“ليس تطويرا عمرانيا ولكنه تشويه للمنطقة وطمس لذكريات العمر كله”، هكذا استهل عبد الرحمن السيد أحد أهالي منطقة مصر الجديدة، حديثه للجزيرة نت ليصف ما بات يشعر به جراء هدم الأشجار والحدائق اللتين تشتهر بهما المنطقة من أجل بناء “كباري” جديدة.
ويؤكد عبد الرحمن أنه كان يفخر بالحياة في الحي الذي يعد أحد أرقى مناطق مصر كلها بما فيه من حدائق وأشجار تضفيان على المنطقة بعدًا جماليا جذابا، ولكن إزالة الحدائق وبناء كباري جديدة يفتحان الباب أمام طمس معالم الحي ويقضي على ذكريات الطفولة.
عبد الرحمن ليس الوحيد الذي يتخوف على تغيير شكل المنطقة، فمنذ إطلاق المشروعات الجديدة لا صوت يعلو فوق همهمات الأهالي، متسائلين في قلق وترقب عن مصير المنطقة تحت دعوى التطوير.
ومصر الجديدة “هليوبوليس” أحد أرقى أحياء القاهرة يصل عمره لنحو أكثر من مئة عام، حيث وضع حجر أساسه المعماري البلجيكي البارون إمبان، الذي شيده على الطراز الأوروبي.
وأصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي نهاية العام الماضي قرارا ببناء 12 جسرا “كوبري” في مصر الجديدة للحد من الاختناقات المرورية وتيسير الحركة داخل القاهرة، وكذلك تسهيل الانتقال من القاهرة إلى العاصمة الإدارية الجديدة (قيد الإنشاء).
وقال السيسي خلال كلمته في افتتاح عدد من المشروعات في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إن القرار يأتي لرفع المعاناة عن منطقة شرق القاهرة كلها.
اعتراضات بالجملة
وبينما يشيد النظام المصري وإعلامه بالمشروع، مؤكدين توفيره للوقت والجهد على المواطنين القادمين من طرق شرق القاهرة مثل طرق القاهرة الجديدة والسويس، انتقد خبراء ومختصون هندسيون الاتجاه لبناء جسور “كباري” بمصر الجديدة، مؤكدين أن ذلك طمس لمعالم أحد أحياء مصر الراقية.
المهندس الاستشاري ممدوح حمزة قال في تدوينة له عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، إن ما يحدث عبارة عن تدمير لمنطقة من أجمل مناطق القاهرة.
وأضاف أن المشروع يأتي لربط العاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة والعلمين بالكباري، ولكن ربط العاصمة الإدارية بالقاهرة والعلمين بالقاهرة لا يجب أن يكون من خلال الكباري ولكن يجب أن يتم بإقامة أنفاق، منعا لتشويه المنظر العام للحي.
ما يحدث في مصر الجديده (هيليوبوليس ) من تدمير ما هو الا امتداد لكوبري روض الفرج شرقا حتي السخنة حيث مشروع هضبة الجلالة : للاسف
اي الجلالة العلمين رائح جاي ومش مهم ندمر في السكة مجاورة كاملة كانت من اجمل مناطق القاهرة من اجل فكر خايب طائش صبياني
“الحل ليس بإنشاء الكباري أو الأنفاق فهي حلول وقتية تنقل الاختناقات المرورية من نقطة لأخرى”، هكذا تقول أستاذة التخطيط العمراني جليلة القاضي للجزيرة نت، لافتة إلى أن ظهور الكباري معناه أن المدينة شاخت ويحتاج قلبها لعمليات القلب المفتوح.
وأوضحت أن الحل للمشكلة ليس هندسيا فحسب، لأن إنشاء الكباري يعمل كذلك على زيادة تعقيد المشكلة وتشويه البيئة والصورة البصرية للمدينة ويتحول الأمر برمته لعبء مالي.
بدورها، نشرت صفحة “مبادرة تراث هليوبوليس بمصر الجديدة” على موقع التواصل فيسبوك، بيانا ذكرت فيه بوجود مشاكل أخرى حدثت بالشارع تتمثل في استخدام توسعة الشوارع لصالح السيارات وهو ما يؤثر سلبًا على المشاة، مؤكدة أن القائمين على الحملة طلبوا مسبقًا إجراء حوار مجتمعي قبل بداية العمل بمشروع التطوير وإنشاء الكباري في أغسطس/آب من العام الماضي، وهو ما تأخر كثيرًا.
ورأى عضو مبادرة تراث هليوبوليس بمصر الجديدة عبد الرحمن عادل أن المبادرة تابعت بقلق خلال الفترة الماضية ما حدث بحي مصر الجديدة حيث تمت إزالة كم كبير من الأشجار والحدائق بمعدل وصل إلى نحو 2500 شجرة معمرة لأجل توسيع الشارع.
وأضاف عمليات التطوير سترفع أعداد السيارات المارة بالمنطقة عوضًا عن إزالة الترام القديم وهو ترام صديق للبيئة وكان يستخدم الكهرباء بدلا من المحروقات، وهو ما يعني زيادة معدلات التلوث.
محاولة احتواء
وفي محاولة لاحتواء الغضب في الشارع، أطلقت وزارة البيئة أخيرًا حملة “اتحضر للأخضر” برعاية الرئيس السيسي.
وقالت وزيرة البيئة ياسمين فؤاد في جلسة حوار مجتمعي مع عدد من الشباب ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية من ممثلي سكان مصر الجديدة، إن الحملة تأتي فى إطار توجيهات رئيس الجمهورية بشأن إعادة تخطيط منطقة مصر الجديدة لإظهارها بالشكل الحضاري عقب الانتهاء من أعمال البنية التحتية لمشروعات الدولة للمنفعة العامة.
وأوضحت وزارة البيئة أن المرحلة الأولى من الحملة استهدفت تشجير ميدان تريومف بمصر الجديدة، عبر توفير ألفي متر نجيلة جاهزة وكذلك ثلاثمئة نبات ايفوربيا حمراء لزراعتها بالميدان، كما جرى دهان عدد من عمارات الميدان لتحسين المظهر الجمالي للمكان مع الحفاظ على معالمه الرئيسية، إضافة إلى دعم الميدان بعدد من صناديق القمامة.
ووفقا للوزيرة، سيجري الانتهاء من المراحل الأخرى للمشروع خلال الفترة المقبلة التي تشمل تشجير شوارع عثمان بن عفان وأبو بكر الصديق والحجاز وميدان روكسي.