الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي مختلف عن الجولات السابقة

الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي مختلف عن الجولات السابقة
الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي مختلف عن الجولات السابقة

أفريقيا برس – مصر. أفادت مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة بأن الجولة الأخيرة من الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي التي استضافتها القاهرة، الأحد الماضي، شكّلت تحولاً نوعياً في مسار التنسيق الثنائي، بعدما نجحت الإدارة المصرية في تضمين عدد من الملفات المصيرية بالنسبة لمصر والمنطقة، وعلى رأسها قضايا الأمن المائي والسودان وليبيا، إلى جانب ملفات التنمية وإعادة الإعمار في أفريقيا. وأوضحت المصادر أن القاهرة تمكنت خلال جلسات الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي من دفع واشنطن إلى تبني رؤية أكثر اتساقاً مع المصالح المصرية، خصوصاً فيما يتعلق بحماية الأمن المائي المصري المرتبط بنهر النيل. وأكدت أن الوفد المصري شدّد على أن أي إجراءات أحادية في حوض النيل تمثل تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن القاهرة تمكنت من تثبيت هذه النقطة في المداولات، باعتبارها قضية أمن قومي لا تخصّ مصر وحدها، بل تمسّ استقرار القارة الأفريقية برمتها.

أولوية حرب السودان

وفي ما يخصّ الملف السوداني، قالت المصادر إن الوزير بدر عبد العاطي قدّم طرحاً مصرياً متكاملاً يقوم على أولوية تثبيت وقف إطلاق النار الشامل، وإنشاء ممرات إنسانية، وتفعيل مسار سياسي جامع برعاية إقليمية. وأشارت إلى أن الجانب الأميركي أبدى تفهّماً متزايداً للموقف المصري القائم على دعم مؤسسات الدولة السودانية ورفض أي محاولات لتقسيم البلاد، وهو ما اعتبرته القاهرة نقطة توافق مهمة تُعزّز الدور المصري في آليات الوساطة الأفريقية والدولية. أما بالنسبة للأزمة الليبية، فأكدت المصادر أن القاهرة استطاعت إعادة التأكيد داخل الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي على ثوابتها الراسخة، برفض التدخلات الخارجية وخروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة، مع التركيز على دفع المسار السياسي نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة. ولفتت إلى أن الجانبين ناقشا إمكانية توسيع الدور الأميركي في دعم جهود الأمم المتحدة والتنسيق مع دول الجوار، في ضوء الدور المصري المحوري في الملف الليبي خلال السنوات الأخيرة.

وأشارت المصادر إلى أن الجانب المصري حرص أيضاً على إبراز البُعد التنموي للحضور المصري في أفريقيا، مستعرضاً التجارب الناجحة للوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، ومركز القاهرة لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام. وقالت إن إدراج ملفي التنمية وإعادة الإعمار بعد النزاعات في جدول الحوار يعدّ “نجاحاً إضافياً” للدبلوماسية المصرية، إذ تم الاتفاق المبدئي على دراسة إطلاق آلية تعاون ثلاثية مصرية ـ أميركية ـ أفريقية لدعم مشاريع إعادة الإعمار في مناطق النزاعات مثل السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وأضافت المصادر أن هذه الجولة من الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي مختلفة جذرياً عن سابقاتها، إذ كانت الجولات الماضية، ولا سيما تلك التي عُقدت في واشنطن، تغلب عليها القضايا التي تتسق مع الرؤية الأميركية للعلاقات الثنائية، مثل مكافحة الإرهاب، وملفات الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان، في حين نجحت القاهرة هذه المرة في تحويل دفة الحوار نحو قضايا تمسّ أولوياتها المباشرة وأمنها القومي ومصالح القارة الأفريقية.

ومنذ إطلاق الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي في عام 1998، بين وزيري الخارجية آنذاك، الأميركية مادلين أولبرايت والمصري عمرو موسى، مرّت هذه الآلية بمراحل عدة. في البداية كان الحوار شاملاً يتعلق بكافة أبعاد الشراكة بين البلدين: الأمن، والاقتصاد، والدفاع، والتعليم، والثقافة، وقضايا الشرق الأوسط وأفريقيا. لكن بين عامي 2009 و2015 شهد الحوار توقفاً فعلياً، ثم أعيد استئنافه في أغسطس/ آب 2015 في القاهرة، حينها صدَر بيان مشترك واسع تناول كل هذه الملفات. واستُكملت الجولة الكبرى التالية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 في واشنطن، مقترنة ببيان مشترك مفصّل سلّط الضوء على الأمن والاقتصاد وحقوق الإنسان والدفاع والأمن المائي ضمن جدول الأعمال. لكن الجولة الحالية، التي عُقدت الأحد الماضي، حملت اختلافاً جوهرياً عن سابقاتها. أولاً، المستوى البروتوكولي للجانب الأميركي تغيّر: إذ لم يقُدها وزير الخارجية كما في الماضي، بل ترأسها عن الجانب الأميركي كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، بينما حمل الجانب المصري مستوى وزير الخارجية بدر عبد العاطي.

لا دلالات خاصة لانعقاد الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي

في السياق، اعتبر معصوم مرزوق، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري، أنه لا يرى دلالات خاصة لانعقاد الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي بتمثيل الولايات المتحدة من خلال مسعد بولس، وبحضور مايكل ريغاس نائب وزير الخارجية للإدارة والموارد. وأوضح مرزوق أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعتمد في العادة على ممثلين شخصيين في اتصالاته الدولية، مشيراً إلى أن هذا الأسلوب “ليس جديداً على إدارته”، وضرب مثالاً بذلك بتكليف ترامب رجل الأعمال ستيف ويتكوف لتمثيله في المفاوضات الخاصة بأزمة غزة. وأضاف أن هذا النمط من التمثيل “قد لا يُعد خفضاً في مستوى الاهتمام الأميركي بالحوار، بل ربما يعكس زيادة في درجة التركيز على مصر ودورها المتنامي في المنطقة، سواء من زاويتها العربية أو الأفريقية”، لافتاً إلى أن واشنطن تدرك أهمية الدور المصري في الملفات الإقليمية المعقدة.

في ما يتعلق بإدراج ملف الأمن المائي المصري ضمن جدول أعمال الحوار، قال مرزوق إنه لا يعتقد أن هناك تطوراً جوهرياً في موقع هذا البند، سواء بالسلب أو الإيجاب، موضحاً أنه “بند ثابت على جدول الحوار الاستراتيجي منذ استئنافه خلال ولاية الرئيس جو بايدن”، غير أن الجانب المصري بحسب تقديره: “سيسعى لإعطائه أولويةً خاصةً، في ضوء ما يمثله من أهمية قصوى لمصر، ومع وجود سوابق لموقف أميركي يمكن البناء عليه في هذا الملف الحيوي”. في المقابل، قال حسين هريدي؛ المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري، إنه لا يعتقد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب جاد في تسوية الخلاف القائم بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، مشيراً إلى أن واشنطن “ربما تفضّل بقاء هذا الخلاف قائماً لتستخدمه كورقة ضغط على القاهرة كلما اقتضت مصالحها ذلك”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here