أفريقيا برس – مصر. أحالت نيابة أمن الدولة العليا المصرية، اليوم الخميس، الصحافي خالد ممدوح إلى المحاكمة الجنائية على خلفية اتهامه في إحدى قضايا “نشر أخبار كاذبة”، بعد اعتقاله من منزله بمنطقة المقطم فجر يوم 16 يوليو/ تموز 2024، واختفائه قسرياً لنحو أسبوع، قبل أن يظهر بنيابة أمن الدولة العليا. ووجهت نيابة أمن الدولة إلى خالد ممدوح ثلاث تهم، وهي “الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها”، و”تمويل جماعة إرهابية”، و”نشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها الإضرار بالأمن والنظام العام”، على ذمة القضية رقم 1282 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا.
خالد ممدوح بين الاحتجاز والمحاكمة
كانت نقابة الصحافيين المصريين قد تقدمت بطلب رسمي إلى النائب العام للكشف عن مكان احتجازه، استناداً إلى شكوى تقدمت بها أسرته أكدت فيها أن اعتقاله حصل من منزله فجراً، من دون إبراز إذن قانوني أو بيان جهة القبض. وأوضحت لجنة الحريات بالنقابة، في بيان، أن خالد ممدوح يشغل منصب مدير تحرير في قناة “MBC مصر”، وله تاريخ مهني حافل بالمقالات والكتابات الصحافية، وليس له أي نشاط سياسي أو انتماءات حزبية. وطالبت اللجنة بتمكين أسرته ومحاميه من التواصل القانوني معه بشكل فوري.
خمس سنوات من حبس مروة عرفة
إلى جانب خالد ممدوح تواصلت النداءات الإنسانية والحقوقية في مصر وخارجها للمطالبة بإطلاق سراح المترجمة والناشطة المجتمعية، مروة عرفة، التي تجاوزت خمسة أعوام ونصف من الحبس الاحتياطي في قضية أمن دولة. ومنذ ظهور والدة مروة، وفاء حفني، في حوار صحافي قبل أسابيع، عاد ملف ابنتها إلى واجهة النقاش العام.
الأم، وهي أستاذة الأدب الإنكليزي في جامعة القاهرة، طالبت رئيس الجمهورية بالإفراج عن ابنتها الوحيدة، مشيرةً إلى أنها لم تعد قادرة على الحركة بشكل مستقل وتعاني صعوبات في التنفس بعد أحداث صحية وصفتها بـ”الحرجة”. وذكرت أن مروة تحتاج إلى رعاية عاجلة لا تتوفر داخل السجن، بينما تحتاج طفلتها وفاء، المصابة بالتوحد، إلى وجود أمها بعد سنوات من الافتراق القسري.
وقالت الأم، نقلاً عن تقرير لجنة العدالة، الصادر اليوم، إن ابنتها تعرضت لاعتداءات داخل السجن على يد سجينات جنائيات، تؤكد أنها جاءت بتحريض من ضابط مسؤول، مطالبةً بالفصل بين “سجينات الرأي” والمتهمات الجنائيات. وأضافت أن مروة تعيش حرماناً مستمراً من حقوق أساسية نصّت عليها لائحة السجون، بينها الخروج للتريّض، وهو أمر كان الأطباء قد شددوا على ضرورته لتجنّب تكرار الجلطة التي أُصيبت بها سابقاً.
وأحدث جلسات محاكمتها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي كشفت جانباً من هذا التدهور الصحي، حين مثلت أمام القاضي في حالة إنهاك واضح، وأبلغت المحكمة بأن ضغط دمها وصل إلى مستوى خطير (200/120)، وأنها لم تُعرض على طبيب استشاري رغم آلام القلب التي تعاني منها. وبعد أشهر فقط، سجّلت اللجنة الحقوقية “لجنة العدالة” تدهوراً إضافياً، وكشف تقريرها أن مروة أُصيبت بجلطة في الشريان الرئوي في أغسطس/ آب 2025، ونُقلت إلى مستشفى السجن، لكنها أُعيدت إلى الزنزانة مجدداً بعد ليلة واحدة من دون تلقي علاج مناسب.
مروة عرفة (31 عاماً)، معروفة في الأوساط الحقوقية والاجتماعية منذ سنوات. قدّمت الدعم لأسر المحتجزين والغارمات، وساعدت العائلات المسيحية التي نزحت من العريش عقب تهديدات “داعش” عام 2017، وشاركت في حملة لحماية الأطفال المحتجزين عام 2015. نشأت في أسرة لا انتماء سياسياً لها، رغم خلفيتها التاريخية المرتبطة بمؤسِّس جماعة الإخوان المسلمين. ويصفها زوجها الكاتب تامر موافي بأنها كانت تعمل الخير منفردة، بلا انتماء سياسي، وبلا تمييز بين من تساعدهم، حسب التقرير.
لكن هذه الأنشطة، وفق الأسرة، لم تلقَ قبولاً لدى بعض الجهات الأمنية. ففي 20 إبريل/ نيسان 2020، اقتحمت قوة بزي مدني منزلها في مدينة نصر وصادرت أجهزة وهواتف، واقتادتها إلى جهة مجهولة. ظلّت مختفية لمدة 14 يوماً قبل ظهورها أمام نيابة أمن الدولة، التي اتهمتها بالانضمام إلى جماعة إرهابية وتمويل أنشطة محظورة. ومنذ ذلك الحين، تجدّد حبسها عشرات المرات، متجاوزةً الحد الأقصى للحبس الاحتياطي المنصوص عليه قانوناً.
التقارير الواردة عن ظروف احتجازها تحدثت عن سوء معاملة وإجبارها على خدمة السجينات الجنائيات، وفرض إتاوات عليها، ووضعها تحت ضغط نفسي شديد. كذلك مُنعت أسرتها من زيارتها لفترات طويلة، وانقطعت عنها الزيارات خلال الأشهر الأولى لاحتجازها. ورَوَت والدتها أن اللقاء الذي يُسمح لها به مرة واحدة شهرياً لا يتجاوز عشرين دقيقة. وخلال فترات العزلة الطويلة، اتجهت مروة إلى دراسة القانون، وتمكّنت من الحصول على الليسانس داخل السجن، لكن طلباتها المتكررة لأداء امتحانات الدراسات العليا رُفضت، رغم النصوص القانونية التي تكفل هذا الحق.
ابنتها الصغيرة وفاء لم تكن بعيدة عن آثار الاحتجاز. فبعد انقطاعها المفاجئ عن أمها وهي رضيعة، ظهرت عليها اضطرابات سلوكية، وأكدت الفحوص إصابتها بالتوحد وصعوبات في النطق، وفق تقارير طبية أشارت إليها الأسرة. منظمات حقوقية محلية ودولية طالبت مراراً بالإفراج عنها. فدعت “هيومن رايتس ووتش” في إبريل/ نيسان 2020 إلى الكشف عن مكانها والإفراج الفوري عنها. ومنذ ذلك الحين، أصدرت “لجنة العدالة” عشرات البيانات التي أدانت الحبس المطول، معتبرةً أن ما تتعرض له يخالف الدستور والقانون ويشكّل “استخداماً عقابياً” للحبس الاحتياطي. كذلك وصفت منعها من الدراسة والإهمال الطبي بأنه “إجراءات تعسفية” تهدّد سلامتها. وفي 2024 و2025، طالبت المؤسسة بالإفراج الوجوبي عنها بعد تجاوزها المدة القصوى للحبس الاحتياطي.
وبلغت الأزمة ذروتها في صيف 2025، حين رفضت إدارة سجن العاشر من رمضان السماح لمحاميها بزيارتها رغم حصوله على تصاريح رسمية. واعتبرت لجنة العدالة هذا الرفض مخالفة صريحة للقانون، محمّلة وزارة الداخلية والنيابة العامة مسؤولية التدهور الخطير في حالتها الصحية.
وفي يناير/ كانون الثاني 2025، وبعد أكثر من أربع سنوات على احتجازها، أحالت نيابة أمن الدولة مروة عرفة إلى المحاكمة الجنائية على ذمة القضية ذاتها، من دون أن تقدم، حسب دفاعها، أدلة ملموسة على الاتهامات المتداولة. غير أن المحاكمة لم تخفف القلق الحقوقي، بل زادت المخاوف بشأن ظروفها الصحية، خصوصاً في ظل استمرار النزف الذي تعاني منه منذ أشهر وعدم تلقيها علاجاً متخصصاً.
زوجها تامر موافي قال في رسالة سابقة إن “سنوات العمر تضيع في الزنازين”، داعياً إلى وقف ما يصفه بالعقاب غير المبرّر. بينما تتساءل والدتها كيف يمكن لابنتها أن تواصل حياتها أو رعاية طفلتها في ظل ظروف احتجاز “تفتقر إلى الحد الأدنى من الإنسانية”. ومع مرور خمسة أعوام وسبعة أشهر خلف القضبان، تجددت المناشدات للإفراج عن مروة عرفة، سواء لأسباب قانونية بعد تجاوزها الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، أو لأسباب إنسانية تتعلق بسلامتها الجسدية والنفسية، وبسلامة طفلتها التي تكبر منذ سنوات بعيداً عن والدتها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس





