلة الطرد وإخلاء المقر الذي ينشط فيه فوج كشافة بوعصيدة بصفاقس بصورة عامة -ومن ضمنها فرقة لويس برايل- في كل لحظة، وفق تأكيد ملازم قائد الفوج سالم بوجناح.

ويوضح المتحدث أن المقر يعود إلى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، ورغم طلبهم المتكرر من السلطات الجهوية والمركزية تسوية وضعيتهم وتمكينهم من المقر، فإنهم فوجئوا بتجاهل تام لنداءاتهم؛ مما جعل شعور اليأس يتسلل لنفوسهم حول مستقبل براعم الكشافة في المنطقة.

نجاح وارتياح
يشدد بوجناح على أن أحمد كسب التحدي وحقق مفاجأة سارة بالتغييرات التي حصلت في سلوك الكشافة المكفوفين الذين اندمجوا بسرعة البرق مع البقية العاديين.

ويتابع بكل فرح وتأثر بالغين “رأينا مشاهد عديدة تسر الناظر إليها؛ كشاف عادي يضم يد رفيقه الكشاف الكفيف ويساعده على قضاء حوائجه من دون أن يطلب منه ذلك، نحن نستمد الطاقة الإيجابية من القائد أحمد”.

بدورهما، أجمع كل من الكشافين الكفيفين ياسين بالحاج (14 عاما) وغسان الزواري (15 عاما) على استفادتهما من فرقة لويس برايل التي علمتهما الانضباط والقضاء على مخاوفهما وعدم التردد والإقبال على الأشياء بكل شجاعة.


وأكد محمد علي شقيق ياسين ارتياحه قائلا “نحن سعداء كثيرا لما أبداه ياسين من تقبل الآخر، فقد كان لا يفارقنا ويهاتفنا كل خمس دقائق، أما اليوم فيشارك في مخيمات خارجية لمدة نصف شهر ولا يكلمنا فيها بتاتا”.

وبالنسبة للقائدين إلياس شطورو وإبراهيم مكور، فإن فرقة لويس برايل حققت هدفها الذي تأسست لأجله، حيث نجح أحمد في احتضان الأطفال المكفوفين، والإيمان بقدراتهم وتنميتها.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here